الجمعيات و النوادي
المقدمة :
شهدت الساحة الثقافية الجزائرية نشاطا حيويا ،تعددت اشكاله و أطره، و قد تزايد عدد الجمعيات و النوادي و اتضح جليا ميول الجزائريين الى تأسيس مثل هذه الجمعيات الثقافية و النوادي العامة لتكون الاطار القانوني لنشاطهم، من خلال عرض المسرحيات و تقديم المحاضرات ،و المساهمة في تنشيط الحياة الثقافية و الفكرية.
اولا. الجمعيات:
بعد أن حاولت الإدارة الاستعمارية فرنسة الشعب الجزائري عن طريق المدارس ودروس التاريخ التي كانت تمجد فرنسا، ولكن بعد فشلها وجهت أنظارها نحو إقامة جمعيات تهدف من ورائها إلى استقطاب عدد كبير من الجزائريين بمغريات اكبر، وبعد التردد المستمر على المراكز يسهل هذا في عملية سلخ الجزائريين من الشخصية العربية الإسلامية، وتذويبها في الشخصية الفرنسية، وبما أن المدارس والمساجد كانت مقصورة على فئة محدودة، هدف المصلحون والمجددون الجزائريون أن يوسعوا من نشاطهم الإصلاحي، ويكون هذا عن طريق تأسيس جمعيات ونوادي ثقافية والتي يمكنها إيصال اكبر قدر ممكن من الأفكار الإصلاحية وخاصة لفئة الشباب، ومن بين الجمعيات التي لعبت دورا بارزا في توسيع الدائرة الثقافية في هذه الفترة نذكر منها:
- الجمعية الرشيدية:
وهي جمعية ودادية لقدماء تلاميذ المدارس العربية، الفرنسية لمدينة الجزائر، تأسست سنة 1902، وكانت هذه الجمعية تحت رعاية فرنسيين متعاطفين مع السكان، وبما ان هذه الجمعية كانت تضم قدماء تلامذة المدارس فان أهدافها كانت مركزة على اهتمام هذه الفئة، مع إعطاء هذه الأهداف صيغة سياسية، ومحاولة من خلال نشاطاتها تعريف هؤلاء على الثقافة الفرنسية لتتمكن من دمجهم في الوسط الفرنسي، وان البند الثالث من أهدافها ينص على ضرورة تنظيم دروس ومحاضرات لتمكين التلاميذ من معرفة اللغة الفرنسية، ومن تقديس الأفكار الفرنسية.
ولكن هذا لا يعني انغلاقها أمام اللغة العربية، فقد كانت المحاضرات تعطى باللغتين، ومن بين أهدافها حسب قول روبيير أجيرون هي مساعدة الناس ويظهر ذلك في قوله: "نحن نريد من المجتمع المسلم الفقير والمهمل، مجتمع يعمل بأسباب التطور المادي لتحريره من القلق والخوف، وتسمح له بالتفكير وتتيح للنشئ الجديد فرص التقدم والرقي".
اهتمت الجمعية أيضا بالناحية الاجتماعية، وذلك بمساعدة الفقراء والمعوزين، حيث خصصت لهم جزء من مداخيلها كمساعدات مادية، تمثلت في شراء الملابس، والأدوات المدرسية، وكانت تمنح وجبات خلال فترة الدراسة.
ولقد كانت هذه الجمعيات متفتحة على روح العصر ويظهر ذلك من خلال مواضيع المحاضرات، فلقد تنوعت هذه المحاضرات من (أدب، قانون، سياسة وعلوم) ومدى حضها على التعلم والتفتح على اللغات والعلوم والتعريف ببعض الفنون والأنظمة السياسية والقانونية... الخ.
ولقد تناولت المحاضرات التي ألقيت فيها جملة من القضايا التي كانت تشغل الرأي العام الجزائري والفرنسي، نذكر منها: محاضرة بعنوان "تاريخ الطب العربي" للدكتور بن بريهمات، ومحاضرة بعنوان "العليم" للسيد فتاح، أما الدكتور بن تامي فتناول موضوع "مرض السل"، كما ألقيت بها عدة محاضرات حول الحضارة الإسلامية، أهمها "الإسلام واللغات الأجنبية" لبن زكري، "تاريخ الأدب الإسلامي" لبن سماية، والقي الحفناوي محاضرة بعنوان "فرنسا، الحرية، المساواة".
وما يمكن ملاحظته من خلال محاضراتها المتنوعة انها حاولت شمل كل المجالات والجوانب الحياة اليومية للشعب، وهذا النوع كان مفقودا قبل هذا التاريخ، ومنه فلقد جاءت النخبة محاولة بنشاطاتها هذه إلحاق الشعب والمجتمع الجزائري بركب الحضارة والتطورات التي كان يعيشها العالم في تلك الفترة.
وبالتالي نجحت الجماعية في أداء ادوار جليلة، وقد يكون سبب هذا النجاح في مدينة الجزائر هو عدم وجود جمعيات مثلها في مدن جزائرية أخرى، ولقد وسعت الجمعية نشاطاتها وأسست لها فروع عدة في سنة 1910.
