شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

الدبلوماسية الجزائرية 1954 - 1962

كان للنشاط الدبلوماسي إبان الثورة التحريرية دور هام و رئيسيا في تحقيق تدويل القضية الجزائرية، والقضاء على أسطورة " الجزائر فرنسية" واستعادة السيادة الوطنية. فقد ساهمت التحركات الحثيثة لأعضاء جبهة التحرير الوطني في بلوغ الهدف المنشود ،وكانت بذلك الثورة شاملة على جميع الجبهات،العسكرية و الدبلوماسية و الإعلامية .

أولا : دور الوفد الخارجي في بدايات الثورة:

 أولت القيادة الثورية اهتماما بالغا للعمل الدبلوماسي في المجال الخارجي من خلال المشاركة في مختلف اللقاءات والمؤتمرات العالمية، وذلك عن طريق حضور الوفد الخارجي الجزائري في مختلف هذه المؤتمرات سواء المنعقدة في إفريقيا أو آسيا أو حتى في هيئة الأمم المتحدة، وبفضل النشاط الدبلوماسي بالخارج، لقيت الثورة الجزائرية دعما كبيرا في الأوساط العربية وبعض من دول آسيا وإفريقيا، واستطاعت الجزائر من خلال هذا التأييد أن تواجه السياسة الاستعمارية الفرنسية، وتكمل سيرها نحو تحقيق هدفها الأسمى وهو استرجاع السيادة والحرية ونيل الاستقلال.

والجدير بالذكر أن الوضع الدولي السائد آنذاك والمتميز في الحرب الباردة، ساهم كثيرا في العمل الدبلوماسي،ضف الى ذلك التضامن و التآزر بين دول العالم الثالث  و الشعوب التي عرفت حركات تحررية من نير الاستعمار و مواثيق الأمم المتحدة الرامية الى تصفية الاستعمار .

شكل تدويل القضية الجزائرية أولى اهتمامات جبهة التحرير الوطني وذلك من خلال ما جاء في بيان أول نوفمبر، حيث بدأت تتضح معالمها من البداية الأولى للثورة، وهذا بتعيين بعثة دبلوماسية استقرت بالقاهرة، مكونة من السادة حسين آيت أحمد ، محمد خيضر  ، أحمد بن بلة .

لقد تركزت النشاطات الأولى لأعضاء الوفد الخارجي لجبهة التحرير على تحقيق انشغال أساسي ألا وهو الحصول على ا اعتراف للوفد الخارجي باعتباره المعبر الحقيقي أو الواقعي للمقاومة الجزائرية على الصعيد العربي و الإقليمي  والدولي .

تمكن الوفد من إرساء أرضية العمل الدبلوماسي على المستوى الخارجي، بكسب مساندة الدول العربية كمصر والسعودية، وبعد اندلاع الثورة اتخذها الوفد المشكل من: محمد خيضر، حسين آيت أحمد، أحمد بن بلة كقاعدة لعمله الدبلوماسي والعسكري والسلمي، موظفا في ذلك إمكانيات الدعم التي تلقاها من الدول العربية .لذلك فالوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني يعد الأداة الدبلوماسية الأولى للثورة التحريرية الجزائرية الكبرى  . عمل الوفد الخارجي يجد في كل الجبهات وفي مختلف الاتجاهات، ساعيا إلى توظيف التنظيمات الطلابية والطاقات البشرية لدعم تحركاته الدبلوماسية وانجاح مهمة تدويل القضية الجزائرية.

ثانيا اهداف الدبلوماسية الجزائرية اثناء الثورة:

هدفت التحركات الدبلوماسية لقادة الثورة الى تحقيق ما يلي : 

ـ عزل العدو في الميدان الدبلوماسي

ـ ربح أصدقاء جدد في الداخل والخارج

ـ الحصول على مساعدات مادية ومعنوية

ـ تدعيم مؤسسات الدولة الجزائرية قصد الإعتراف بالنظام السياسي لها.

ـ الضغط المتواصل ومداهمة الإستعمار بإستعمال سياسة الإنهاك الإعلامي.

ـ تدويل القضية الجزائرية

ـ حمل المعاناة الجزائرية والمحن الداخلية إلى الخارج من أجل إبلاغ الرأي العام الدولي بالأعمال الشرسة التي كان الجيش الفرنسي يرتكبها في حق الشعب الجزائري.

مؤتمر بان دونغ 1955 :

يمكن القول أن المؤتمر الآفرو آسياوي الذي انعقد في 17 أبريل 1955 ببان دونغ (إندونيسيا) كان بمثابة نقطة انطلاق وتحول رئيسية في كفاح الشعب الجزائري والدور السياسي لجبهة التحرير، كان مؤتمر بان دونغ أول فرصة خارج الإطار العربي استغلتها جبهة التحرير الوطني للتعريف و اقناع الرأي العام الدولي، بأن الجزائر ليست جزءا من فرنسا ،وأن قضيتها هي قضية شعب سلبت منه حريته و صودرت حقوقه، من نتائجه أنه اختتم بإصدار بيان تضامني مع الثورة الجزائرية في حربها الدائرة ضد الاستعمار الفرنسي.

