اندلاع الثورة الجزائرية 1954
لقد كانت ليلة الأول من نوفمبر عام 1954 لحظة مفصلية في تاريخ مواجهة الجزائريين للاحتلال الفرنسي. وفيها أطلقت أولى الرصاصات وبدأت حرب شرسة استمرت قرابة سبع سنوات، صنعت ملاحم كبيرة رغم قلة العدة والعدد وضعف التسليح، لكن بعضا من الشباب الجزائري تمكن من ان يقود هذا المشروع التحرري ويجبر فرنسا الاستدمارية على الاعتراف بالجزائر ذات السيادة.
أولا ظروف اندلاع الثورة التحريرية:
1- الظروف الدولية:
- * ظهور وانتشار الحركات التحررية
- * انهزام فرنسا في معركة “ديان بيان فو”بفيتنام ماي 1954
- * ظهور الكفاح المسلح في تونس والمغرب.
- * انفراج العلاقات الدولية وسيرها نحو التعايش السلمي
- * تراجع مكانة فرنسا كقوة عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية.
- * ظهور المواثيق الدولية التي تقر بحق الشعوب في تقرير المصير
2-الظروف الداخلية:
*قناعة الجزائريين بضرورة الكفاح المسلح بعد فشل العمل السياسي.
*تشتت الحركة الوطنية وأزمة حركة انتصار الحريات
*استمرار السياسة الاستعمارية وتجاهل مطالب الحركة الوطنية
*ارتكاب المجازر في حق الشعب الجزائري كمجازر 8ماي 1945
ثانيا التحضير لإندلاع الثورة
1- تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل :
تأسست اللجنة في 23مارس 1954 من طرف أعضاء من المنظمة الخاصة وبعض المركزيين وحصروا أهداف اللجنة في :
* العمل على وحدة الحزب والمحافظة على مبادئه الثورية
* العمل على تجميع إطارات المنظمة الخاصة
* الإتصال بقواعد الحركة وإقناعها بضرورة إلتزام الحياد ولم فشل المركزيون في تحقيق أهدافهم بقي أعضاء المنظمة الخاصة مصممين على العمل المسلح واجتمل رأيهم على دعوة أعضاء المنظمة الخاصة الذي عرف بمجموعة 22
2- إجتماع لجنة 22 :
عقد هذا الإجتماع في 25/07/1954 بالجزائر العاصمة بمنزل السيد إلياس دريش وأهم النقاط المطروحة فيه :
* استعراض تاريخ المنظمة الخاصة من إنشائها إلى تاريخ حلها
* العمل المنجز من طرف المنظمة الخاصة بين 1947-1950
* شرح وضعية المجتمعين ضمن اللجنة الثورية للوحدة والعمل وموقفهم من أعضاء اللجنة المركزية
* الحرب في كل من تونس والمغرب الأقصى
- وقد تم إنتخاب محمد بوضياف منسقا وطنيا وانتخاب أعضاء المكتب الوطني وهم : " مصطفي بن بولعيد – محمد العربي بن مهيدي – ديدوش مراد – رابح بيطاط.
3- الإجتماعات السرية :
أ- إجتماع 23/06/1954 ببيت المناظل عيسى كشيدة بشارع بربروس بالعاصمة احتوى على :
**جمع قدماء المنظمة الخاصة ودمجهم في التنظيم الجديد
**التحضير العسكري للثورة وإجراء تجارب التكوين والتدريب على صنع المتفجرات
**إجراء اتصالات بالمناضلين المتواجدين بالقاهرة : ( أحمد بن بلة- محمد خيضر- حسين آيت أحمد )
ب- اجتماع أواخر شهر أوت :
بمنزل السيد بوكشورة مراد بالعاصمة تم فيه استعراض نشاط اللجنة
ج- اجتماع سبتمبر 1954 : تم فيه تكليف مصطفى بن بولعيد بإجراء آخر محاولة مع مصالي الحاج
د- لقاءات 10 إلى 25 أكتوبر 1954: تم فيها :
لقد تم وضع اللمسات الأخيرة للتحضير لاندلاع الثورة التحريرية في اجتماعي 10 و24 أكتوبر 1954 بالجزائر من طرف لجنة الستة . ناقش المجتمعون قضايا هامة هي :
- إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد الإعلان عنه ليحل محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل وقد اتفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني. وتهدف المهمة الأولى للجبهة في الاتصال بجميع التيارات السياسية المكونة للحركة الوطنية قصد حثها على الالتحاق بمسيرة الثورة، وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي.
