شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

المشاريع الفرنسية لاحتلال الجزائر قبل 1830

     لقد صممت العديد من المشاريع الفرنسية على الجزائر ونفذ بعض منها في شكل هجمات، وقد حاولوا من خلال مشاريعهم وضع الخطط لتدمير الجزائر والفوائد التي تعود على فرنسا من وراء هذا العمل العسكري، فهناك من أرجعها إلى عهد لويس الرابع عشر وذلك بشهادة أحد مؤرخيها "أغسطين برنار" في كتابه الجزائر يقول:«إن احتلال الجزائر هي ثمرة لثلاثة قرون من جهود متواصلة باستمرارية جديرة بالتقدير»، وهناك من يرجعها إلى عهد نابليون بونابرت.

  1. مشروع دي كارسي الأول 1782 والثاني 1792م:

   قبل التطرق إلى المشروع الذي وضعه في عهد نابليون نتطرق إلى مشروعه الأول في عام 1782م الذي كان في عهد لويس السادس عشر الذي حكم من 1774-1792م، وقد أسماه مذكرة حول الجزائر، وقد كانت مناسبة تحرير هذه المذكرة مع مرور مئة سنة على قصف "دوكري" لمدينة الجزائر عام 1682م، وكان هدف دي كارسي إحياء هذه الذكرى في مشروعه.

   أما عن الافتتاحية التي بدأ بها كارسي هي موضوع العلاقات الدبلوماسية الجزائرية الفرنسية وطبيعتها هذه التي كانت بين مد وجزر، وقد عينته الحكومة الفرنسية قنصلا في الجزائر 1782م حيث سمحت له إقامته بالجزائر، والتي دامت ما يقارب الثماني سنوات إلى غاية 1791م، من التعرف على العديد من جوانب المجتمع الجزائري والوقوف على مواطن الضعف، ولقد رأى كارسي جون باتيست ميشال أنه من الضروري والواجب كقنصل وفي إطار عمله المخابراتي أن يعلم حكومته بكل أوضاع الجزائر الداخلية منها والخارجية، فكانت أول مبادرة له هو جمع المعلومات الوافية عن الجزائر.

 المشروع الأول: دي كارسي 1782:

    لقد قام دي كارسي بتقرير مطول يوم 7 ماي 1782م بقصر فرساي أبرز فيه أهمية تدمير الجزائر وأن هذه المهمة تقع على عاتق القنصل.

   يتألف المشروع من 18 صفحة مكتوبة بخط مقروء وكتب في بداية تقريره «منذ أن علمت بهذا التعيين وأنا لن أكف عن الاشتغال بالبحث عن الوسائل التي تحقق نجاح مهمتي» ثم تحدث عن العلاقات الفرنسية الجزائرية وكيفية تعامل فرنسا مع الجزائر في هذا النطاق سياسيا حيث قال «فمنذ قرن من الزمن كان يسود بين المملكة الفرنسية الإيالة الجزائرية نوع من الوئام التام غير أن الجزائر سعت أكثر من مرة خرق معاهدات وكبدت الفرنسيين خسائر معتبرة وألحقت بهم إهانات شنيعة».

   وركز على الجانب الديني اتجاه الجزائر، وهذا يدل على أنه كان من دعاة الحروب الصليبية على كل دولة يذكر فيها الإسلام، وقد عبر عنه بقوله «لقد حان الوقت لترفع فرنسا صوتها لتعيد الماضي» ويضيف في نفس السياق «بالإمكان التوفيق بين المسلمين والمسيحيين من خلال مبادئ حقوق الإنسان وتحديد الطريقة التي بإمكانها تخليص المسيحيين من معاناتهم في الجزائر».

   إن تركيز كارسي على مشروعه الاحتلالي كان نابعا من التصور الذي وضعه عن الأوضاع الاجتماعية، فقد أوصى فيه إلى التقسيم الاجتماعي للبنية الاجتماعية الجزائرية معتبرا أن الحملة ضد الجزائر ستكون ضد الأتراك. ومما جاء في مشروعه ما يلي «لا شيء يثير الاضطراب أكثر لدى الأتراك من تقسيم القوات وبالتالي فإن الهجمات المضللة سيكون لها أثر مباشر».

   كما ركز على أن سياسة التهديد والوعيد لا تجدي نفعا بأن أعطى مثالا على ذلك بمحاولة بريطانيا في ضرب الجزائر 1749م.

   ثم تحدث عن وضعية القناصل الفرنسيين بالجزائر، وأنهم يجب أن يقوموا بتغيير جذري في سياسة فرنسا للجزائر.

   كما تطرق إلى قضية الأسرى المسيحيين ومعاناتهم في الجزائر قصد كسب الرأي الإنساني لتخليصهم من أيدي المسلمين، وقد أكد لبلاده على ضرورة فرض السيطرة على جزيرة طبرقة وعن حرية صيد المرجان التي تعود بالفوائد الجمة على المملكة الفرنسية ثم قال بأن «الجزائر تخشى إلى درجة ما القوات الفرنسية ومن المعتقد أنها سوف تخشاها أكثر في المستقبل»، وكمدخل لرسم مخططه العسكري لتدمير مدينة الجزائر قال بأن «كانت الجزائر تعتبر نفسها قوة لا تقهر لأن كل الحملات الأوروبية التي وجهت ضدها منيت بالفشل الذريع».