نتيجة الدعم العربي والاسلامي والدولي للقضية الجزائرية تمخض عنه كسب تأييد الكتلة الافرو آسيوية من خلالها طرحت القضية ونوقشت في الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة ، ففي 24 جويلية 1955 تسلم السكرتير العام للأمم المتحدة خطابا من أربعة عشر دولة آسيوية إفريقية يطلبون فيه إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة، وذلك بناء على تعليمات حكوماتهم وقد أوضحوا في خطابهم أهمية حق تقرير المصير في تكوين الأمم المتحدة وأشاروا إلى القرار رقم 637 الذي أقرته أغلبية  الجمعية العامة بشأن حق تقرير المصير وممارسة الحريات الأساسية ، وقررت بذلك الجمعية  العامة للأمم المتحدة في دورتها العاشرة تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمالها ، بعد هذا  أحيلت القضية الجزائرية على اللجنة السياسية للجمعية للدراسة والبحث فيها

ولقد كان للدبلوماسية الجزائرية تأثير كبير في تحول المواقف التي كانت الادارة الفرنسية تروج لها في شأن الذين أسمتهم "بالفلاقة" (الخارجون عن القانون) حيث عمدت في الأخير إلى إجراء أول لقاء سري مع محمد يزيد الذي كان يمثل الجبهة في الأمم المتحدة بنيويورك، وذلك في 21 جوان 1956 .

مؤتمر الصومام وإعادة تنظيم النشاط الدبلوماسي:

لا شك أن التنظيم العسكري والسياسي وحتى الدبلوماسي الذي ميز جبهة التحرير وجيش التحرير بدأ بعد انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 على اعتبار أن المؤتمر أحدث تغييرات جذرية على هذا المستوى من خلال التقسيم الذي فرضه والذي بموجبه ضمت الولايات الثورية الست بعض ما كانت تسمى بالنواحي و المناطق و القسمات. وهذا ما سمح بتحقيق دفع إضافي للثورة إذ تم تحديد المهام بتسلسل ودقة سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الجانب المخابراتي والإتصالي فضلا على الجانب المتعلق بالتموين والإعلام والدعاية والتكوين إلى غير ذلك. كما تم تنصيب عدد من الهياكل بالجبهة من بينها "لجنة التنسيق والتنفيذ" (CCE). 

لقد صارت الدبلوماسية الجزائرية وعلى رأسها الإعلام تلعب دورا حساسا رئيسيا يتمثل في التصريحات التي كان يدلي بها ممثلو جبهة التحرير الوطني، وكذلك الندوات الصحفية التي يعقدونها في مختلف العواصم الأجنبية.

كما استغل ممثلو جبهة التحرير الوطني في الخارج وسائل الإعلام في البلدان الشقيقة والصديقة لإبراز الإنطلاقة والتعريف بالثورة الجزائرية وبأهدافها وأبعادها الحقيقية. فقد نظمت الجبهة برامج إذاعية بعنوان "صوت الجزائر" باللغة العربية تبث من الرباط وتطوان وطنجة بالمغرب الأقصى وأيضا من تونس والقاهرة.

وقد ظلت هذه البرامج تذاع حتى بعد إنشاء الإذاعة السرية للثورة في قلب الجزائر عام 1957. كما كانت هناك إذاعات للدول الصديقة تذيع أخبار الثورة الجزائرية بلغات متعددة وفي مقدمتها إذاعة بودابست (Budapest ) السرية التي كانت تذيع برامجها تحت عنوان: "صوت الإستقلال والحرية".وقد خدمت هذه البرامج الإذاعية الثورة الجزائرية خير خدمة، وكانت أيضا خير وسيلة لتمرير الدور الدبلوماسي لقادة الثورة الجزائرية.

كما دعمت جبهة التحرير الوطني جهازها الإعلامي بإصدار صحيفتي: "المجاهد" في سنة 1956 والمقاومة الجزائرية " في سنة 1955 والتي كانت لسان حال جبهة التحرير الجزائرية للدفاع عن شمال إفريقيا كلها.

هذا، وقد تمكنت الثورة بفضل تلك النشاطات الثقافية والإعلامية والتحسيسية أن تقدم للرأي العام الدولي صورة متكاملة لكفاح الشعب الجزائري الشرعي وبسط الجرائم البشعة للاستعمار وحق الشعب في تقرير مصيره بنفسه. كما استطاعت الدبلوماسية الجزائرية آنذاك أن تدق أبواب أوروبا والأمم المتحدة بنيويورك، وأن تنتزع وتكسب حماس الشعوب وقناعتها بعدالة القضية الجزائرية.

ولعل أول انتصار دبلوماسي على المستوى الدولي بالنسبة لقيادي جبهة التحرير الوطني، كان إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الجلسة العاشرة للأمم المتحدة، وكان ذلك في 20 سبتمبر سنة 1957 وتزامن هذا الحادث مع إضراب التجار في الجزائر. كما مكنت هذه الواقعة بإسماع صوت الجزائر وإخراج المسألة من أيادي الفرنسيين الذين كانوا دائما يتخوفون من حدوث هذا النوع من المسائل الحرجة وإبرازها إلى العالم بحيث كانوا يروجون الى حلفائهم بأن القضية الجزائرية شأن داخلي فرنسي.

