مواقف الدول من الاحتلال الفرنسي للجزائر
أولا موقف الدولة العثمانية من الاحتلال
كانت الدولة العثمانية منشغلة بثورة اليونان والحروب الروسية التي أنهكت قواها و لم يسمح لها بمساعدة الجزائر، و اكتفت بمحاولة حل الازمة بالطرق الدبلوماسية، فأرسلت الوفود لمحاولة إيجاد حل سياسي و حلحلت الوضع، الا ان جهودها فشلت.
ثانيا موقف الدول الغربية.
واجهت فرنسا في المحيط الدولي معارضة ضئيلة، وساعدها على ذلك شهرة الجزائر بالقرصنة في المجتمع الأوروبي، وقد استغل بولينياك هذه الظروف وراح يصور التدخل الفرنسي في الجزائر على أنه للقضاء على ما سماه عش القراصنة و وكر اللصوص،و ان الهدف من الحملة هو انتشال الجزائريين من الهمجية الى الحضارة، والدليل في ذلك رسالة 10 مارس التي أبلغ بولينياك بواسطتها الدول الكبرى بقرار الحملة، وتمكن من خلالها من كسب تأييد معظم الدول الأوروبية للعدوان، ولم تعارضه سوى بريطانيا وتحفظت عنه إسبانيا.
ومن بين الدول التي اتخذت مواقف مؤيدو للحملة الفرنسية على الجزائر نجد:
- روسيا:
لم تكن ترى في الاحتلال مانعا، لأن اهتمامها كان منصبا على منطقة البلقان، لذلك كانت روسيا هي الدولة الوحيدة التي كان موقفا مشجعا أكثر للاحتلال، فعندما طلب سفير بريطانيا من القيصر الإسكندر الأول أن يعارض المشروع، أجابه هذا بأن روسيا ليس لديها أي اعتراض تبديه على الحملة، ولعل تصريح القيصر الروسي للسفير البريطاني "لافيروني" في شهر جويلية 1821م يبين ذلك فقد صرح بما يأتي «ما علينا أي فرنسا ألا تفتح البركان من مضيق جبل طارق إلى الأردنيل وأن تختار ما يلائمها وتستطيع أن تعتمد في هذا المجال ليس فقط على تأييد روسيا بل وإعانتها الجدية والفعالة»،
موقف النمسا:
كان موقفها حياديا لامباليا وهي تعاني من ظروف داخلية غير مستقرة، كما كان عليها مجاراة حليفاتها روسيا وبروسيا في تأييد الخطوة الفرنسية، وقد أعطت اهتماما كبيرا للحملة الفرنسية على الجزائر حيث كانت تراقب نشاطات الحكومة الفرنسية حول القضية الجزائرية.
لم تكتف بذلك فقط بل دعمتها بأحد ضباطها وهو "فريديريك سلوارتز أمبورغ" الذي شارك في أحد معاركها.
كما أن رئيس وزراء النمسا "مترنيخ" بالرغم من ميله إلى موقف بريطانيا وإلى استقرار الأوضاع في أوروبا، ولما أطاحت ثورة جويلية بنظام شارل العاشر في فرنسا عام 1830م، تخوفت الحكومة النمساوية من انتشار الثورة إليها وأسرعت إلى عقد معاهدة دفاعية مع روسيا وبروسيا للمحافظة على النظام القائم.
موقف بريطانيا:
كانت الحكومة البريطانية في البداية أشد الدول الأوروبية معارضة للحملة، وكانت تستهدف بذلك بقاءها في مركز الثقل في منطقة البحر المتوسط، ولتغطي الحكومة الفرنسية مخاوف بعض الدول الأوروبية فقد عملت على إيجاد ظرف دولي مناسب للترحيب بمشروع الحملة، فأعلن بولينياك في 04 فبراير 1830م للدول المسيحية أن الملك الفرنسي شارل العاشر اتخذ قرارات بإبطال عبودية المسيحيين بدول المغرب، والقضاء على القرصنة على امتداد الساحل الإفريقي، وإعادة حرية الملاحة، وازدهار التجارة بحوض البحر المتوسط، والتخلي عن الإتاوات التي تقدمها الدول الأوروبية إلى حكومة الداي بالجزائر، ورغما عن هذه المسحة الإنسانية المزعومة فقد أظهر ويلنغتون تخوفه من هذا التصريح فأعلن في 12 فبراير ما يأتي: «إن كل ما يسمح بالقيام به في الجزائر يجب أن لا يتجاوز نتائجه قصفنا لمدينة الجزائر عام 1816م»، ولذلك أمر الملك شارل العاشر بالرد على التخوفات الإنجليزية، وقد جاء في رده هذا ما يأتي: أن الملك ينتقم لشرفه بما يتناسب وكرامة شعبه غير مدفوع في ذلك بأي طموح شخصي، وإذا سقطت نيابة الجزائر في يده فإنه سيتفاهم مع حلفائه الأوروبيين بشأن مستقبلها، وذلك بإقامة حكومة فيها تكون أكثر تحضرا وأكثر تفاهما وانسجاما مع المسيحية والمسيحيين ولكنه (أي الملك) لا يأخذ نفسه بأي تعهد آخر يتنافى وكرامة وفوائد فرنسا.