   وعن جزيرة طبرقة، اقترح الاستيلاء عليها بشرائها من باي تونس ثم الضغط عليه ليعترف به رسميا بامتلاك فرنسا لها، وأكد على الفوائد التي تجنيها فرنسا إذا تمكنت فعلا من فرض سيطرتها على طبرقة كحرية صيد المرجان، والتخلص من دفع ضريبة الداي وتوفير الأموال من أجل توفير الأمن للشركة الإفريقية.

   أما عن الخطة العسكرية التي يجب على فرنسا إتباعها في احتلال الجزائر وهي نزول الجيش من الناحية الغربية لكنه لم يحدد بالضبط، وهذا ما سوف ينتقد عليه كما يهدم الحصون والقلاع ونقل المدافع لفرنسا ثم الزحف برا نحو المدينة بفرقتي المشاة والمدفعية لصد الجزائريين ودحرهم ثم ضرب حصار بري عليها للاستيلاء عليها من الخلف، ولم تكن الخطة كافية لأن المعركة مع الأتراك في تصور كارسي تتطلب استعمال تكتيك حربي، وكان هو أول من طرح فكرة المئوية.

   أما بعد احتلال الجزائر، فإنه يجب تأسيس حكومة مشكلة من الأهالي وبذلك تنتعش التجارة بين البلدين أي الجزائر وفرنسا.

   ولمح في مقدمة مشروعه إلى فكرة تفكيك الإمبراطورية العثمانية والقضاء عليها حيث وضع في مقدمة اهتمامه مصر، وقال بأن «مصر وكرر قول ذلك في كل مناسبة هي البلاد التي لا ينبغي لفرنسا أن تصرف نظرها عنها».

   واختتم كارسي مشروعه بالعبارة التالية: «تلكم هي سيدي الملاحظات التي أستطيع تقديمها لحضراتكم، وإذ لم تكن تستحق أي اعتبار فإن ذلك يعود إلى كونها تحتوي على تناقضات وأوجه نظر مختلفة، فأرجو منكم إذن أن لا تلتمسوا منها سوى أثر الحماس الشديد والدائم الذي يتأرجح في نفسي والذي يدفعني إلى كل ما يتعلق بمصالح ومجد بلادي التي أعتز بشرف ولادتي بها وإلى تكريس وجودي ذاته خدمة لها».

   ومن خلال كل هذا يمكن نقد المشروع على النحو التالي:

   المشروع لم يزود مشروعه ولم يدعم معلوماته بمخططات أو تصميمات فخطته العسكرية كانت نظرية لم تجسد في رسم بياني.

   لقد غفل كارسي عن ذكر الأسطول الجزائري، وخلال هذه السنة 1782م كانت القوات البحرية للإيالة تتكون من 7 سفن من نوع شباك واحدة ذات 34 مدفع، واثنان ذات 24 مدفع، واثنان آخران ذات 18 مدفع، وواحدة ذات 10 مدافع، والأخيرة ذات 4 مدافع وعشرة مراكب وقاربين من 6 مدافع، ولقد كان مجموع القوات البحرية هذه 23 سفينة و400 مدفع.

  • مشروع  دي كارسي الثاني 1791م:

    لم يخرج هذا المشروع عن الطابع العام للمشروع الأول، لذلك جاء بعد عشر سنوات من وضع المشروع الأول، أي عام 1791م، انطلاقا من المهمة التي أوكلت إليه كقنصل فرنسي في إيالة الجزائر وبالتالي كان من الواجب عليه تقديم مذكراته الثانية حول الجزائر.

   لقد تمكن الأستاذ فريد بنور من الاطلاع على النسخة الأصلية والتي تحتوي على 17 ورقة مكتوبة بخط مفهوم وبأسلوب واضح، فقد أولى أهمية كبرى للجانب العسكري والعلاقات الجزائرية الفرنسية السياسية منها والاقتصادية.

   استهل تقريره بالحديث عن الداي حسن باشا، وتحدث عن الداي بابا محمد الذي توفي عن عمر يناهز 86 سنة، وأن فشل الإسبان في حملتهم سنتي 1783-1784م أثبت قوة الجزائر وجعل من الداي لا يخشى أية دولة أوروبية وتكلم عن الداي بابا حسن 1791-1798م.

   لقد حاول كارسي في مشروعه الثاني أن يربط دينيا بين البربر كمسيحيين والأسرى الفرنسيين في الجزائر.

   كما ورد في هذا المشروع الأسباب الكامنة وراء عدم تحقيق فرنسا لمشاريعها في الجزائر منها قوة الحكم المركزي في الجزائر الذي كان يعتمد على قوته الخارجية المتمثلة في رياس البحر.

   طرح كارسي قضية الأسرى من جديد وطريقة افتدائهم وما إلى غير ذلك من تكاليف لاسترداد أسير واحد فقط، وذكر أسباب الضعف التي آلت إليها التجارة الفرنسية من خلال عدة نقاط ركز عليها:

  1. السماح للجزائر لحوالي خمس إلى ستمائة سفينة من صقلية ونابلي بصيد المرجان في سواحل القالة في كل صيف.
  2. رفع الداي من ضرائب التي كانت تقوم بها الشركة الإفريقية.
  3. إلغاء التجارة بمرسيليا التي كانت تساهم في تزويد الشركة الإفريقية بالأموال الضرورية لها.