- تحديد تاريخ اندلاع الثورة التحريرية : كان اختيار ليلة الأحد إلى الاثنين أول نوفمبر 1954كتاريخ انطلاق العمل المسلح يخضع لمعطيات تكتيكية - عسكرية، منها وجود عدد كبير من جنود وضباط جيش الاحتلال في عطلة نهاية الأسبوع يليها انشغالهم بالاحتفال بعيد مسيحي، وضرورة إدخال عامل المباغتة.
- تحديد خريطة المناطق وتعيين قادتها بشكل نهائي، ووضع اللمسات الأخيرة لخريطة المخطط الهجومي في ليلة أول نوفمبر خريطة أهم عمليات أول نوفمبر 1954.
المنطقة الأولى- الأوراس : مصطفى بن بولعيد
المنطقة الثانية- الشمال القسنطيني: ديدوش مراد
المنطقة الثالثة- القبائل: كريم بلقاسم
المنطقة الرابعة- الوسط: رابح بيطاط
المنطقة الخامسة- الغرب الوهراني: العربي بن مهيدي
تحديد كلمة السر لليلة أول نوفمبر 1954 : خالد وعقبة
4- الاتصالات الداخلية والخارجية :
أ- الاتصال بأعضاء الحزب خاصة المنظمة السرية لإعادة دمجهم في العمل الثوري.
ب- الاتصال بمنطقة القبائل وعلى وجه الخصوص المناضلين " كريم بلقاسم وأعمر أوعمران "
ج- الاتصال بزعيم الحزب مصالي الحاج عن طريق عبد الله فيلالي ومصطفي بن بولعيد وكان الهدف أن تنطلق الثورة بقيادة الزعيم الحركة مصالي الحاج.
د- الاتصال بشخصيات اللجنة المركزية من أمثال " بن يوسف بن خدة - محمد بوزيد - حولي الحسين " ولكن دون تحقيق أي نتيجة .
ه- الاتصال بوفد حركة الانتصار بالقاهرة كانت تهدف إلى عمل كسب الدعم المادي والمعنوي
و- تكررت اللقاءات بين كل أحمد بن بلة ومصطفى بن بولعيد بهدف تأمين طرق التسليح وإنشاء ورشات وتركيب السلاح و مستودعات التخزين.
-ثالثا الاندلاع
كانت بداية الثورة بمشاركة 1200مجاهد على المستوى الوطني بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضعة قنابل تقليدية فقط. وكانت الهجومات تستهدف مراكز الدرك والثكنات العسكرية ومخازن الأسلحة ومصالح استراتيجية أخرى، بالإضافة إلى الممتلكات التي استحوذ عليها الكولون..
شملت هجومات المجاهدين عدة مناطق من الوطن ، وقد استهدفت عدة مدن وقرى عبر المناطق الخمس : باتنة، أريس، خنشلة وبسكرة في المنطقة الأولى، قسنطينة وسمندو بالمنطقة الثانية ، العزازقة وتيغزيرت وبرج منايل وذراع الميزان بالمنطقة الثالثة. أما في المنطقة الرابعة فقد مست كلا من الجزائر وبوفاريك والبليدة ، بينما كانت سيدي علي و زهانة ووهران على موعد مع اندلاع الثورة في المنطقة الخامسة (خريطة التقسيم السياسي والعسكري للثورة 1954 -1956).