وقد وقف الإنجليز موقفا معارضا بحق، ولكنه موقف لم يصل بهم على كل حال إلى حد التهديد المسلح، ولعل ذلك راجع أساسا إلى التعاون بين قوات الطرفين الإنجليزي والفرنسي حيث اشتركتا في تدمير الأسطول العثماني والجزائري في نافارين 1827م، ومن خلال أيضا طلب اللورد "أبردين" من الدوق "دولافال" أن لا تمد فرنسا عملها التوسعي إلى تخوم نيابتي تونس وطرابلس، وأن تتعهد بحسم خلافها بنفسها .وفي الحقيقة فإن هذه العبارة الأخيرة تدل بوضوح على تراجع موقف بريطانيا من عملية احتلال فرنسا للجزائر، وبهذا تكون الحكومة الإنجليزية قد وافقت بصراحة على تدخل فرنسا المباشر للجزائر خاصة بعد تنازل فرنسا لها بمشروع قناة السويس.
- موقف إسبانيا:
بالرغم من أنها شعرت بالغيرة من فرنسا لأنها قد تنجح فيما فشلت فيه عدة مرات في القرون السابقة، فقد تحفظت عن الغزو لاعتقاد بعض أوساطها السياسية والعسكرية بأحقيتها في احتلال القطاع الوهراني من الجزائر نظرا لوجودها السابق بوهران والمرسى الكبير لما يقارب من ثلاثة قرون، ولارتباطها باتفاقية تجارية مفيدة مع الجزائر وحرصها على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع بريطانيا، لكن ذلك لم يمنعها في سياق مناصرة الرأي العام الأوروبي لعملية الغزو من السماح لها باستخدام جزر البليار كمحطة للأسطول الفرنسي، وبتأجير السفن التجارية الإسبانية للحكومة الفرنسية لتعضيد الحملة، مع الملاحظة أن ساسة هذه الدول لم يعولوا كثيرا عما ورد في رسالة بولينياك من أن غرض الحملة تأديبي وليس إحداث تغيرات إقليمية في حوض المتوسط، والدليل على ذلك تعليق مترنيخ على النبأ بقوله «لا نعرض أكثر من أربعين ألف رجل للموت، وينفق أكثر من مليون فرنك من أجل لطمة مروحة».
- موقف بروسيا:
لم تعارض بروسيا مشروع فرنسا وأعربت عن تأييدها له ، خاصة عندما علمت بموافقة روسيا عليه، ففي مصر طلب "برنستورف" من "بوكيانيتي" القنصل الروسي بالإسكندرية بأن يخبر سريا محمد علي بأن بروسيا قد وافقت على مشروع الحملة المدبرة، كما وعد فرنسا بأن يدعم فكرتها لدى الباب العالي.
وكانت تهدف من وراء هذه السياسة إلى تحويل أنظار فرنسا من منطقة الراين إلى مناطق أخرى بعيدة عن أوروبا، كما عرضت خدمات ضباطها على فرنسا تحت ضغط من حليفتها روسيا.
مواقف دول أخرى
أما بقية الدول الأوروبية كالسويد وسردينيا والدنمارك وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية فلم تكن تختلف عن المواقف السابقة الذكر، حيث دعمت الحملة ماديا وبشريا، وكذا البابا بيوس في روما قد سمح لفرنسا باستخدام موانئه ومملكة نابلي وصقلية التي سمح ملكها فرنسوا الأول للتجار بتزويد الحملة الفرنسية بالسفن الذي يحتاجها.
