شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

النهضة الجزائرية الحديثة

أولا: العوامل الداخلية للنهضة الجزائرية:

  1.  عقم المقاومة الشعبية المسلحة (1830-1916):

خاض الشعب الجزائري عدة مقاومات في محاولة لصد التوسع الفرنسي وسياسته الهمجية، وابلي في ذلك بلاء حسنا، إلا أن هذه الانتفاضات وعلى كثرتها وتفاوت صداها لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة منها 

- ضيق الرقعة التي تقع فيها المقاومة مما سهل مهمة الجيش الفرنسي في القضاء عليها خاصة مع التلقائية والتنظيم الغير محكم لها، وعدم وجود تنسيق بين القبائل الثائرة.

  • قمع الفرنسيين هذه الانتفاضات بوحشية قلما يحدثنا التاريخ عن مثلها، فقد إرتكبت جيوش فرنسـا الاستدمارية من أعمـال التقتيل والتخريب والحرق والنهب والسلب والتشريد وقطع الرؤوس ما لا يمـكن وصفه. 

ورغم كل ما يقال عن المقاومة والانتفاضة الجزائرية بأنها لم تحقق نجاحا عسكريا، بسبب قوة الجيش الفرنسي إلا أنها استطاعت أن ترسخ الروح الثورية في النفوس  .

2 السياسة الفرنسية التعسفية :

استخدمت فرنسا كل الأساليب لتحقيق غايتها ،بما في ذلك حروب الإبادة على الشعب الجزائري، ويكفي أن نطلع على ما رواه أولئك الضباط الفرنسيين عن حملاتهم، لنحصل على صورة ولو ضئيلة عما قاساه أجدادنا من ويلات الاستعمار، فهذا العقيد ديمونتنياك Demonitagnac يسجل في كتابه رسائل جندي « Lettres d’un Soldat »: "... أننا رابطنا في وسط البلاد وهمنا الوحيد الإحراق، القتل، التخريب حتى تركنا البلاد قاعا صفصفا، إن بعض القبائل لازالت تقاومنا ولكننا نطاردهم من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين سبي وذبيح، والغنائم بين سلب ونهب 1842...".

إن هذه الأعمال لم تزد للجيش الفرنسي إلا السمعة السيئة، أما الجزائريون الثوار فقد زادتهم تحدي وقوة حتى أن بيلسي Pellissier de Reymand صرح قائلا: "لا أخاف إذ أقول بأن مجد المنهزمين فاق وطغى على مجد المنتصرين".

ثانيا : العوامل الخارجية لبروز النهضة:

  1.  صدى الجامعة الإسلامية:

هذه الحركة بدأت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ومن روادها الأوائل: الأفغاني، الكواكبي ومحمد عبده.

وقد تأثر الجزائريون بأفكار الجامعة الإسلامية في إطار الإخوة والتضامن الديني والاجتماعي، حيث اطلعوا على هذه الأفكار وتصورات الجديدة من خلال الصحف والكتب الوافدة الى الجزائر عن طريق مثلا الحجاج الجزائريين، كما كان للجامعة الإسلامية دورا في تشجيع هجرة الجزائريين نحو المشرق وساهمت صحفها في التعريف بالقضية الجزائرية ومهاجمتها للحكم الفرنسي. 

امام خوف الإدارة الاستعمارية من دعاية الجامعة الإسلامية اصدرت قرارا يرمي الى غلق المقاهي ونفي أو طرد أو سجن كل جزائري مشتبه في ترويجه لافكار الجامعة الإسلامية.

 

  1.  زيارة محمد عبده إلى الجزائر سنة 1903:

لقد تمتع بعض زعماء الجامعة الإسلامية في المشرق بسمعة عظيمة في الجزائر، و من بينهم الشيخ محمد عبده ،و الذي قام سنة 1903 بزيارة الى الجزائر دامت ما يقارب 10 أيام ،للاطلاع على أحوال الأهالي ،و التقى بعلماء الجزائر منهم الشيخ عبد القادر بن سماية (1866-1933) والشيخ محمد بن زكور مفتي المالكية، ومحمد بوقندورة مفتي الحنفية والشيخ محمد بن مصطفى الخوجة (1865-1915)، ولقد تبنى العديد من هؤلاء أفكار الشيخ، و يمكننا القول أن هذه الزيارة كانت تعكس بصدق حلقة من حلقات التواصل الحضاري والتاريخي بين الجزائر والمشرق العربي، والذي سوف يثمر بإنشاء مولود جديد هو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على النهج الاصلاحي مع استقلالية في الفكر و الممارسة.