وباعتراف السلطات الإستعمارية ، فإن حصيلة العمليات المسلحة ضد المصالح الفرنسية عبر كل مناطق الجزائر ليلة أول نوفمبر 1954 ، قد بلغت ثلاثين عملية خلفت مقتل 10 أوروبيين وعملاء وجرح 23 منهم وخسائر مادية تقدر بالمئات من الملايين من الفرنكات الفرنسية. أما الثورة فقد فقدت في مرحلتها الأولى خيرة أبنائها الذين سقطوا في ميدان الشرف، من أمثال بن عبد المالك رمضان و قرين بلقاسم و باجي مختار و ديدوش مراد و غيرهم
رابعا بيان أول نوفمبر 1954
وقد سبق العمل المسلح الإعلان عن ميلاد "جبهة التحرير الوطني "التي أصدرت أول تصريح رسمي لها يعرف بـ "بيان أول نوفمبر ".وقد وجهت هذا النداء إلى الشعب الجزائري مساء 31 أكتوبر 1954 ووزعته صباح أول نوفمبر، حددت فيه الثورة مبادئها ووسائلها ، ورسمت أهدافها المتمثلة في الحرية والاستقلال ووضع أسس إعادة بناء الدولة الجزائرية والقضاء على النظام الاستعماري . وضحت الجبهة في البيان الشروط السياسية التي تكفل تحقيق ذلك دون إراقة الدماء أو اللجوء إلى العنف ؛ كما شرحت الظروف المأساوية للشعب الجزائري والتي دفعت
به إلى حمل السلاح لتحقيق أهدافه القومية الوطنية، مبرزة الأبعاد السياسية والتاريخية والحضارية لهذا القرار التاريخي. يعتبر بيان أول نوفمبر 1954 بمثابة دستور الثورة ومرجعها الأوّل الذي اهتدى به قادة ثورة التحرير وسارت على دربه الأجيال.
خامسا المواقف المحتلفة من الثورة :
بعد اندلاع الثورة التحريرية في أول نوفمبر 1954 وإعلان ميلاد جبهة التحرير الوطني ممثلا شرعيا ووحيدا لكفاح الشعب الجزائري وفق ما جاء في بيان أول نوفمبر، اختلفت الأحزاب الجزائرية القائمة آنذاك بين مؤيد ومعارض ومتحفظ. كما كان لفرنسا ردود و إجراءات لمواجهة الثورة التي اعتبرتها اعمالا إرهابية و تخريب.
1- موقف الأحزاب الجزائرية من الثورة التحريرية
أ- موقف المركزيين
عشية اندلاع الثورة التحريرية اعتبر المركزيون أن العمل الذي أقدمت عليه جبهة التحرير الوطني مغامرة تجهل نتائجها، ولهذا تحفظوا كثيرا من اتخاذ موقف في بداية الأمر. خاصة بعد إقدام السلطات الفرنسية في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر على حل حزب حركة إنتصار الحريات الديمقراطية واعتقال العديد من مناضلي الحزب، منهم بن يوسف بن خدة وعبد الرحمان كيوان وأحمد بودا. وكان لاتصالهم بعبان رمضان بعد إطلاق سراحهم في مارس 1955، دور كبير في التعجيل بالتحاقهم بالثورة التحريرية. وكان ذلك بمثابة الإعلان الرسمي عن نهاية التيار المركزي والإعتراف بجبهة التحرير الوطني اطارا وحيدا للعمل الثوري.
ب- موقف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري
عند اندلاع الثورة التحريرية، اعتبر زعيم الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري السيد فرحات عباس، ذلك العمل "فوضويا وتصرفا يائسا" غير مضمون العواقب؛ وراهن على تحقيق طموحات حزبه من خلال تطبيق قانون الجزائر الفرنسي لعام 1947 من طرف حكومة منديس فرانس.