   ولتحقيق هدفه بدأ يرسم الخطة العسكرية لكن هذه المرة ليس لاحتلال الجزائر فحسب وإنما لتدميرها من آخرها لما تشكله من خطر على مصالح بلاده بصورة خاصة والعالم المسيحي بصورة عامة، وقد أشار في هذا السياق بما يلي:

   «إذا ما يئست فرنسا من الوضع الراهن الذي كلفها الكثير من التضحيات الجسام يمكنها وضع حد للجزائر بتدميرها عن آخرها عن طريق التنسيق مع قوة مسيحية أخرى في الداخل والخارج» وكتب أيضا «يجب أن نتوقع العراقيل المحتمل مصادفتها عند النزول ذلك أن التكهن بحوادث يمكن أن تطرأ في كل مناسبة هو الذي يضمن النجاح».

   كما أنه قال لابد من ضرورة الكتمان والتحفظ بتلك الخطة حتى يحين الوقت، وذكر أنه من الضروري أن يرحل جميع الفرنسيين من مدينة الجزائر والعمال في الشركة الإفريقية حتى لا يشك الداي، وبالتالي يتم المحاصرة وبعد الانتشار على طول الساحل من مدينة الجزائر إلى عنابة والقالة وضربه ليلا بالأسهم والمدفعية، وذكر قائلا «لابد أن تكون فرنسا على دراية كاملة بالبلاد البربرية قبل مهاجمة الجزائر التي هي المدينة الوحيدة في العالم التي تستحق أن تمحى عن آخرها».

   وأحسن خطة اقترحها لمهاجمة الجزائر هي الإنزال في سيدي فرج والالتفاف حولها ناحية البحر، من خلال قوله «إن الفكرة المنتشرة على أحسن مكان للنزول هو المكان المسمى بسيدي فرج الذي يبعد بثلاثة فراسخ عن مدينة الجزائر» حسب تقرير كارسي سننزل في وسط سهل حيث نستطيع الوصول إلى غاية حصن الإمبراطور الذي يشرف على المدينة من الناحية الجنوبية وذلك في ظرف أربعة ساعات من السير عبر السهول، واقترح أن الإنزال سيكون الأول تمويهي عند "كاب ماتيفو" ببرج تمانت فوس شرق مدينة الجزائر، أما الإنزال الرئيسي فيكون غرب الجزائر (سيدي فرج) الهدف من ذلك تدمير التحصينات للمدينة والاستيلاء على الأموال المحفوظة في خزينة القصبة.

   قدر كارسي عدد الجيش المكلف بالحملة من 3000 إلى 4000 وذلك بسبب المسافة الفاصلة بين برج مولاي حسن وسيدي فرج، وقال لهم «يجب علينا أن نتوقع وجود جيش من 100000 محارب بالقرب من مدينة الجزائر» وعن نفقات الحملة طمأن السلطات الفرنسية أن الاستيلاء على هذه الخزينة مؤكد.

   والظاهر أن الخبرة التي اكتسبها كارسي خلال إقامته في الجزائر لمدة عشر سنوات، أي ما بين 1782 إلى غاية عام 1792م، مكنته من الوقوف على العديد من الجوانب الاجتماعية التي أشار إليها في مشروع الأول والثاني والمقدمان إلى الملك الفرنسي لويس السادس عشر.

   وكان من بين الشخصيات التي استطاعت الوقوف على البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري واستفاد منها كارسي "القس بواراي" الذي تمكن من زيارة الشرق الجزائري، وبالتحديد منطقة القبائل 1785-1786م، بالإضافة إلى الجاسوس "فور" الذي أقام بالجزائر لمدة عشرين سنة على أساس صانع ساعات.

   من هنا نقول أن الحقد الدفين الفرنسي ضد الجزائر والذي كان يتخمر بصورة بطيئة حتى ينضج وينقض على الجزائر يعكس الطمع الشديد لفرنسا، وبالرغم من أن مشروع دي كارسي من أهم المشاريع الفرنسية التي كتبت في القرن الثامن عشر إلا أن الحكومة الفرنسية لم تتمكن من تنفيذه في ذلك الوقت وذلك لانشغال فرنسا بأمورها الداخلية.

  • مشروع فرنسوا فليب لوماي 1800 و ديبواتا نفيل (1801-1809):

    دخلت فرنسا بعد الثورة الفرنسية في مقاطعة تامة من قبل الدول الأوربية فوجدت فرنسا خير حليف لها هو داي الجزائر الذي قام باحترام العلم الفرنسي، وكغير عادته تخلى عن الهدايا التي كان يقدمها القناصل عادة للداي إلا أن هذه المساعدة سرعان ما تحولت إلى خطورة، وأصبحت أحد الدوافع التي ساعدت على تأزم العلاقات بين الجزائر وفرنسا خاصة بعد توسط الشراكة للتاجرين اليهودين.

