شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

الطرق الصوفية في الجزائر

مقدمة

مثلت الطرق الصوفية بكل توجهاتها الفكرية والسلوكية المختلفة أهم مكونات المجتمع الجزائري لفترة طويلة من الزمن، فالمؤرخون يتفقون على أنها بدأت في الانتشار في الجزائر، وكسب نفوذ اجتماعي ابتداء من القرن 16م، ثم أخذت تنمو وتتسع حتى انتشرت على نطاق واسع في النصف الثاني من القرن 18م والربع الأول من القرن 19م، فهي بالتالي تشكل جزءا مهما من تاريخ الجزائر الديني والثقافي والاجتماعي، بل والسياسي.

 الطرق الصوفية في الجزائر

الطريقة القادرية

تعد الطريقة القادرية من أقدم الطرق الصوفية التي دخلت الجزائر عن طريق بجاية، ثم انتشرت في الغرب الجزائري والجنوب الغربي من الصحراء وبافي مناطق الجزائر وغرب تونس، وفروعها كانت موجودة في مختلف المدن ولها زوايا وأضرحة ومساجد في الجزائر وتلمسان وغيرها، كما كان لها أوقاف كثيرة.

وتمثل القادرية أساس ومنطلق كل الطرق الصوفية في الجزائر، فالمدينية (نسبة إلى أبي مدين شعيب بن الحسين) تفرعت عن القادرية، وتفرعت عن المدينية الطريقة الشاذلية، وعن الشاذلية تفرعت طرق كثيرة كالدرقاوية والجزولية واليوسيفية والعيساوية والشيخية والطيبية والحنصالية، وإن كانت الشاذلية قد تفرعت عن القادرية إلا أنها أخذت منحى صوفيا يختلف عن الصوفي القادري.وقدر الفرنسيون عدد أتباعها في الجزائر سنة 1882م بـ (574.140 مريدا و 268 مقدما و 29 زاوية).

تنتسب الطريقة القادرية إلى الشيخ "عبد القادر أبو محمد محي الدين بن أبي صالح عبد الله" وقيل "ابن موسى جنكي دوست الجيلالي" نسبة إلى مدينة جيلان (وراء طبرستان)، وبعد وفاته بدأ الناس يسيرون على نهجه، وقد أخذ المريدون بنشر الطريقة فكان لها مواقع كثيرة في العالم الإسلامي ومنه شمال أفريقيا، توفي الشيخ "عبد القادر" سنة 561ه ودفن في مدرسة ببغداد. 

الزاوية الأم للطريقة توجد في بغداد، ولها فروع في الجزائر، وكل فرع مستقل عن الآخر، وعلى كل فرع من فروع الزاوية مقدم. وهناك من يذكر أن أول من أسس فرعًا للقادرية في الجزائر هو الشيخ "مصطفى بن المختار الغريسي" حوالي سنة (1200ه) 1785م بالقيطنة الواقعة على وادي الحمام قرب مدينة معسكر. والواقع أن فروع هذه الطريقة كانت موجودة من قبل في مختلف المدن، ولها زوايا وأضرحة وقباب ومساجد في الجزائر وتلمسان وقسنطينةـ وبجاية وغيرها. ولها أوقاف كثيرة، ومن أشهر الذين تولوا مشيخة الزاوية بعده ابنه "محي الدين" والد الأمير "عبد القادر الجزائري بطل المقاومة الجزائرية في القرن 19م.