غير أن لجوء السلطات الاستعمارية إلى تزوير انتخابات المقاطعات في أفريل 1955 لقطع الطريق أمام مرشحي حزبه، واللقاء الذي جمع فرحات عباس بالسيدين أوعمران وعبان رمضان، إلى جانب نجاح هجومات 20 أوت 1955؛ دفعت بفرحات عباس إلى إصدار بيان إلى المنتخبين التابعين لحزبه يدعوهم فيه إلى الانسحاب من كل المجالس الفرنسية. وتبع ذلك التصريح إستقالات جماعية لنواب الحزب، إلى أن تم الإعلان رسميا عن الالتحاق الجماعي لقادة ومناضلي الحزب بالثورة في سويسرا في 30 جانفي 1956 . ووصل فرحات عباس يوم 25 أفريل 1956 إلى القاهرة حيث عقد ندوة صحفية أعلن فيها عن الحل الرسمي للاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وانضمامه إلى جبهة التحرير الوطني .
ج- موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
لم يتحدد موقف جمعية العلماء المسلمين من الثورة، عند اندلاعها، بصفة رسمية وعلنية رغم دفاعها المستميت عن مقومات الشعب الجزائري منذ تأسيسها عام 1931. لقد اتسم موقفها في البداية بالتردد والتذبذب، وانقسمت إلى تيارين:
* كان يرى أنصار التيار الأول، أن مفجري الثورة يفتقدون للجدية في مطالبهم، ودعا هذا التيار السلطات الفرنسية إلى التعجيل بالإصلاحات الشاملة المبنية على العدالة والمساواة واحترام مقومات الشعب الجزائري .
" أما التيار الثاني فقد أعلن عن مساندته للثورة، داعيا الشعب الجزائري إلى تلبية نداء جبهة التحرير الوطني . ووجه هذا التيار بيانا بهذا الصدد وقعه حوالي 300 معلم من معلمي الجمعية. و كان الشيخ العربي التبسي من أبرز المنتخبين للثورة ومثله أيضا بيان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي وقعه الشيخ البشير الإبراهيمي في القاهرة بتاريخ 14 نوفمبر 1954والذي دعا فيه إلى الالتفاف حول الثورة.
ومع مطلع عام 1956 شرع الشيخ العربي التبسي الذي كان من أبرز المتحمسين للثورة، في إجراء اتصالات مع جبهة التحرير الوطني ؛ وفي 12 فبراير 1956 تم الإعلان الرسمي عن مساندة جمعية العلماء الجزائريين للثورة والتحاق مناصريها بجبهة التحرير الوطني .
د- موقف الحزب الشيوعي الجزائري
على خلاف الأحزاب السابقة ، أعلن الحزب الشيوعي الجزائري، المرتبط بالحزب الشيوعي الفرنسي، معارضته للثورة منذ اندلاعها وأظهر موقفا سلبيا منها ، حيث أصدر بيانا في 02 نوفمبر 1954 أعلن فيه المكتب السياسي للحزب إدانته للثورة ورفضه الالتحاق بها. وحاول الحزب الشيوعي الجزائري كذلك أن يظهر للشعب أنه حريص على مصلحة الوطن .
وعلى الرغم من الانتصارات التي حققتها الثورة في الداخل والخارج، إلا أن الحزب الشيوعي الجزائري بقي معارضا لها ومشككا في مباديء جبهة التحرير الوطني. وقد حاول تحريض الطبقات الكادحة من الشعب الجزائري على مقاطعتها ومناهضتها.
كما سعى من جهة ثانية إلى تكوين قوة مسلحة موازية تحت اسم '' المحاربون من أجل الحرية ''، لكن التجربة فشلت في المهد ، وبذلك وضع الشيوعيون الجزائريون نهاية لنضالهم الوطني
و- موقف المصاليين
أما المصاليون، فإنهم أعلنوا صراحة رفضهم للثورة التحريرية منذ بدايتها ، إذ ناصبوا العداء لجبهة وجيش التحرير الوطني. وأسسوا ، على إثر حل حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حزبا جديدا أسموه "الحركة الوطنية الجزائرية"MNA في 22 ديسمبر 1954، ليصبح تنظيما سياسيا وعسكريا معاديا لجبهة وجيش التحرير الوطني.