 مشروع فرانسوا لوماي 1800م:

   لقد تحالفت الدول الأوربية للقضاء على فرنسا، ودخلت تركيا معها لمحاربة فرنسا لاحتلالها لمصر، وفي 1799م قام الانجليز والدولة العثمانية بحصار محكم على "كوفور" فاضطر لوماي قائد الحامية العسكرية إلى الاستلام، وبقي لوماي أسيرا بمدينة الجزائر مدة 16 شهرا، وتم إطلاق سراحه في سبتمبر 1800م، ويحتوي مشروعه هذا على 42 صفحة قد غطت مختلف جوانب الإيالة.

   ويمكن أن نقسمه إلى محورين: المحور الأول لمحة عن الوضع السياسي والاقتصادي والقضائي والتجاري والعسكري والإحصائي للإيالة.

   فقد جاء في الوضع السياسي: وصف للحكومة الجزائرية التي تعد ضعيفة في نظره، وتتكون هذه الأخيرة من ثلاث أعضاء أولها الداي قائد الجيش الانكشاري، والداي في تلك الفترة مصطفى الخزناجي العجوز المحترم وأخيرا وكيل الخرج وهو من المماليك.

   كما تطرق إلى المجتمع الجزائري الذي رأى بأنه غير منسجم فيه عدة أجناس بشرية، فمثلا الأتراك الكراغلة القبائل الذي يشتغلون في الزراعة، أما البسكريون الطبقة الأكثر فقرا في مدينة الجزائر إضافة لليهود الذين لديهم تأثير كبير في المجال السياسي والاقتصادي إضافة للمسيحيين.

   إضافة إلى موضوع هام تناوله هذا المشروع وهو العدالة حيث لاحظ الصرامة في تطبيق النظام القضائي ثم انتقل للحديث عن التجارة نقمة على فرنسا وليست نعمة فهي دائما تسعى للتضحية على حساب الإبقاء والمحافظة على تجارتها.

   أما المحور الثاني لهذا المشروع فقد خصصه للمخطط العسكري والطريقة والكيفية التي يتم بواسطتها الهجوم على مدينة الجزائر والاستيلاء عليها.

حيث يرى أن هذا البرج يسهل الاستيلاء عليه بالرغم من جدرانه المرتفعة بحيث يبلغ طولها 25 قدما، وذلك لثلاثة أسباب أولها أن هذا البرج خال تماما من الخندق، ثانيا أن زواياه المحصنة ليست منفرجة تماما بذلك ليست من السهولة الدفاع عن واجهاتها، ثالثا يتمثل في فتحات الرمي ذاتها بمعنى أن المهاجم إذا كان بأسفل القلعة فإن القذائف المدفعية لا تصيبه لأنها اتجاه أفقي نوعا ما عند انطلاقتها.

   وختم مشروعه بالتأكيد على الفوائد الجمة التي ستجنيها فرنسا من وراء هذا المشروع، كما ركز على الثروات الموجودة بالخزينة.

   بعض الانتقادات توجه إلى هذا المشروع منها أنه ذكر ثلاثة أعضاء فقط يشكلون الحكومة الجزائرية، في حين يوجد أعضاء آخرين مثلا خوجة الخيل وهو المكلف بإدارة أملاك الدولة وعلى رأسها الخيل إضافة إلى العملاء، ويتضح جليا من خلال ذكر الفوائد الجمة التي ستحصل عليها فرنسا بعد نجاح الحملة على الجزائر التي نوه لها لوماي، حيث أوصى بالاستيطان على الأراضي الزراعية، ويمثل هذا المشروع حلقة من حلقات الجوسسة الفرنسية في الجزائر خلال القرن الثامن عشر ميلادي وآخرها في هذا القرن فقط.

 

  • مشروع ديبوا تانفيل 1801-1808م:

 

ويشتمل على مشروعين 1801-1809م، وقد كان خلال هذه الفترة توتر حاصل بين الجزائر وفرنسا، ووصل إلى حافة الحرب عندما استقبل الداي مصطفى باشا مبعوث نابليون "ديبواتانفيل" الذي أبرم معه هدنة ثم صلحا نهائيا عام 1801م.

   مشروعه الأول 1801م في مدينة أليكونت الإسبانية، حرر ديبواتا تنفيل مذكرة بعنوان "مختصر لعملياتي بإفريقيا" أرسلها مباشرة إلى نابليون بونابرت بباريس، وتتلخص العناصر التي تحتوي عليها المذكرة في طبائع الحكام الكبار، وتأثير اليهود في الحكم والوضع التجاري والقوات البحرية والبرية، فأدرك ديبواتاتفيل أن الجزائر قوة بحرية بالدرجة الأولى، ولذلك تطرق إلى الحديث عن الأسطول بأدق التفاصيل، وأخيرا دعوة ديبوا تاتفيل إلى تخليص الأهالي الجزائريين من ..... التركي، وقد وصف الداي بالجاهل والخزناجي بالضعيف، لقد كان اليهود أصحاب نفوذ قوي وكان لهم تأثير عميق في كل المجالات الحيوية للدولة الجزائرية ويقصد هنا (بكري وبوشناق).

 

  • مشروع جون بون سانت أندري:

 

   طلب الفرنسيون الذين كانوا أسرى في الجزائر أو الذين عاشوا فيها معلومات عنها وعن سكانها وتحصيناتها، فكان القنصل الفرنسي في الجزائر "جون بون سانت أندري" قام بإعداد مشروع احتلالي ضد الجزائر، فكان المشروع يعتمد أساسا على القوة العسكرية التي قدرت بــ30 ألف جندي، وقد ركز على ضرورة احتلال العاصمة حتى تتمكن فرنسا من تحقيق مشروعها في ضم الجزائر لأن سقوط العاصمة يعني عدم صعوبة الوصول إلى المناطق الأخرى.