  1.  تأثير الصحافة المشرقية في النهضة الجزائرية:

لقد كانت للصحافة المشرقية دور كبير في بروز الوعي داخل المجتمع الجزائري، كما ساهمت في دفع عجلة النهضة الجزائرية، وذلك من خلال الاهتمام ببعض القضايا التي تخص المجتمع الجزائري، وساهمت هذه الصحف في تعريف الجزائريين بهذه الوسيلة للدفاع عن مصالحهم والوقوف أمام تسلط وتعسف الاستعمار، وساهمت هذه الصحف أيضا في حث الجزائريين على مواصلة النضال الوطني وإنماء الحس الوطني بينهم وبذلك فقد أحدثت ثورة ثقافية ونهضة فكرية بين الجزائريين ،وإلى جانب مساهمتها في توعية الجزائريين كانت الصحف العربية قد فتحت صفحاتها لصرخات الجزائر ولقضاياها ومعاناة شعبها، فلجا إليها الجزائريون لإيصال صوتهم و من ابرز هذه الصحف : المنار ...............................

ثالثا : مظاهر اليقظة الجزائرية :

تعددت مظاهر اليقظة في الجزائر و يمكن ادراج بعضها فيما يلي:

1-  بروز العرائض والوفود:

اعتمد الجزائريون على العرائض كأسلوب جديد في وسائل النضال السياسي ويبدوا أن العرائض هي تقليد قديم في الجزائر، ولا يعود فقط إلى الفترة الأخيرة من الاحتلال، بل كان ظهور هذه العرائض منذ السنوات الأولى من بدء الاحتلال، وكثر عددها في العقد الثامن من القرن الماضي واستمر حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.

فنجد في سنة 1860 تقدم الجزائريون بعريضة إلى الحكومة الفرنسية محتجين فيها ضد مشروع إنشاء حكم مدني في الجزائر، وبعد ذلك بعقد بعثوا بعرائض إلى نابليون الثالث والى الإدارة الفرنسية في الجزائر مذكرين بالتزامات فرنسا في اتفاق الجزائر سنة 1830 وطالبوا بوضع حد لسلطة الكولون.

وهناك عريضة 1887 والتي تعد من بين العرائض أهمية وذلك لأنها جاءت تعبر أكثر عن مطالب الجزائريين، 

والى جانب رفضها للتجنيس احتوت على مطالب نذكر منها:

أ. تنظيم المدارس العربية ونشر التعليم بالعربية بين الجزائريين.

ب. المساواة في التمثيل النيابي بين الجزائريين والفرنسيين في المجالس البلدية والعمالية.

ج .استرجاع العمل بالقضاء الإسلامي الذي كان قد الغي بقرار سنة 1886.

ثم نجد العديد من العرائض و اللوائح المطلبية  بمناسبة صدور قانون التجنيد الاجباري و اعلان رفضه

والى جانب العرائض كانت الوفود لا تقل أهمية عنها ونجد من بين هذه الوفود التي سبقت الحرب العالمية الأولى "بعث لجنة الدفاع عن مصالح المسلمين في أكتوبر 1908 وفد للمطالبة بالمساواة مع الفرنسيين، ومنح النواب الجزائريين الحرية أو الاستقلال الذاتي للدفاع عن مصالح المسلمين الجزائريين.

عرفت هذه العرائض تطورا كبيرا في الآراء السياسية للجزائريين، فبعدما كانت العرائض عبارة عن وسائل ترفع عن طريقها شكاوى واحتجاجات أصبحت ترفع قضايا وطنية وسياسية، انطلقت من مبدأ الحفاظ على حقوق الشعب وعلى الرغم من أن هذه العرائض لم تكن لها نتائج دقيقة وكثيرة إلا أنها جاءت تعبر عن بروز النهضة داخل المجتمع الجزائري، والتي أوقدت الحس الوطني والسياسي لدى الجزائريين الذي دفعهم للمطالبة بتغيير الأوضاع، بل تعدت في دورها بالمطالبة بالحقوق إلى إن تكون كوسيلة لإيصال صوت وانين الشعب الجزائري إلى المحافل الدولية، وكسر حاجز الإعلام الفرنسي، وساهمت أيضا في إظهار فرنسا على حقيقتها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى انتشار الفكر النهضوي الذي جاء ليدفع بالشعب الجزائري إلى اليقظة ومواكبة عصره وتطوراته بدل الركون والتوقع.