وبادروا إلى القيام بعمليات عسكرية، بدعم بشري ولوجستيكي من الجيش الفرنسي، ضد مناضلي جبهة التحرير الوطني في المدن والقرى كذا كتائب جيش التحرير . وعملوا على زرع البلبلة في صفوف الشعب مستهدفين فصل الجماهير عن الثورة.
أما في أوروبا، فقد عمل المصاليون على تضليل المناضلين المهاجرين بادعائهم أن الثورة من تنظيمهم ، غير أن ثقة المهاجرين الجزائريين بجبهة التحرير كانت أقوى من أن يضلل بهم ، وعاد النصر للجبهة في فرنسا والبلدان الأخرى بعد أن قضت على تنظيمات حركة مصالي وأنصاره .
وعانت المناطق الثالثة والرابعة والسادسة من الأعمال الإجرامية للمصاليين بقيادة العميل محمد بلونيس. وعلى صعيد المعارك فقد حدثت مواجهات عسكرية مسلحة في عدة مناطق من الوطن بين جيش التحرير الوطني والحركة المصالية MNA . ومن أهم هذه المواجهات حادثة ملوزة ببني يلمان ، وبذلك وضع المصاليون أنفسهم في خانة المعارضين للثورة.
2- ردود الأفعال السياسية الفرنسية بعد اندلاع الثورة
واجهت فرنسا اندلاع الثورة التحريرية في أوّل نوفمبر 1954 بوسائل شتى : عسكرية، سياسية، إعلامية، دعائية ودبلوماسية. وجاءت ردود الأفعال الفرنسية سريعة لاحتواء الوضع وتغليط الرأي العام. فشملت الردود السياسية والردود العسكرية والردود الإعلامية.
أ- ردود الأفعال العسكرية الفرنسية بعد اندلاع الثورة
حاولت فرنسا في البدء التقليل من الصدمة التي أصابت فرنسا الاستعمارية فاعتبرت الأحداث محدودة التأثير ومن فعل بعض الخارجين عن القانون. غير أن تطور الثورة واشتداد نار لهيبها قد جعل ساسة فرنسا وقادتها العسكريين يدلون بالتصريح تلو التهديد، ويأمرون بمضاعفة عدد قوات الاحتلال المترابطة بالجزائر لمواجهة الأحداث(خريطة انتشار النشاط العسكري للثورة ).
كما صادقت الحكومة الفرنسية على تخصيص موارد مالية كبيرة تصب في دعم المجهود الحربي الذي وجه للقضاء على الثورة وخنقها في المهد قبل استفحال أمرها.
وقد بادر الجيش الفرنسي إلى شنّ عمليات عسكرية برية وجوية في ديسمبر 1954 وجانفي 1955 ضدّ معاقل الثورة في الأوراس والشمال القسنطيني وبلاد القبائل والغرب الجزائري؛ ومحاصرة السكان وشن حملات التمشيط والتفتيش وإنشاء المناطق المحرمة.
ب- ردود الأفعال السياسية الفرنسية بعد اندلاع الثورة
مباشرة بعد انفجار الوضع في الجزائر من جراء اندلاع الثورة ، قامت سلطات الاحتلال الفرنسي بتوقيف عدد كبير من مناضلي حركة انتصار الحريات الديمقراطية MTLD . كما أسرعت الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ قرار حل الحزب وإغلاق مكاتبه ونواديه بالجزائر وفرنسا وذلك يوم 05 نوفمبر 1954 . وقد راح ضحية حملة التوقيف بعض أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل CRUA.
وقد تجلى واضحا أن الحكومة الفرنسية لم تكن تعلم بموضوع التحضير للثورة ولم تكن لديها معلومات عن مفجريها، ولذا عمدت على اعتقال كل من كان له علاقة بالحركة الوطنية وخاصة التيار الاستقلالي.