: الطريقة الرحمانية

تعتبر الطريقة الرحمانية أوسع الطرق انتشارا في عموم الجزائر إبان القرن 19م حيث كانت تستحوذ وحدها على أكثر من 50 بالمائة من عدد الزوايا حسب إحصائية عام 1892م للمستشرق الفرنسي "لويس رين" بلغ عدد زوايا الطريقة الرحمانية 188 زاوية، وأتباعها 156214 مريدا، وتنتشر هذه الزوايا خصوصا في الشرق والوسط والجنوب حتى في تونس، ومن هذه الزوايا (زاوية صدوق، برج عزوز، طولقة، أولاد جلال، خنقة سيدي ناجي، قسنطينة)، ومن أهم مراكز الطريقة في الجزائر: الحامة قرب العاصمة، وآيت إسماعيل ببلاد القبائل، وزاوية صدوق بناحية سطيف، والبرج قرب طولقة، أولاد جلال، وخنقة سيدي ناجي، ووادي سوف، والمراكز الأربعة الأخيرة تقع بالواحات. ويذكر عن الطريقة الرحمانية أنها قامت بدور محوري في نشر التضامن بين سكان المنطقة ونشر العلم والتآخي خاصة في الريف القسنطيني.

يعود تأسيس الطريقة الرحمانية إلى "محمد بن عبد الرحمن القشتولي الجرجري الأزهري" المولود حوالي 1720م في قبيلة آيت إسماعيل التي كانت جزءا من حلف قشتولة في قبائل جرجرة، الواقعة على بعد 15كلم شرق مدينة ذراع الميزان (تيزي وزو)، ويلقب بالزواوي نسبة بلاد زواوة التي نشأ به، كما يلقب بالأزهري نسبة إلى جامع الأزهر (مصر). زاول تعليمه الأول في مسقط رأسه، ثم واصل تعليمه في الجزائر العاصمة، وفي عام 1739م توجه لأداء فريضة الحج، وفي عودته استقر بالجامع الأزهر فترة طويلة مترددًا على العلماء وشيوخ التصوف مثل "محمد بن سالم الحفناوي"، حيث أصبح "محمد بن عبد الرحمن مريدًا وتلميذًا له حيث أدخله الطريقة الخلوتية. وبعد أكثر من ثلاثين عاما عاد إلى الجزائر بعدما تلقى الأمر من شيخه في مصر "محمد بن سالم الحفناوي" بالعودة إلى بلده ونشر الطريقة الخلوتية، وكان ذلك عام(1177ه) 1757م، حيث أسس زاوية بمسقط رأسه (آيت إسماعيل) وشرع في الوعظ والتعليم، وقد التف حوله جموع الناس من سكان جرجرة.  ولكي يوسع من دائرة دعوته أنتقل إلى (الحامة) بالقرب من العاصمة ويأسس بها زاوية وأخذ في نشر تعاليم الطريقة الخلوتية، لكن سرعان ما أثار سخط المرابطين والعلماء ربما خوفا على نفوذهم. فعاد إلى مسقط رأسه وبعد ستة أشهر من عودته جمع مريديه وأخبرهم بقرب أجله وعين من يخلفه في منصبه وهو "علي بن عيسى المغربي"



لم يحصر "محمد بن عبد الرحمن" نشاطه في نشر دعوته الدينية الصوفية على منطقة جرجرة والعاصمة فحسب، وإنما مدّ نشاطه أيضا إلى اقليم الشرق الجزائري حيث قام بتعيين خليفة له من أبناء قسنطينة وهو "مصطفى بن عبد الرحمن بن الباش تارزي الكرغلي"، فقام هذا الأخير بنشر تعاليم الطريقة في الإقليم الشرقي حيث نصّب عدة مقاديم أشهرهم "محمد بن عزوز" في واحة البرج قرب بلدة طولقة. بعد وفاته (1208ه) 1793م ازدادت الطريقة الرحمانية نجاحًا واتسعت دائرة نفوذها مما زاد في هياج الأتراك وحنقهم، لذا فقد قاموا بمحاولة لوضع حد لتدفق الزوار من كل مكان غلى الزاوية الأم بآيت إسماعيل فدفعوا بثلاث مجموعات استطاعت إحداهما نقل جثمانه إلى الحامة حيث دفن في احتفال مهيب، ثم بنوا عليه مسجدا وقبة، على أن سكان قرية آيت إسماعيل حينما تحققوا أن الجثة لم تفارق قبرها الأصلي بعد أن نبشوه اعتقدوا أن جثة شيخهم قد ازدوجت ومنذ ذلك الحين لُقب "محمد بن عبد الرحمن" بـ :(بوقبرين).