ثالثا موقف الدول العربية من الاحتلال.
كان الموقف الذي اتخذته دول المغرب من احتلال فرنسا للجزائر موقفا سلبيا، اللهم إلا إذا استثنينا موقف إيالة ليبيا، ولعل خير ما يصور لنا ما كان عليه بعض حكام بلدان المغرب من تعامل شنيع مع الفرنسيين على الجزائر.
أولا بموقف تونس:
كان الموقف الحكومي التونسي وليس الشعبي مغايرا للآخر، إذ أيد حكامها العدوان الفرنسي بخلاف الشعب، وقد اتخذت الحكومة التونسية موقفا غير مشرف اتجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر، ففي الوقت الذي كان ينتظر أن تقف إلى جانب الجزائر في صد العدوان الفرنسي تواطأت مع فرنسا في غزو الجزائر وقدمت لها التسهيلات اللازمة، إذ مولت الحملة بالماشية ومنعوا تهريب البارود من طبرقية إلى قسنطينة، كما أن باي تونس أيد فكرة الاحتلال الفرنسي للجزائر وهنأ قائد الحملة بالانتصار.
والسبب في موقف تونس السلبي نجده مرتبط بالعلاقات المتوترة السائدة بين البلدين قبل الحملة، حيث قامت بينهما حروب طويلة لم تتوقف إلا بعد أن توسطت الدولة العثمانية عام 1821م، حيث قال الزهار عن هذه الوساطة ما يلي «ولما وصلت الفرامانات والرسل لأميري البلدين عندئذ تم الصلح وفرح جميع المسلمين واستبشروا بانطفاء هذه الفتنة»،
لقد كانت تحركات قنصل فرنسا بتونس قوية ومنسقة مع أجهزة الحملة، وكان الجواسيس والمفاوضون قد تسربوا نحو قسنطينة وعنابة محاولين إيجاد الثغرات وعزل سلطات الإقليم عن السكان، والمعروف أن الفرنسيين كانت لديهم مصالح تجارية وحتى عسكرية جهة عنابة والقالة. كذلك من المساعدات ما نصت عليه معاهدة 18 ديسمبر 1830م التي جاء فيها أنه أتى من أجل ملء الفراغ الذي تركه باي وهران، عمد كلوزيل إلى الاتفاق مع باي تونس في 04 فبراير 1831م على وضع وهران تحت الحماية التونسية مقابل ضريبة تدفعها تونس إلى سلطات الاحتلال، وفي ذلك يقول أحد الكتاب المعاصرين «وكان حكام تونس ظالمين مع الفرنسيين يزدادون منهم تقربا كلما خافوا على عرشهم الزوال على أيدي الأتراك غير مفكرين في المصير المحتوم الذي ينتظرهم، ولا ما يقتضيه واجب التضامن الإسلامي وحق الجوار والأخوة لإنقاذ الجزائر من براثن الاستعمار الفرنسي».
وعندما آمنت فرنسا جانب تونس بعدم تدخلها في مشكلة الجزائر فإنها أرادت أن ترهب الدولة العثمانية، فأرسلت قطعة من أسطولها إلى ميناء حلق الوادي بقيادة الأميرال "روزمال"، وكانت تستهدف بهذا التهديد المسلح الضغط على باي تونس الذي وقع معها على اتفاقية 08 أوت 1830م.
- موقف المغرب الأقصى:
اتخذ هو الآخر موقفا سلبيا من الاحتلال، حيث التزم سلطان "مولاي عبد الرحمان" الصمت على غرار شعبه الذي كان مع الجزائر، وهذا الصمت راجع إلى تجنبه التدخل العسكري من جهة أولى مع فرنسا، ولفتور العلاقات بينه وبين حكام الجزائر، ثانيا استنجد الداي إذ أنه لما استنجد الداي حسين بالسلطان المغربي مولاي عبد الرحمان لمساعدته لطرد الفرنسيين، التزم هذا الأخير الحياد وقبل أن تقدم فرنسا على احتلال الجزائر طلبت من قنصلها في طنجة "دولابورت" أن يخبر السلطان المغربي بمشاريعه في الجزائر، حيث اتصل القنصل بالسلطات المغربية وعرض عليها الأهداف التي تنتظرها بلاده من الحملة، وانتهز المناسبة ليطلب من المغاربة مساعدة الأسطول الفرنسي والمواطنين الفرنسيين الذين سيلجئون إلى المغرب، فكانت إجابة السلطان إيجابية على عدم تدخل بلاده في القضية الجزائرية. كما طلب السلطان المغربي من إدارة الجمارك المغربية أن تسمح بتموين الأسطول الفرنسي شرط أن يلتزم بتسديد الرسوم الجمركية.