أما التصريحات الرسمية، فقد تعاقبت على شكل بيانات رسمية وتصريحات لوسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية من طرف وزراء ومسؤولين فرنسيين.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، فقد سارعت الحكومة الفرنسية إلى اتهام " أطراف أجنبية " بالوقوف وراء الأعمال المسلحة بالجزائر والدعاية لها على الصعيد العالمي . وكانت فرنسا تشير بالأصابع إلى مصر وبعض الأوساط العربية
سادسا المشاكل التي واجهت الثورة في بدايتها
المشاكل التي واجهت الثورة في شهورها الأولى هي:
- ندرة السلاح.
- انحصار مجال الجهاد أساسا في الاوراس الذي حشد الاستعمار قوات كبيرة لحصاره وتصفية المجاهدين فيه ولمواجهة هذا التحدي قررت قيادة الثورة الشروع في هجوم كبير في منطقة الشمال القسنطيني( هجومات الشمال القسنطيني) قاده البطل زيغوت يوسف من 20 إلى 27 أوت 1955 م.
- الدعاية المغرضة للمستعمر.
سابعا اهم احداث مرحلة الانطلاقة:
1- هجومات الشمال القسنطيني 20 اوت 1955 (يوم المجاهد)
لم تكن الهجومات على الشمال القسنطيني عملا ارتجاليا بل تم التحضير لها وتحديد تاريخها والإتفاق على طريقة تنفيذها والأهداف المتوخاة من ورائها وعقد لهذا الغرض أول اجتماع دعي إليه المجاهد زيغود يوسف في الفترة ما بين 25 جوان و أول جويلية 1955 في ضواحي " الرمان" المسمى بالحدائق بسكيكدة وحضره مائة من المجاهدين أعضاء المنطقة الثانية منهم:الأخضر بن طوبال، مصطفى عمار بن عودة، علي كافي ،محمد الصالح ميهوب وبوضربة عمار أما فيما يخص تسيير العمليات فقد اتفق أن تستمر ثلاثة أيام.
في اليوم الأول: 20 اوت 1955 يكون الهجوم على المدن جيشا وشعبا.
في اليوم الثاني: 21 اوت 1955 يأتي الاستعمار لحماية المدن وتدعيم المراكز العسكرية فالتصدي له يكون عن طريق الكمائن في كل الطرقات لضربه وحماية مراكز جيش التحرير بالإضافة إلى كسب السلاح من عمليات تلك الكمائن.
في اليوم الثالث: 22 أوت 1955 تنفيذ حكم الإعدام على كل الخونة في المدن. وتم كذلك في هذا الاجتماع تحديد أماكن وأهداف العمليات فاختير 40 هدفا، في المدن والقرى قام جيش التحرير الوطني بمساندة الشعب بعدة عمليات ناجحة في الشمال القسنطيني خلال الفترة الممتدة بين 20 إلى 27 أوت 1955 بقيادة زيغود يوسف، واستهدفت الثكنات العسكرية ومراكز الشرطة و الدرك والمعمرين و المصالح الاقتصادية الفرنسية.
الأهداف من هذه العمليات
أهداف أحداث 20 أوت 1955 م:
أ - الأهداف الداخلية
- فك الحصار العسكري المضروب على بعض المناطق خاصة المنطقة الأولى (منطقةالأوراس).
- تحطيم أسطورة الجيش الفرنسي الذي لايقهر.
- ترسيخ الثقة في نفوس المجاهدين و الشعب .
- تنشيط عمل جيش التحرير الوطني. البطل الشهيد زيغوت يوسف
- تفنيد الدعاية الكاذبة التي بثتها فرنسا في أوساط الشعب الجزائري على أنها تمكنت من القضاء على الثورة.
- توسيع العمليات العسكرية لتشتيت صفوف العدو وتوسيع نطاق الثورة.
ب- الأهداف الخارجية
- تأكيد التضامن الفعال مع الشعب المغربي الشقيق إذ أنها جاءت في الذكرى الثانية لنفي السلطان محمد الخامس إلى جزيرة مدغشقر.