2- ظهور نشاط النخبة الجزائرية المثقفة بثقافة غربية

لقد عرفت هذه النخبة كيف تحفظ الجزائريين من قوانين الاستعمار الجائرة، وذلك بمطالبتها بالمساواة مع الفرنسيين، ومنح النواب الجزائريين الحرية والاستقلال الذاتي للدفاع عن مصالح المسلمين، 

3- ظهور المطابع:

أدرك الجزائريون ما للطباعة من دور كبير وبارز في التوعية وذلك بطبع الدروس والمحاضرات والتي لها إمكانية الوصول إلى ابعد نقطة من القطر الجزائري وتصل إلى اغلب أفراد المجتمع بكل طبقاته، ومن بين ابرز المطابع خلال هذه الفترة منها:

أ. مطبعة فونتانة:

تأسست في الجزائر العاصمة في سنة 1895 من طرف الفرنسي بيير فونطانا، ساهمت في طبع العديد من الكتب ومؤلفات لرجال الإصلاح والمثقفين الجزائريين، وبلغ عدد الكتب المطبوعة فيها خلال الفترة الممتدة ما بين (1895-1912) أكثر من ثلاثين كتابا باللغتين العربية والفرنسية، ومن بين كتب بعض المؤلفين التي طبعت فيها مثل: تعريف الخلف برجال السلف للشيخ الحفناوي في جزأين (1905-1907)، وكتاب اللمع على نظم البدع شرح العلامة عبد القادر المجاوي، على منظومة البدع للشيخ المولود بن الموهوب في سنة 1912 والاكتراث في حقوق الإناث لمحمد بن خوجة سنة 1897 وغيرها من الكتب.

ب. مطبعة الثعالبية:

تأسست على يد الإخوان رودسي (احمد وقدور) التركيان بالجزائر العاصمة سنة 1896، ولقد قامت هذه المطبعة بطبع العديد من المؤلفات القيمة من تراث الجزائر القديم، كما قامت بطبع عدد من التأليف لكثير من المؤلفين في تلك الفترة وزيادة على بيع الآثار الشرقية التي ترد إلى المكتبة التابعة لها، ومن بين الكتب التي نشرتها بها نذكر منها: الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية لأبي العباس الغبريني في سنة 1910، وكتاب البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم سنة 1909.

والى جانب هذه المطابع ظهرت مطابع أخرى لعبت دورا ثانويا في عملية دورا ثانوي في عملية الطبع والنشر مثل المطبعتين جوردان ومطبعة جول كاربونيل، ساهمت في نشر التأليف الجزائرية إلا أن مساهمتها كانت قليلة مقارنة بسابقاتها.

ومنه وما يمكن أن نستخلصه أن الطباعة كان لها دورا فعالا في نشر وتوسيع دائرة الوعي الثقافي داخل المجتمع الجزائري، كما ساهمت في حماية التراث الجزائري وإحيائه وبعثه من جديد، وبالتالي فقد ساهمت في المحافظة على الإرث التاريخي للجزائر.

4-الصحافة الوطنية 

يقول الباحث والأديب الجزائري محمد ناصر في كتابه: "المقالة الصحفية الجزائرية": "إذا كان الناس يطلقون على الصحافة اسم السلطة الرابعة في الدولة لما لها من تأثير في تكوين الشعوب، فإننا نستطيع القول إن الصحافة الإصلاحية في الجزائر، وهي تحت سمع الاستعمار وبصره يصح أن نطلق عليها اسم السلطة الأولى لما لها من آثار مباشرة في توجيه الشعب الجزائري وتثقيفه وإعداده للمعركة الفاصلة".

وقفت الصحافة الجزائرية على الرغم من قلة الإمكانيات و اساليب الغلق و الحظر بالمرصاد لمختلف السياسات الاستعمارية الفرنسية الرامية لطمس هوية الجزائريين و التصدي لكل محاولات التشويه الممنهجة، و عملت على تنوير الجزائريين وحمل همومهم و اطلاعهم بالقضايا الدولية و الإقليمية ،و اسقطت بذلك الجدار الحديدي لعزل الجزائريين عن واقعهم المحلي و الدولي.

 5- الجمعيات و النوادي :

     شهدت الجزائر في بداية القرن العشرين تأسيس العديد من الجمعيات والنوادي الثقافية وكان الهدف منها هو إيصال أكبر قدر ممكن من الأفكار الإصلاحية والسياسية وخاصة لفئة الشباب، ومن بين الجمعيات التي لعبت دورا بارزا في توسيع الدائرة الثقافية في هذه الفترة نذكر منها: نادي صالح باي،الجمعية الراشيدية،نادي الترقي....