   وقد عارض بشدة فكرة العمليات الاستثنائية، وقد نوه دو كرسي حول مشروع تجديد حملة ضد الجزائر في سنة 1791م، وهذا ما يؤكد أن الوضع في الجزائر لم يتغير. وقد أشار إلى التحصينات القادرة على صد أي هجوم مهما بلغت قوته وهي الأبراج البحرية والتي أسماها في مشروعه بحصون الترسانة، وذكر أيضا قلعة مولاي حسن. 

   أما الخطة العسكرية فأشار إلى أهمية النزول الفرنسي في رأس ماتيفو وسيدي فرج في آن واحد، واقترح بإدخال الجزائر في حرب مع تونس، وتقسيم الجيش الفرنسي إلى قسمين: الأول يكون في منطقة رأس ماتيفو، والثاني سيدي فرج ثم يزحف الجيشان لمدينة الجزائر لمنطقة التقاء، ومنها يكون الهجوم العام على برج مولاي حسن وبذلك استسلام المدينة.

   وما يعاب على المشروع أنه لم يزود بخرائط جغرافية وبيانات ثم إن تكملة إنهاء الحرب أمر مبالغ فيه.

 

  • مخطط تيدينا 1802م:

 

   جاء هذا المشروع تحت عنوان "نظرة حول إيالة الجزائر"، مضمون هذا المشروع لا يختلف كثيرا عن المشاريع السابقة من حيث المعلومات التي تخص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية للإيالة، والفوائد التي تعود على فرنسا من وراء احتلالها.

   إلا أن تيدينا أشار إلى صعوبة الهجوم البحري على مدينة الجزائر، وأكد على أهمية الهجوم البري الذي وضع له خطة عسكرية حدد فيها نقطة النزول والمسالك والدروب التي يجب على الجيش الفرنسي أن يسلكها، وحدد شاطئ تنس الواقع غرب مدينة الجزائر كنقطة إنزال، وذلك أن المنطقة ملائمة للنزول لعدم تحصينها بالمدفعيات العسكرية لكن هذا المشروع فشل بسبب الظروف الدولية ولم يجسد ما ورد فيه.

   نلاحظ بأن الخطة العسكرية لهذا المشروع دقيقة ومدروسة لكن لم يعين الزمن المناسب لهذا الحملة ولم يرفق برسومات بيانية وهي نظرية محضة.

 

  • مشروع بوتان:

 

   يعتبر مشروع بوتان من أهم المشاريع الفرنسية لاحتلال الجزائر في عهد نابليون بونابرت. ولد فانسون إيفيس بوتان في 1 جانفي 1772م في قرية صغيرة صغيرة تدعى لوروبوترو بضواحي نونت من عائلة تنتمي إلى الطبقة البرجوازية الصغرى المثقفة، تلقى تربية دينية مسيحية ثم دخل إلى إحدى المدارس الصغرى فلما لوحظ ذكائه أرسل إلى مدرسة كبيرة في نونت لمواصلة دراسته، في جويلية 1791م تحصل على شهادة معلم في الفنون، وما إن بلغ التاسعة عشر حتى أنهى دراسته الكلاسيكية، فاختار مهنة الجندي ودخل المدرسة العسكرية برتبة ملازم.

   في 18 أفريل 1808م بعث نابليون إلى ديكري وزير الحربية الفرنسية مذكرة أمره فيها بالتفكير في القيام بحملة على الجزائر سواء كانت بحرية أو برية، ثم أمره باختيار رجل للبحث عن الوثائق وجمع المعلومات ويجمع بين الخبرة بين الميدان البحري والمهارة في الهندسة العسكرية للقيام بمهمة استطلاعية في مدينة الجزائر، ويجب أن يتجول بنفسه داخل الأسوار وخارجها وأن يدون ملاحظاته وأوضاعهم بالاستفادة من المعلومات الموجودة في محفوظات العلاقات الخارجية والحربية الفرنسية.

   وقع الاختيار على الضابط المهندس بوتان الذي كان يعمل في الجيش الفرنسي كضابط سلاح للهندسة العسكرية.

   تنكر بوتان في الزي المدني وتوجه إلى مدينة الجزائر وفي 03 ماي 1808 غادر بوتان باريس وفي اليوم السابع وصل إلى طولون، وليضلل السلطات الجزائرية أخبرهم بأنه جاء لزيارة أحد أقاربه وهو القنصل ديبواتا تنفيل لبضعة أسابيع.

   وفي 24 من نفس الشهر وصل إلى مدينة الجزائر واستقبله القنصل الفرنسي ديبواتا تفيل ثم بدأت مهمته بالتجول في شوارع المدينة وفي ضواحيها، وفي نفس الوقت كان يقوم ببعض الرسومات التمهيدية، وعندما كان يعود مساءا إلى القنصلية يشرع في تدوين ملاحظاته وأبحاثه التي قام بها خلال اليوم.

   ويحمل مشروع بوتان عنوان "الاستعمار" وهذا ما يوضح الأهداف والنوايا المبينة لدى الجهات الفرنسية.

