شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

الوضع الاجتماعي و الثقافي


أولا: الأوضاع الاجتماعية:

   كان لدخول العثمانيين بثقافتهم الشرقية الأناضولية، والهجرات الاندلسية الى الجزائر بالغ الأثر على مكونات المجتمع الجزائري الاجتماعية والثقافية، واندمجت كل هذه العناصر الأندلسية والكرغلية الحضرية والفئات الجزائرية في بوتقة واحدة، وحسب حمدان خوجة فانه يمكن تقسيم المجتمع الجزائري إلى عدة طبقات:

حسب الجنس: ينقسم إلى ذكور وإناث، وكان عدد الذكور يفوق عدد الإناث، وهذا يرجع إلى أن أغلب المهاجرين والأسرى كانوا رجالا، كما أن النساء لا يختلطن بالرجال، ومرد ذلك إلى تعاليم الإسلام القيمة.

حسب العرق: كان مؤلفا من الأهالي والأتراك الذين كانت بيدهم السلطة في البلاد واليهود الطبقة التي تنافس الأتراك في الثراء بل منهم من فاقت ثروته ثروة الداي نفسه، ثم طبقة المهاجرين الأندلسيين، وطبقة الكراغلة، وطبقة العبيد المسيحيين، وطبقة الزنوج، أما بالنسبة للكراغلة فقد كانوا يطمحون إلى الارتقاء إلى المرتبة الأولى في المجتمع لكن العثمانيون منعوهم، واعتبروا العنصر الكرغلي يشكل خطرا على مصالحهم بحكم انتمائهم العاطفي إلى أهالي الجزائر.

   وللعلم أن المسيحيين الذين دخلوا الإسلام لم يكونوا منعزلين عن المجتمع، بل اختلطوا بأهل المدن في حياتهم اليومية والحرفية والإدارية، وحتى اليهود ولجوا بضائعهم ومعاملاتهم التجارية في المجتمع الحضري بالإيالة الذي أضحى مزيجا من التراث الحضاري والديني.

   إن فاعلية النظام الاجتماعي الجزائري استند على تطبيق القوانين الإسلامية التي جسدتها ونظمتها هيئات قضائية حنفية ومالكية، وتنظيمات من الأوجاق الإدارية التي كانت موجهة لتحقيق المنفعة العامة، وذلك بالمؤسسات الوقفية، ولا ينبغي أن نهمل  الدور الاجتماعي لإدارة الأحباس في المجال العمراني الحضري كإصلاح قنوات العيون وصيانتها وحراستها، وإصلاح الطرقات وإسهاماتها في تغطية احتياجات الأحياء السكانية ضمن تنمية المدينة.

   وإلى جانب ذلك كانت الهياكل العدلية تنظم الشرائح الاجتماعية عبر القضاة الحنفية والمالكية، وبعض الموظفين والإنكشارية الذين كانت لهم صلاحيات في تنفيذ القوانين وتحسيسها بين أفراد المجتمع المدني والحرفي لتوفير الأمن وإقرار الأحكام والقوانين والمتعلقة بالقصاص والعقاب والفصل في المنازعات، والحفاظ على المعاملات الإسلامية والعادات والأعراف الجزائرية. لذلك كان من أدوار ومهام القضاة وبعض الموظفين في محيط حركية المجتمع الحضري محاربة ومعاقبة الدعارة والتي كانت نادرة في مجتمع جزائري متدين، أما عن المحكمات الخاصة بالقتل واللصوصية فأحكام القاضي سريعة، حيث تقطع يدهم اليمنى وتعلق على أكتافهم ويرسلون إلى السجن.

   أما عن الزواج فقد كان سلوكا اجتماعيا ميسرا بين فئات المجتمع، لاستمرار الترابط العائلي والاقتصادي وفق عادات وتقاليد جزائرية عثمانية، والتي تجسدت في الألبسة النسوية المطرزة كالحايك الأبيض ولباس الرأس حسب مكانة عائلة المرأة.