 

6- حركة الأحياء التاريخي:

مع مطلع القرن العشرين اهتم المثقفون الجزائريون بنشر وكتابة تاريخ الأجداد، أي ظهور حركة إحياء تاريخية للتراث، نذكر منهم: ابن أبي شنب، بن الخوجة، أبو القاسم الحفناوي.

جاءت الحركة لتكذيب مزاعم الإدارة الفرنسية حول الأمة الجزائرية، وأن الأمة الجزائرية تمتد جذورها إلى العصور الغابرة، وان ثقافتهم لا تقل عن ثقافة الأمم الأخرى، وبالتالي فعلى الأجيال الصاعدة إدراك ذلك والمواصلة في هذا المجال والنشاط الثقافي الذي بدأه الأجداد، ثم ان الهدف الاخر من هذه التأليف هو التأكيد لفرنسا بان الجزائريين لا يمكن ان ينفصلوا أو ينقطعوا عن أصولهم الضاربة في التاريخ.

فكتب الحفناوي كتابه : تعريف الخلف 

ابن أبي شنب فلقد اهتم بتحقيق ونشر عدد من المؤلفات منها: الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة في بجاية، لأبي العباس احمد الغربيني، كتاب نزهة الانظار في فضل علم التاريخ والأخبار" للحسين الورتيلاني والمعروف "برحلة الورتيلاني"، طبع بمطبعة فونطانا بالجزائر سنة 1908

لقد كانت لحركة الإحياء التاريخية للتراث دور كبير في رفع الحس والوعي الوطني والسياسي بين الجزائريين وزيادة الاهتمام بالتاريخ  الوطني.

7-المسرح الجزائري ودوره في النهضة:

حاول المسرح الجزائري الناشئ فك الجمود  الثقافي والدعوة إلى مواكبة العصر خاصة في هذا المجال وعن طريقه عبر الجزائري وعالج واقعه الذي يعيشه على خشبة المسرح، فجاءت اغلب المواضيع تعالج قضايا وطنية وإسلامية على سبيل المثال "صلاح الدين الأيوبي"، "في سبيل الوطن"، "فتح الأندلس"، واعتبرها الكثيرون بداية فاعلة في حياة الجزائر الثقافية، وذلك باعتبار أن جل المسرحيات التي مثلت على خشبة المسرح أخذت من التاريخ الإسلامي والأدب العربي والعالمي.

ومع بداية سنة 1912 بدا التمثيل المسرحي العربي في الجزائر، إذ مثلت فرقة المدية مسرحية "المروءة والوفاء" وفرقة العاصمة مثلت مسرحية "ماكبث" ونفس المسرحية قدمتها أيضا فرقة البليدة، وفي سنة 1913 قدمت فرقة مسرحية مقتل الحسين، وفي السنة الموالية قدمت مسرحية يعقوب اليهودي.

 ولقد اختلفت الآراء حول تحديد جذور المسرح الجزائري، فهناك من يرجح بداية المسرح الجزائري إلى نشاطات الأمير خالد في فرنسا من خلال حضوره إلى حفل أقامه الممثل المسرحي جورج ابيض سنة 1910 بمناسبة حصوله على "دبلوم الكونسرفاتور" ثم زيارة هذا الأخير للجزائر أواخر سنة 1918م .

وتأسست في سنة 1922 "جمعية التمثيل العربي" كان على رأسها محمد المنصالي، والتي كانت تضم عددا من الممثلين والفنانين الجزائريين مثل: غريد لكحل، إبراهيم دحمون وعلال العرفاوي، محي الدين باشطارزي، وقدمت هذه الجمعية مسرحيتين على خشبة الكورسال هما "في سبيل الوطن" بتاريخ 29 سبتمبر 1922، وهي دراما من ثلاثة فصول، لكن الحكومة الفرنسية التعسفية منعت عرض هذه المسرحية مرة ثانية وخلقت المصاعب في وجه هذا المسرح الناشئ، وقدمت أيضا مسرحية ثانية بعنوان "فتح الأندلس" والتي قدمت بتاريخ 25 جوان 1923.

إن المسرحيات التي تمت خلال الفترة الممتدة من 1921الى 1924 ، فعلى الرغم من فشلها في استقطاب عدد كبير من الجمهور إلا أنها ساهمت في تطور ملحوظ في الحياة الثقافية وبروز اليقظة داخل المجتمع الجزائري.