- لفت أنظار العالم قبل انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخاصة أن الكتلة الأسيوية الإفريقية في مؤتمر باندونغ قررت لأول مرة عرض القضية الجزائرية على الأمم المتحدة وفكرت القيادة في الداخل بأن تقوم بعمل عسكري لأن العمل الداخلي يكون سندا للممثلين في الخارج.
- إشعار العالم بقوة الثورة .
- إقناع الرأي العام الفرنسي، والرأي العام العالمي بان الشعب الجزائري قد تبنى ودعم جبهة التحرير
الوطني وهو مستعد لتحرير البلاد مهما كان الثمن والتضحيات.
- دحض الدعاية الإستعمارية الكاذبة من أن فرنسا تتحكم في الوضع.
- كسب الدعم الدبلوماسي والعسكري للثورة.
نتائجها
رغم ما ترتب عن تلك الهجومات من مجازر نظمها المستعمر كما أكدها أحد جلادي الإستعمار آنذاك (أوساريس) ومضاعفة عدد عناصر العدو إلى أكثر من 400 ألف عسكري تم استقدامهم بعد انسحاب المستعمر من فيتنام بعد اتفاقيات جنيف إلا ان هذه الهجومات كانت لها نتائج إيجابية على مستقبل الثورة أهمها ما يلي:
أ- حققت الأهداف المرسومة لها عسكريا، سياسيا و إعلاميا.
ب- خففت الحصار المضروب على منطقة الاوراس .
ج- ازداد تلاحم الشعب بالمجاهدين.
د- غيرت نظرة الفرنسيين للمجاهدين، فبعد أن كانوا ينعتونهم ب "الفلاقة" و"قطاع الطرق" و "الخارجين عن
القانون" أصبحوا يسمونهم ثوارا.
ه - بعثت النشاط في العمل المسلح.
و– كسب المزيد من الدعم من الدول الصديقة والشقيقة.
ن- عملت على رفع صوت الثورة عاليا، وأشعرت العالم أن ما يجري في الجزائر هو ثورة حقيقية. ونوقشت القضية الجزائرية في المحافل الدولية وراحت تحقق الانتصارات المتتالية.
موقف السلطات الفرنسية من هذه الهجمات
كان رد العدو وحشيا إذ قام بحملة قمع و تنكيل واسعة ضد السكان أدت إلى استشهاد أكثر من عشرين ألف جزائري منهم 1500 في مدينة سكيكدة لوحدها.
صمود الثورة واستمرارها
رغم مضاعفة العدو لقواته وتصعيده حملات بطشه، فقد تواصل الكفاح وانتصرت الثورة في مواجهات كثيرة كمعركة الجرف في ابريل 1956 حينما نصب المجاهدون في جبال النمامشة كمينا لقوات فرنسية كبيرة، قتلوا فيه 374 عسكريا و جرحوا المئات كما أسقطوا 6 طائرات عمودية، وطائرة مطاردة مقابل 8 شهداء . ونفذت الثورة عملية بالسترو (الاخضرية) يوم 18 ماي 1956 م قتل فيها 19 فرنسيا، وأحبطت عملية " الطائر الأزرق" التي انتهت بالتحاق 400 مسلح جزائري بالجهاد عشية مؤتمر الصومام بعد قتلهم ل 500 عسكري فرنسي وعميل.
2- التطور السياسي بعد أحداث 20 أوت 1955
عجزت حكومة منديس فرانس على القضاء على الثورة رغم وعودها المؤكدة بتحقيق ذلك، فسقطت في 4 فبراير 1955 م بعدما عينت المجرم "جاك سوستيل" حاكما عاما جديدا على الجزائر في 26 جانفي 1955 م وخلفتها حكومة ادغارفور التي أعلنت حالة الطوارئ في البلاد، واستقدمت قوات إضافية. ولكن امتداد لهيب الثورة مع أواخر 1955 وبداية 1956 أفقد حكومة فور ثقة الناخب الفرنسي، فسقطت لتحل محلها في جانفي 1956 م حكومة "غي موليه" الاشتراكي الذي أخذ في البحث عن الصيغة الملائمة لتنفيذ ما وعد به ناخبيه (العمل على استتباب السلم في الجزائر).