   لقد أكد بوتان في مقدمة تقريره على نقطتين أساسيتين، أولها اختيار المكان اللائق لإنزال القوات قرب العاصمة، والنقطة الثانية هي المقاومة التي ستواجهها هذه القوات عند النزول.

    فقدم اقتراح في ساحل سيدي فرج بعد أن بين مساوئ الإنزال عند شرق العاصمة مستعينا بالحملات التي قام بها الإسبان وباءت بالفشل، أما ناحية الغرب فالمنطقة خالية من أي حصن، أما النقطة الثانية التي اعتبرها أساسية فإن الجزائر لا تستطيع أن تجمع أكثر من ستين ألف جندي، كما اقترح لنجاح الحملة لابد من إشعال حرب بين الجزائر وتونس.

   فقد قال «وهكذا عندما ننزل إلى سيدي فرج سوف لا نجد لا بطاريات نتصدى لها ولا أعداء نواجههم»، كما اقترح أن يتراوح عدد قوات الحملة العسكرية على الجزائر ما بين 35 و 40 ألف عسكري، وقد أكد بوتان على أن الطريق الذي يسلكه الجيش الفرنسي هو الممتد من سيدي فرج إلى قلعة مولاي حسن وهو من أحسن الطرق باستثناء طريق قسنطينة الذي لا يستطيع الجيش الفرنسي أن يستفيد منه، وأورد الأخطار التي قد تتعرض لها الحملة من البحر وأفضل وقت للحملة هو من ماي إلى جوان، وأن مدة الحملة لا تتجاوز شهرا.

       غادر بوتان مدينة الجزائر وبالقرب من سواحل نيجيريا تعرضت سفينته إلى هجوم قوي من قبل سفينة بريطانية، ولما أدرك بوتان الخطر مزق كل الوثائق الكبيرة التي تحمل توقيع دوكري وزير الحربية، وكذلك التقارير السرية لديبوا تانفيل التي كتبها خصيصا لوزارة الحربية، وألقاها في البحر ثم ألقي القبض عليه عند مالطة.

   ثم اتجه إلى أزمير فالقسطنطينية فباريس حيث أعاد كتابة تقريره وأرفقه بأطلس جغرافي من حوالي 15 لوحة وخريطة. وضع خطة عسكرية حدد فيها منطقة النزول وهي نزول 40 ألف جندي في شبه جزيرة سيدي فرج إلى حصن الإمبراطور ثم أعطى معلومات قيمة عن الماء ودرجة الحرارة حسب الفصول، والفصل المناسب عند السكان، سلم المشروع إلى ديكري ولكن نابليون لم يطلع على تقريره هذا إلا بعد 03 أشهر لانشغاله بالحملة الإسبانية والأحداث الخطيرة في أوروبا بشأن الجزائر نفسها.

 

  • مشروع ديبواتا نفيل 1809م: 

 

   قدم ديبواتا نفيل مرة أخرة تقريرا إلى حكومته ألح فيه على ضرورة إرسال حملة عسكرية إلى الجزائر، واقترح أن ترسل فرنسا مزارعين فرنسيين إليها لإنشاء مستعمرات فرنسية ضمن مذكرته بمحيطات هامة تخص الجزائر منها معلومات عن جغرافيتها، ثم تطرق إلى أنواع السكان، ولقد عرض ديبواتا تفيل لنجاح الحملة العسكرية ضد الجزائر لابد من استمالة المرابطين وكسبهم لصف فرنسا لأنهم يتمتعون باحترام كبير من طرف السكان، وأنهى تقريره بهذه العبارة «وهكذا فإن عدد قليل من اللصوص الأتراك الذين جندوا في الشرق غير جديرين بامتلاك وسيلة حقيقية للدفاع والهجوم، فإنهم استطاعوا أن يقهروا ثلاث مليون نسمة، وكان قطع كل رأس جزائري يقابله منح مبلغ مالي معتبر ويجردوهم من ممتلكاتهم ويأسرون نسائهم وأطفالهم...».

   أما النقاط الملاحظة في هذا المشروع الثاني لديبواتا تفيل أن اليهود في هذا المشروع لم يذكرهم كما أشرنا إليهم بالتفصيل في المشروع الثاني، وأهم فكرة تطرق لها وهي عمل فرنسا على كسب المرابطين إلى صفها إنما هو دليل على الملاحظة الدقيقة في الأحداث التي وقعت في قنصليته، وبقي المشروع في وزارة الخارجية حيث يتم دراسته خاصة وفرنسا في ذلك الوقت لم تكن تفكر في حملة عسكرية ضد الجزائر نظرا لانهماكها في الأحداث التي عرفتها أوروبا، ومن بينها الحصار القاري الذي ضربه نابليون على بريطانيا للقضاء على تجارتها.