ويبرر السلطان المغربي مساعدته للحكومة الفرنسية قائلا أنه وضع مخطط لتدمير حكومة الداي لكن الحكومة الفرنسية سبقته في ذلك، لذلك فإن الموقف المغربي قد تغير لما أحكمت فرنسا قبضتها على الجزائر وشرعت في مد نفوذها إلى الإقليم المغربي، والدليل على ذلك أنه عندما عرض عليه أعيان تلمسان أن يبايعوه ويدخلوا في حكمه مرتين في أوت ثم في سبتمبر 1830م على التوالي، استجاب السلطان مولاي عبد الرحمان لندائهم وأرسل أحد أقاربه المولى علي ليكون خليفة عنه في تلمسان 1831م.
وقد كتب نائب قنصل فرنسا بالمغرب يصف موقف شعبه بقوله «كانت عيونه مركزة على حملة الجزائر، وكان لنبأ سقوط مدينة الجزائر أبعد الأثر في نفوس المغاربة إذ أنه أوقع المغاربة في ذعر».
- موقف ليبيا:
كانت ليبيا هي الدولة الوحيدة التي لم تقم بالتسهيلات أو المساعدات للفرنسيين في غزوهم الجزائر، وما يؤكد ذلك الرسالة التي بعثها حاكم طرابلس "يوسف بن علي باشا" الفراماني إلى الداي حسين 07 ماي 1830م، وقد أرجع المؤرخون سبب ذلك عدم قدرة طرابلس في تقديم المساعدات للجزائر للصعوبات التي اعترضت الحاكم يوسف بن علي الفراماني، والمتمثلة في قيام ثورات بمختلف الأقاليم الليبية 1806-1830م نتيجة سياسة الضرائب التي أثقلت كاهل السكان وإلى تهديدات الأساطيل الأوروبية التي تمكنت من إطلاق أسلك القرصنة عام 1819 ثم، ما أعقب ذلك من خلاف حاد بين مملكتي سردينيا (1825-1826م).
وبالرغم من ذلك، فإن الليبيين كانوا يتتبعون أخبار الجزائر على الكتب حيث ذكر قنصل بريطانيا بليبيا السيد ويلنغتون أن وصول خبر الاحتلال الفرنسي لمدينة الجزائر إلى طرابلس، يوم 26 جويلية 1830م قد أحدثت قلقا وهيجا بين سكانها المسلمين، وقد ترتب عن موقف ليبيا المعادي لاحتلال الجزائر أن فرضت على حكومة طرابلس معاهدة مجحفة في
أوت 1830م، بعد أن أرسلت إليها أسطولها لإرغام حاكمها على الاعتذار وتقديم الترضيات.
لقد كشف هذا الحصار حقيقة الدول الأوروبية والعربي على حد سواء، وإن كانت إنجلترا ومعها النمسا معارضة لموقفها المنافس لفرنسا، وإن لم تتخذا أي قرار فعال يمكن للجزائر من فك الحصار، فالقوات الإنجليزية المتواجدة بقواعد البحر الأبيض المتوسط كان بإمكانها وبمقدورها أن تساعد الجزائر مثلما فعلت مع مصر 1798 لكنها لم تفعل وفضلت استعمال المعارضة السياسية فقط.ثم ان دول شمال إفريقيا : مصر، تونس، المغرب الأقصى لم تساند الجزائر فنظرتهم المحدودة جعلتهم ينساقون وراء طموحاتهم التوسعية على حساب الجزائر ناسيين أنهم سيتعرضون لنفس المصير، إذ سقطت الجزائر التي كانت تعتبر القلعة المحصنة التي طالما دافعت عنهم في يد الاستعمار، فكانت مقدمة لتوسع استعماري أوروبي في المنطقة انتهى إلى بسط نفوذه على كل قطر فأخذت إنجلترا مصر، وفرنسا تونس والمغرب الأقصى، وإيطاليا طرابلس.