فعين في 6 فيفري 1956 المجرم "روبير لاكوست" وزيرا مقيما في الجزائر، وأعطى للإدارة الفرنسية في الجزائر سلطات خاصة، وعزز القوات المتواجدة بها حتى وصل عدد أفراد القوات الفرنسية في بلادنا إلى 400000 عسكري زيادة على ميليشيات المعمرين، وأمر سوستيل بشن حملات عسكرية كبيرة على الاوراس وبلاد القبائل.
ورغم هذه الإجراءات الشديدة، لم يتوان الشعب عن الالتفاف حول الثورة فانضم كثير من مناضلي الحركات الأخرى إليها. فالتحق فرحات عباس بجبهة التحرير الوطني بالقاهرة يوم 22 افريل 1956 م، كما انضمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و تأسس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فبراير 1956 وتتالت استقالات الموظفين والنواب الجزائريين في المجالس المختلفة، مما أجبر السلطات الفرنسية على حل "المجلس الجزائري" في 12 أفريل 1956 . وتتابعت المكاسب في نفس السنة بإضراب الطلبة في 19 ماي 1956 وإنشاء اتحاد الطلبة المسلمين في 02 جويلية والإضراب الوطني في نفس الشهر وتأسيس اتحاد التجار والحرفيين في سبتمبر.
معركة ديان بيان فو :
هي أول مواجهات الحرب الهندالصينية بين فيلق القوات الفرنسية في الشرق الأقصى التابع للاتحاد الفرنسي وجبهة الثوار الشيوعيين ڤييت مينه. وقعت أحداث المعركة بين مارس ومايو 1954 بقيادة الجنرال جياب، بلغت أوجها إثر هزيمة الفرنسيين ثم إنعقد مفاوضات في جنيڤ لتحديد مستقبل الهند الصينية،أعطت هذه المعركة درسا لفرنسا الاستدمارية و انه يمكن هزيمتها،فكانت عنوان للانتصار.
أزمة حركة انتصار الحريات الديموقراطية
ظهرت الأزمة داخل الحركة بصفة جلية منذ شهر أفريل 1953 حين انعقاد مؤتمرها الثاني الذي اتضحت فيه المسائل الجوهرية في النزاع بين اللجنة المركزية ومصالي الحاج وأنصاره، واتخذ أعضاء المنظمة الخاصة موقفا معارضا للنزاع، وأكدوا على وحدة الحركة وضمان استقرارها وحسب نص اللائحة الختامية للمؤتمر الثاني للحركة فقد، نتج عن أشغال المؤتمر قرار يقضي بتحديد صلاحيات رئيس الحركة وإدخال نوع من الديمقراطية داخل قيادة الحركة، واعتماد قرار الأغلبية، وكان مصالي يلح على منحه السلطات المطلقة لتسيير الحركة، وكان القرار الثاني هو ابعاد أهم مساعدي مصالي من عضوية المكتب السياسي وهما أحمد مزغنة ومولاي مرباح، وانتخاب بن يوسف بن خدة أمينا عاما للحركة واختيار حسين لحول وعبد الرحمن كيوان مساعدان له.ولم يلبث مصالي الحاج أن رفض قرارات المؤتمر، وجاء في رسالة مصالي إلى من مناضلي حركة الانتصار نزع ثقته من اللجنة المركزية وأشتد الصراع بين المركزيين والمصاليين إذ تعنت كل طرف لموقفه وسينتج عن ذلك ظهور حركة جديدة باسم اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي ستعمل على التوفيق بين الطرفين دون جدوى إذ اجتمع أنصار مصالي في مؤتمر للحركة ببلجيكا أيام 14-15-16جويلية 1954، واجروا تعديلات على هيكلة الحركة واعتبر ذلك هو مؤتمر الانقسام النهائي للحركة حيث صدر قرار استبعاد القادة السابقين لحركة الانتصار.