بعد انتهاء مدة حكم نابليون بونابرت وذلك بسقوطه، تبخرت كل المشاريع التي كانت تحضر على نار هادئة ويؤجل بذلك احتلال الجزائر، ليصل الحكم إلى شخصية عرفت بالجموح وعزمت على إكمال مشوار المشاريع للوصول إلى الهدف الرئيسي المنشود وهو احتلال الجزائر. فمن هي الشخصية البارزة يا ترى؟

 

  • مشروع 8 جوان 1827:

 

   لم يتم ذكر صاحب المشروع، وقد أكد صاحب هذا المشروع على ضرورة الإسراع في احتلال الجزائر لكونها قوة بحرية على الرغم من أن العاصمة محصنة من الجهة البحرية، أما عن طريق الحملة فيكون من ميناء طولون، وبذلك يمكن الاستيلاء على القصبة ونهب خزينتها. وقد جاءت خاتمة هذا المشروع بأن الغاية من الحملة هي إذلال أعداء المسيحية والتأكيد على مجد فرنسا، وصاحب هذا المشروع يناقض نفسه، فهو يعترف من جهة بقوة الجزائر البحرية في حين يؤكد على نجاح هذه الحملة البحرية.

 

 

  • مشروع كليرمون تونير 14 أكتوبر 1827م:

 

  جاء في بداية مشروعه للملك شارل العاشر قائلا «سيدي إن الحرب قائمة مع الجزائر فكيف نستطيع إنهائها نهاية مجدية ومجيدة لفرنسا؟ هذا هو السؤال الذي سوف أسعى إلى التفكير فيه »،كما أكد بأنه يوجد على امتداد الشواطئ الجزائرية مراسي جيدة سيكون الاستيلاء عليها منفعة لفرنسا.

    ويؤكد بأن الحملة على الجزائر هي حق من حقوق الملك شارل العاشر حيث يصنفها بأنها حرب صليبية هيأتها العناية الإلهية، ومن واجب الملك الفرنسي أن ينفذها لأن الله أختاره لأخذ الثأر من أعدائه. 

   لقد ارتكز كليرمون تونير على الجانب العسكري على غرار المشاريع السابقة لكونه وضع من أجل الحملة العسكرية لاحتلال الجزائر حيث أكد على احتلال مدينة الجزائر ثم وهران وعنابة وقسنطينة، والدعوة إلى إقامة حكومة عادلة واحترام المرابطين وعدم المساس بحرمة المساجد والجوامع والزوايا، وضمان أمن الجزائريين وحريتهم، في النهاية قررت الحكومة عدم الأخذ به.

 

  • مشروع فيلفاك غيريال جاك 1827م:

 

   لقد تلقى فيلفاك دعوة من رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك السيد فيلال 1827 بعد حادثة المروحة حول توجيه هجوم عسكري على الجزائر، لذلك رأى من الضروري تقديم خبرته ومعلوماته الواسعة حول إيالة الجزائر من خلال جمعها في مشروع عرف باسمه تتضمن العديد من الجوانب كان من أهمها الجانب العسكري وخلص إلى تسمية إيالة الجزائر باسم نوميديا وموريطانيا القيصرية.

 

 

  • مشروع كولي 10 أوت 1827م:

 

   لقد اقترح كولي للباشا ثلاث اقتراحات، وهذا بعد حادثة المروحة كان الأول أن يستقبل الباشا القبطان ورئيس أركانه والقنصل بمحضر الديوان والقناصل الأجانب ويعتذر أمامهم إلى دوفال، والثاني أن يرسل بعثة إلى الأسطول الفرنسي للاعتذار من دوفال، والثالث أن يرفع العلم الفرنسي على جميع القلاع الجزائرية وتطلق مئة طلقة تحية له، وطلب الرد والذي هو اختيار واحد من ثلاث اقتراحات خلال أجل أقصاه 24 ساعة، ولما رفض الباشا تم إعلان كولي الحصار في 16 جوان 1827م، لقد تطرق في مشروعه هذا إلى إتباع الحملة البرية لأن الحملة البحرية مآلها الفشل.

   ونظرا للثغرات الموجودة في هذا المشروع أو إلى قلة المعلومات فيه فإنه دعا إلى ضرورة العودة إلى مشروع بوتان لما يحمله هذا الأخير من أهمية سواء لفرنسا أو أوروبا كافة.

 

  • مشروع دوبوتي تووار 20 سبتمبر 1827م:

 

   كلف الضابط دوبوتي نووار بإعداد مشروع، فقد قام بعدة دراسات حول الجزائر وسواحلها ومدى أهميتها لفرنسا، وعلى هذا الأساس أعد تقريرا مفصلا إلى وزير الحربية أكد فيه على أن تتولى فرنسا حملتها العسكرية لوحدها، وقد حدد عدد القوات الفرنسية لحوالي 25 ألف عسكري كما دعا إلى ضرورة إشراك الجيش البري والبحري الذي اتخذته بلاده والخاص بضرب الحصار البحري على مدينة الجزائر وهو من أنصار الحملة البرية.

   ولقد حدد نقطتين للنزول، الأولى غرب مدينة الجزائر سيدي فرج وهي الأهم، والثانية في شرقها الضفة اليمنى لوادي الحراش، وبناءا على ذلك فإن الجيش ينقسم إلى قسمين وضرورة تقسيم الأسطول إلى ثلاثة قطع، القطعة الأولى مكلفة بالهجوم بحرا على مدينة الجزائر وتدمير على تحصيناتها، وقطعتان مكلفتان بإنزال الجيش في سيدي فرج وفي الضفة اليمنى لوادي الحراش.

   تم إعداد هذا المشروع بناء على مهاجمة الجزائر من البحر، لكن الحكومة الفرنسية لم تأخذ به.

