التعليم والحواضر العلمية
أولا: السياسة التعليمية بالجزائر في العصور الحديثة
ارتبط التعليم في الجزائر خلال الفترة الحديثة بالأفراد والعائلات والمؤسسات الخيرية الحرة بينما ظل دور السلطة هامشيا لعدم وجود مؤسسة حكومية خاصة به، وهنا برز دور الزوايا والمساجد التي كان يتعلم بها أبناء الجزائريين اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم إلى جانب علوم متعددة كالعلوم الشرعية و قواعد اللغة.
و بالرغم من عدم ظهور حركات تجديدية فكرية و لا انتفاضات علمية ذاتية، فقد انتشر التعليم في كافة أرجاء الإيالة الجزائرية حيث يذكر شهود عيان فرنسيين أن الجزائر في بدايات الاحتلال كانت نسبة الأمية بها منعدمة تقريبا و أن سكان الجزائر معظمهم يعرفون القراءة و الكتابة ، و لوصف الحالة التي كان عليها التعليم في تلك الفترة شهادة الفرنسي دوماس (Dumas ) مدير شؤون الجزائر 1850 يقول:
" أن التعليم الابتدائي كان أكثر انتشارا في الجزائر مما نعتقد عموما، وقد أظهرت علاقتنا مع أهالي المقاطعات الثلاث أن متوسط عدد الأشخاص من جنس الذكور الذين يعرفون القراءة والكتابة يساوي على الأقل المتوسط الذي أعطته الإحصائيات عن أريافنا...فهناك حوالي 40 %من دون شك، لكن إن لم يكن جميع الأطفال قد تعلموا القراءة والكتابة، فإنهم قد ذهبوا جميعا إلى المدرسة، وكانوا يستطيعون استظهار الأدعية وبعض آيات القرآن، لقد كان لجميع القبائل والأحياء الحضرية معلم مدرسة قبل الاحتلال الفرنسي".
ثانيا: أهم المؤسسات التعليمية بالجزائر
تعددت المؤسسات التعليمية في الجزائر التي كان لها دورا في ازدهار الحركة الثقافية للمجتمع الجزائري آنذاك لتحملها مهمة تعليم الفرد و تكوينه و من بين هذه المؤسسات نذكر: المساجد، الزوايا، الكتاتيب، المدارس، وقد تمتعت اغلب هذه المؤسسات بنظام داخلي و تسيير فيه الكثير من المواظبة و الجدية ،وكانت مستويات التعليم راقية جدا بالنظر الى الخدمات الممنوحة للطلاب من الإقامة و الاطعام .كما اننا نسجل الانتشار الواسع لها في القرى و الحواضر الكبرى،و لم تستثني الفقير عن الغني،كدلالة على التضامن الاجتماعي و العدالة في تحقيق فرص التعلم للجميع،الشيء الذي كان غائبا تماما في أوروبا المتمدنة خلال هذه الفترة.
ثالثا: مراحل التعليم و برامجه
إن التعليم الذي كان سائدا في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي هو التعليم العربي الإسلامي الذي يقوم على أساس الدراسات الدينية و اللغوية و الأدبية و قد مر بمراحل معينة و كانت له برامج خاصة.
أ-التعليم الابتدائي
كان هذا النوع من التعليم يقدم في الكتاتيب و كان مفتوحا لكل أبناء الجزائريين و التي كانت مرتبطة بالمساجد و الجوامع مما جعل نسبة المتعلمين ترتفع إلى درجة كبيرة كان كل طفل ما بين السادسة و العاشرة يذهب إلى المدرسة و ذلك كان مقصورا على الذكور ماعدا الإناث، و قد كان مدة التعليم الابتدائي 4 سنوات يتعلم الطفل خلالها مبادئ القرآن و الكتابة و حفظ القرآن و أركان الإسلام.
ب- التعليم الثانوي
كان يتم في المساجد حيث يتلقى الطالب مبادئ الفقه و اللغة، النحو، الصرف، الحساب، كان هذا التعليم كذلك من اختصاص الزوايا و بعض المدارس و كانت المواد المدرسة ذو أهمية كبيرة حيث تضمنت تلقين أحكام القرآن، المنطق ،التاريخ و الفلك ،و في نهاية المرحلة كان يتلقى التلميذ شهادة مكتوبة حتى يستطيع التلميذ تولي وظيفة.
ج-التعليم العالي
يشبه الجامعة في وقتنا الحالي، يدرس الطالب اللغة العربية، الفقه، العقائد، الأدب، قواعد النحو الصرف، فنون البلاغة و المنطق و علم الجداول لتحديد مواقيت الصلاة، و في هذه المرحلة كان التعليم مجاني و كان الأستاذ يعين من طرف الباشا و يشترط فيه أن يكون متحصلا على الإجازة. أما أماكن التعليم العالي فتوجد بالجوامع الكبيرة مثل مدرسة الجامع الكبير.
د-البرامج التعليمية
من أهم البرامج التي كانت تدرس في الفترة الحديثة، هي دروس تخص قواعد المنطق، الميتافيزيقا، الهندسة، علم الفلك و الجداول لتحديد مواقيت الصلاة، كما انتشرت دراسة علوم الدين و التصوف، أما العلوم العقلية فهي ثانوية .
كانت برامج التعليم الابتدائي و الثانوي تخضع لإدارة المدرس و كانت دروس المرحلة الثانوية تتميز بالشرح و التفصيل أكثر من المرحلة الابتدائية.
و قد تنوعت العلوم و المعارف التي تدرس الى ثلاث أصناف:
1-العلوم الدينية مثل تحفيظ القران الكريم و شرحه و تفسير الحديث و تعليم الفقه
2- علوم اللغة و الآداب كالنحو، الصرف، البلاغة و العروض و قواعد الإنشاء باعتبارها أداة ووسيلة لإتقان العلوم الدينية.
3-العلوم التطبيقية و التجريبية كالفلك، الطب، الهندسة.
كانت كل المدارس تتخذ منهجا تعليميا واحد دون أن تكون لها هيئة مركزية لتوحيد العلم ، كما كان المعلمون و الشيوخ كثيرا ما ينتقلون من منطقة إلى أخرى فالذي كان يعلم في الجزائر نجده يعلم في قسنطينة أو وهران و كان تلاميذ العلم يلازمون مدرسيهم و شيوخهم لسنوات عدة لغاية إتمام العلوم الدينية و الفقهية و غيرها وتمنح للتلاميذ المتفوقين الإجازة التي تؤهلهم حق التدريس .
ومن أشهر المدارس نجد مدارس مدينة تلمسان و التي كان عددها 05 مدارس ثانوية و عليا، إضافة لها وجد الفرنسيون 50 مدرسة ابتدائية و مدرستين للتعليم الثانوي و العالي و هما مدرسة أولاد الإمام و مدرسة الجامع الكبير كما أن مدينة الجزائر كانت بها 299 مدرسة يرد سبها 5583 تلميذ’ بالإضافة إلى مدينة قسنطينة التي كانت إشعاعا ثقافيا خاصة في عهد أحمد باي الذي أسس المدرسة الكتابية 1776 لتعليم مختلف العلوم و التي لها نظام خاص و كان معلم المدرسة يتمتع باحترام كبير بسبب معرفته و مهنته المحترمة..ضف الى ذلك عدد من المدارس التي ضاهت في مستويات التعليم المقدمة مدارس الازهر و بغداد و دمشق،مثل مدرسة مازونة و غيرها.