ثانيا : الوضع الثقافي 

   عرفت الجزائر تنوعا ثقافيا قبل احتلال فرنسا لها، والذي كان مرتبطا بالجانب الديني، فقد كان أغلب الشعب الجزائري على المذهب المالكي، أما الأتراك والكراغلة وبعض الحضر فيعتنقون المذهب الحنفي، إلى جانب ذلك كانت توجد كنائس بالجزائر وكانوا يتحاكمون إلى القنصليات من المسيحيين الموجودين بالجزائر.

   وإلى جانب المدارس الدينية يعلم فيها القرآن والعلوم الإسلامية، وكانت كلها تعيش من موارد الأوقاف، فلقد لعب هذا الأخير دورا كبيرا ليس فقط في الميدان الديني والتعليمي بل تعداه إلى الميدان الاقتصادي والاجتماعي، حيث كانت تديرها مؤسسة دينية يشرف عليها أئمة كبار مستقلة عن الحكم التركي ذات كفاءة عالية في ميدان التسيير، وكانت أملاك الأوقاف تتمتع بحصانة قوية بحيث لا يستطيع الحكام مهما كانت رتبتهم المساس بها، وبفضل أموال الأوقاف والزوايا في الأرياف انتشر التعليم في مختلف أنحاء الجزائر.

  1. دور العلم: شكل اختلاط العناصر الاجتماعية في المجتمع الجزائري بداية تمازج بين الموروث الثقافي مع الثقافات الوافدة خارج البلاد، نتج عن ذلك ظهور عدد من المدارس الدينية والفقهية التي انتشرت في أنحاء الجزائر لتكون مراكز الثقافة العربية وقاعدتها المسجد والزوايا، إذ عمل فيها عدد من علماء الفكر والعلم من المسلمين المشتغلين بعلوم الفلسفة والفقه والأدب وباقي العلوم الأخرى.

   وكان المسجد مكانا للعبادة ومدرسة للتعليم ودار للقضاء ومأوى للطلبة.

   إن الملاحظ خلال هذه الفترة قلة الإنتاج الثقافي يعود ذلك لعدم اهتمام السلطة بذلك الجانب الحيوي والثقافي إلا في عدد من المدن الجزائرية التي تكفل به الجزائريون رغبة منهم في الازدهار الثقافي، والمحافظة على ما توارثوه من علوم ومعارف عبر الأجيال في مجالات أدبية ولغوية وعقلية مختلفة كجزء من التراث العربي الإسلامي.

   المكتبات: وجد عدد كبير من المكتبات في الجزائر قبل الفترة الحديثة، وقد حافظ عليها أبنائها وكانت الكتب في الجزائر تكتب محليا عن طريق التأليف أو النسخ أو تجلب من الخارج ولاسيما من بلاد الأندلس ومصر.

   كما جلب الجزائريون المخطوطات من الدولة العثمانية وبلاد المغرب، فضلا عن أن معظم الكتب قد وردت إلى الجزائر عن طريق عدد من العمال العثمانيين في الجزائر، ومع سيادة العلوم الدينية في الفترة الحديثة، كان محتوى المكتبات كتب التفاسير والأحاديث الدينية والفقه والأصول والتوحيد والعلوم اللغوية والعقلية.

   إذ اشتهرت مدارس العلم بالأدب والنحو والصرف واللغة والبلاغة، أما التاريخ والجغرافيا والفلسفة وكتب الحساب والطب والفلك فكانت قليلة.

   والمكتبات كانت موزعة بين أنحاء الجزائر، من حيث الثقافة والاعتناء بتدريس العلوم وحسب أهمية المدن كالجزائر العاصمة وقسنطينة وتلمسان، فكان أهل قسنطينة مولعين باقتناء الكتب والبحث عن المخطوطات، بسبب وجود العلماء والأدباء المتعلمين والمثقفين فيها.