 

  • مشروع شابرول 22 أوت 1827م:

 

   لقد وردت نفس الأفكار تقريبا التي جاءت في مشروع دوبوتي تووار بحيث حث على ضرورة الإسراع في احتلال الجزائر بقوة عسكرية وضمها للتاج الفرنسي، وكان كسابقيه من دعاة الاحتلال الكلي والشامل للجزائر.

   لقد وجد فيلفاك ضالته في السياسة الدينية للملك شارل العاشر، لذلك تأكد بأن الدافع الديني سيكون ضمن العوامل الأساسية المحركة لمشروع الحملة.

 

  • مشروع باربي دوبوكاج 30 أوت 1827م:

 

   لقد افتتح مشروعه بالحديث عن حكومة بلاد المغرب بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة، واعتبرها خارجية بعيدا جدا عن القوانين الإنسانية .كما ذكر بأن الجزائر لها تجارة وهي في الأساس تعتمد على السلب والنهب والقرصنة، وهذه الأخيرة هي مصدرها الوحيد.

    وقد نادى بضرورة الحملة البحرية ويكون تنفيذها سريعا، وقد تلخص مخططه العسكري في النزول في إحدى النقطتين تنس أو شرشال، والزحف عبر جبال وسهول مليانة ثم سهل متيجة للوصول إلى المرتفعات الجنوبية التي تطل على مدينة الجزائر. والاستيلاء على الجزائر يتطلب حسب مشروعه 40 الف عسكري لاحتلال الأراضي الجزائرية كلها، مما يساعد على فرض فرنسا سيادتها ثم ضم الجزائر إليها نهائيا.

 

   زود باربي دوبوكاج مشروعه بخريطتين: الأولى تمثل مقاطعة الجزائر، والثانية عبارة عن مخطط لمدينة الجزائر وضواحيها.

 

  • مشروع لوفيردو 1827م:

 

   كلف هذا الجنرال بإعداد مشروع الذي احتوى على المعلومات التاريخية والجغرافية والإحصائية والعسكرية التي تهدف إلى القيام بحملة ضد الجزائر، وقد أنهى عمله خلال ثلاثة أشهر ولكن الحكومة الفرنسية لم تقرر الحملة، واكتفت بالحصار نظرا لحوادث اليونان أي وجود الأسطول الفرنسي في اليونان.

 

  • مشروع ليني دوفيلفيك 10 جويلية 1827م:

 

   أهم النقاط التي تعرض لها هذا المشروع هي الدعوة إلى معاملة السكان معاملة حسنة حتى يتمكن الجيش الفرنسي من الحصول على كامل الضروريات، حيث صرح صاحب هذا المشروع قائلا «وبحسن معاملتنا للسكان، ودفع لهم ثمن كل ما سوف نكون بحاجة إليه فإن لا شيء ينقصنا».

   كما قدر عدد الجيش المشارك في الحملة من 20000 إلى 25000 جندي على الأقل ،كما عرج إلى نقطة هامة وهي مكان نزول الجيش الفرنسي، حيث اقترح خليج ثما نفوست إضافة إلى خليج غرب العاصمة ولكنه لم يذكر اسم المنطقة بالتحديد، واعتبرها هي المكان الأنسب نظرا لخلوها من التحصينات.

   فجوهر هذا المشروع هو ربط الجزائر بفرنسا بصفة كاملة، وذلك بتذويب المجتمع الجزائري من خلال سن قوانين تسمح بدمج الجزائريين في المجتمع الفرنسي.

   كان لمشروعه جانب اجتماعي، حيث تطرق إلى تركيبة المجتمع الجزائري خلال الفترة، فاستهلها بفئة الأتراك ثم الكراغلة وبعدها العرب من الحضر واليهود دون أن يشير إلى العنصر البربري الذي مزجه بالعنصر العربي ليس عن قصد، لكونه كان يؤمن أن نجاح الحملة يكون بمساعدة سكان الجزائر الذين يكرهون الحكم التركي، لذا فستكون لهم فرص للانتقام من الجزائر.

 

  • مشروع بيار دوفال:

 

   صاحب هذا المشروع هو شخصية فرنسية مخضرمة حيث تولت مهاما دبلوماسية في عهد الملك لويس الثامن عشر إلى غاية وفاته عام 1824م ثم في عهد الملك شارل العشر الذي أبقاه قنصلا عاما لفرنسا في إيالة الجزائر، وهو الذي كان وراء حادثة المروحة.

   لقد بادر بإرسال تقارير وافية على إيالة الجزائر ومدى استعداداتها العسكرية، وأكد على أن صعوبة احتلال الجزائر أمر وارد لذلك لابد من ضرب حصار بحري عليها. وقد قام بجمع كل هذه التقارير ووضعها على شكل مشروع جاء بعنوان ‘‘مذكرة عن الصعوبات وأمور الهيئة بالنسبة لحملة برية ضد الجزائر‘‘.

   قد تطرق فيه إلى أهم الأحداث التي عاشها وعاصرها كقنصل فرنسا في الجزائر ابتداء من 1815م، وقد حدد منطقة النزول الأعلى تكون غرب المدينة وهي أساسية، وأما النقطة الثانية وهي ثانوية في شرق المدينة في الشاطئ الممتد من وادي الحراش إلى برج البحري.