مهما يكن من أمر؛ فإن خليفته "علي بن عيسى" الذي بقي مدة 43 عامًا في منصبه (من 1208ه ـ 1251ه) استطاع أن يدير الزاوية الأم بكل حكمة ونجاح، مما أكسب الطريقة انتشارًا واتساعًا في النفوذ سواء في وسط البلاد أو شرقها وجنوبها.

:الطريقة التيجانية

ظهرت الطريقة التيجانية في أواخر القرن 18م على يد مؤسسها الشيخ "أحمد التيجاني" المكنى بـ "ابن العباس أحمد محمد التيجاني الشريف" وقد تواجدت مراكزها في الجزائر في العهد في : عين ماضي وتيماسين والأغواط وتوقرت وورقلة ووادي سوف.

ولد "أحمد التجاني في عين ماضي سنة (1150ه) 1738م فقرأ بها على شيوخها القرآن إلى أن بلغ نحو العشرين سنة فتوجه إلى فاس لأخذ العلم على علمائها. وتنقل إلى عدة مناطق منها (بوسمغول ـ توات ـ لبيض سيدي الشيخ، تلمسان وغيرها)، وبفاس التقى بأعلام التصوف وتحاور معهم وأخذ عنهم تعاليم التصوف ومبادئ التربية الروحية، وقد دام مكوثه بمدينة فاس حوالي 18 سنة كان خلال يدرس ويتفقه في شتى العلوم الدينية والشرعية. 

   في سنة 1773م وأثناء رحلته إلى الحج ولما بلغ منطقة الزواوة أخذ عند الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري وأخذ عنه الطريقة الرحمانية الخلواتية، ثم واصل رحلته إلى أن بلغ مقصده في شهر يناير 1774م هناك اتصل بشيخ هندي يدعى "أحمد بن عبد الله" وهو صوفي ورع وتقي زاهد فجالسه مدة شهرين اثنائها توفى الشيخ الهندي، وخلف للتجاني عمله ومعارفه في الطريقة الصوفية. وفي رحلته مر التجاني بالقاهرة وهناك التقى الشيخ "محمد الخيضري" الذي فوضه لنشر تعاليم الخلواتية في شمال افريقيا، فانطلق مباشرة إلى مدينة فاس حيث مكث مدة يتعلم ويعلم العلوم الدين وأسس الطريقة الصوفية الخلواتية، ثم انتقل إلى مدينة تلمسان ومنها توجه إلى قصري بوسمغون والشلالة بالصحراء الشرقية، وهناك بنى خلوة له وانقطع للعبادة، فمكث بها ما يقارب ثمانية عشر سنة داعيا إلى مذهبه، ثم انتقل بين المناطق الصحراوية الفاصلة بين توات والسودان الغربي وتونس يدعو إلى الإسلام وينشر تعاليم طريقته الصوفية، فكان كلما نزل بمكان استأنسه أهلها أطال المكوث عندهم مربيا ومرشدا ويؤسس هناك زاوية له يعين عليها مقدما يكلفه بتلقين طريقته.

 واستمر بنشر دعوته إلى أن وافته المنية سنة 1815م بمدينة فاس المغربية، التي استقر بها بعد مطاردة باي وهران "محمد الكبير" له واستلائه على قرية عين ماضي، وترك ذخرا كبيرا من المؤلفات الدينية أهمها: (الإرشادات الربانية بالفتوحات الإلهية من فيض الحضرة الأحمدية التيجانية، وهي شرح لقصيدة الهمزية للبوصيري في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، و'جواهر الحقائق في شرح الصلاة المسماة ياقونة الحقائق والتعريف بحقيقة سيد الخلائق).