الانتصارات الدبلوماسية للثورة الجزائرية على الحكومة الفرنسية

حققت الدبلوماسية الجزائرية اثناء الثورة انتصارات كبيرة على الحكومة الفرنسية نذكر منها :

1- التقرير الذي بعثه السيناتور جون كنيدي الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إتهم فيه كنيدي أمام الكونغرس، السياسية الفرنسية فيما يخص موقفها الاستعماري المتعنت والسياسة التي التزمتها

الولايات المتحدة تجاه هذه المسألة. مما بدأ يغير مجرى الأحوال عبر العالم لاسيما في الدول الغربية.

2- مذكرة بتاريخ 23 نوفمبر 1960 موجهة من طرف أعضاء البرلمان السويدي إلى الوزير الأول مطالبين حكومتهم التدخل لدى هيئة الأمم المتحدة لوقف الاعتداءات الفرنسية وإيجاد حل سلمي للقضية الجزائرية.

3- الندوات الصحفية ووسائل الإعلام التي جندتها الجبهة للرأي العام الدولي ضد الحرب الفرنسية في الجزائر وإعطاء أرقام عن الشهداء والأسرى وحرق الأراضي وعدد المحتشدات، مما أعطى إحصائيات حقيقية للدمار الإستعماري ونظرة حقيقية للعمليات العسكرية والفدائية في المدن والمناطق الجبلية التي جعلت العدو لا يستقر ولا يهدأ له بال، إلى غير ذلك من الاتصالات المباشرة مع عواصم العالم.

4-تنصيب البعثات والوفود الجزائرية في الخارج والتي كانت من جملة مهامها توسيع أعمال الجبهة السياسية منها لفت نظر العالم والإتصال الدائم بالهيئات الدبلوماسية للدول الشقيقة والصديقة والغربية وكذا الحكومات المركزية

التابعة للدول حيث كان يوجد ممثل الثورة الجزائرية.

5- تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA) في 26 سبتمبر 1958، وكان ذلك من نتائج الدبلوماسية الجزائرية حيث كان عملها الأساسي هو إسماع الصوت الرسمي للمثل الرئيسي للشعب الجزائري على المستوى الدولي. فقد عمد فرحات عباس الذي كان يترأس الحكومة المؤقتة آنذاك إلى إجراء عدد من اللقاءات والزيارات للوفود الجزائرية في الخارج، منها زيارة الوفد إلى بكين وموسكو وبلغراد ونيودلهي إلى غير ذلك من عواصم الدول الصديقة والعربية الشقيقة. وقد سجلت هذه الحكومة الفتية أول عمل دبلوماسي لها في هيئة الأمم المتحدة إذ أسمعت صوت ملايين الجزائريين فيما يخص الاستفتاء الذي اقترحه الجنرال دي غول رئيس الجمهورية الفرنسية انذاك في 16 سبتمبر 1959.

6- القرار الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 19/12/1960 (أثناء الدورة الحادية عشرة) والذي تضمن مايلي:

أولا: "إن الجمعية العامة قد أحيطت علما بأن الفريقين قد وافقا على تقرير المصير كأساس لحل القضية الجزائرية ووافقت على هذا المبدأ".

ثانيا: إن الجمعية العامة قد أكدت الحاجة القصوىّ لوضع الضمانات الفعلية المناسبة التي تكفل تطبيق مبدأ تقرير المصير بنجاح وعدالة، على أساس الاعتراف بالوحدة والسلامة الإقليمية للجزائر.

7/ النصر الدبلوماسي إثر انضمام الجزائر المكافحة إلى اتفاقيات جنيف في 20 جويلية 1960 الذي حققته في القصر الفيدرالي بمدينة بارن (BERNE) السويسرية والذي كان له انعكاسات كبيرة بحصولها على تسجيل حكومة سويسرا وثائق انضمام الحكومة المؤقتة إلى اتفاقيات جنيف الأربعة المبرمة في 12 اوت 1949 بشأن حقوق الإنسان. وكان الانضمام إلى هذه الاتفاقيات، يعد في سياق ذلك العهد، نصرا سياسيا ودبلوماسيا وقانونيا هائلا، وكان لا يبدو في متناول أي حركة تحررية في ذلك العهد". ومن الميادين التي تحقق فيها النجاح كاملا ـ 

ولقد كان عدد أنصار الجزائر المكافحة يتزايد في كل مرة، في حين كان موقف فرنسا يتزايد تقهقرا وحرجا حتى أمام حلفائها، الأمر الذي أرغم حلفاء فرنسا في النهاية إلى التخلي عنها، وكان للعزلة الدولية التي منيت بها فرنسا دورها في التأثير على السياسة الفرنسية التي وجدت نفسها مضطرة لإعادة النظر في مواقفها.