- الجمعية التوفيقية:
تأسست بمدينة الجزائر سنة 1908 من طرف مثقفين جزائريين وبعض الليبراليين الفرنسيين، وترأسها احد الشبان الجزائريين وهو الدكتور بن التهامي
كان هدفها جمع الجزائريين الذين يريدون تثقيف أنفسهم وتطوير أفكارهم، وقد جاء في قانونها الأساسي الابتعاد عن السياسية، وان كل مشارك فيها يخوض في الأمور السياسية يعرض للطرد، وذلك بهدف الحفاظ على استمراريتها، لان الخوض في السياسة يعني بذلك عرقلة عملها من طرف الإدارة الفرنسية، وهذا يفسر لنا مدى فطنة وذكاء أصحابها وبعد نظرتهم السياسية.
توقفت هذه الجمعية عن النشاط فترة من الزمن ثم أعيد إحياؤها وبعثها من جديد في 10 2011 نوفمبر من طرف النخبة.
سجلت هذه الجمعية عملا ثقافيا واسعا، كان له اثر كبير على النخبة والمجتمع، كما تنوعت محاضراتها ونشاطاتها الثقافية، ونذكر منها: استدعاء الأستاذ بليتي Peltiev الذي ألقى محاضرة بعنوان "فوائد العارف"، حدد فيها كيفية التعارف، والتي تتمثل في التكوين العلمي لكي يحدث تقارب بين المجتمع الجزائري والفرنسي، وألقى أيضا محاضرة بعنوان "القانون الإسلامي العام"، وألقيت محاضرة بعنوان "ملامح العالم الإنساني المعاصر" من طرف صوالح محمد محاولا من خلالها إظهار العلاقة القائمة بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، ونظمت فيها محاضرات علمية في سنة 1911 ظهرت من خلالها اهتمامات المصلحين والتي كانت تدور حول قضايا التجديد ومسايرة روح العصر وإحياء التراث العربي الإسلامي.
ولقد ساهمت هذه الجمعية في إنماء الثقافة العربية لدى الشباب الجزائري، تعريفه بحضارته الإسلامية، وأيضا أظهرت أهمية التراث الجزائري من خلال اهتماماتها ومجهوداتها في الحفاظ عليه، وحاولت التقريب بين الجزائريين والفرنسيين، إلى جانب هذه الأعمال كانت كسابقاتها تساعد وتحسن إلى التلاميذ الفقراء، أما توقف نشاطها فيمكن تحديده بسنة 1913 لان اغلب أعضائها النشطين قد تطوعوا في الجيش الفرنسي.
- الجمعية الصديقية:
تأسست سنة 1913 من طرف السيد عباس بن حمانة والشيخ الحاج بكير العنق، وأهداف هذه الجمعية تتمثل في العناية بالتربية الإسلامية، ونشر التعليم العربي، القيام بالإصلاح الاجتماعي وإحياء اللغة العربية وتنوير المجتمع ثقافيا عن طريق محاضرات وانشطتها الترفيهية.
أنشأت الجمعية الصديقية مدرسة قرآنية عصرية حرة بتبسة سنة 1913 وعينت فيها مدرسين ماهرين من تونس هنا: احمد بن صالح، ومحمود بن محمد، الأول لتدريس اللغة العربية، والثاني لتدريس اللغة الفرنسية، أما برامجها التربوية فكانت تساير العصر وتستجيب لحاجبات المجتمع، وكان إخلاص القائمين بها في العمل، وحسن التسيير والرعاية من قبل إدارتها أثره الفعال في تحقيق نتائج باهرة في الميدان العلمي فبادرت سلطات الاحتلال خوفا من النشاط الإصلاحي إلى حل الجمعية وأوصدت أبواب مدرستها في وجه الطلاب، وتم نفي المعلمين.
- الجمعية الودادية للتلاميذ المسلمين في شمال إفريقيا:
إن ما تميزت به فترة بعد الحرب هي بروز وعي سياسية وحركة سياسية مطالبة الحقوق، وفي ظل الظروف الصعبة التي عانى منها الطلبة الجزائريون حيث تمثلت هذه الظروف في سياسة التعسف والتهميش من طرف الإدارة والتي تمنح الحقوق فقط لأبناء المعمرين، ولم تكتفي سياسة التعسف على الجانب الإداري بل امتدت إلى التمييز بين الطلبة الفرنسيين الذين كانوا دوما يطردون الطلبة الجزائريين من تنظيماتهم الطلابية، وهنا ظهرت حاجة الطلبة الجزائريين إلى إقامة هيئة تنظيمية لهم، وكانت هذه الجمعية والتي أسست في حدود سنة 1918 تم تأسيس تنظيم خاص بهم يحقق مطالبهم المادية والبيداغوجية وتتكفل بمستقبلهم التعليمي والمهني، وأطلقوا عليه تسمية الجمعية الودادية للتلاميذ المسلمين في شمال افريقيا، في حين يحي بوعزير يرجع نشوء هذه الجمعية إلى سنة 1920 أما المؤرخ شارل روبير أجيرون فيذكر في كتابه تاريخ الجزائر المعاصرة إن سنة المنشأ هي 1919 ويطلق عليه آخرون تسمية رابطة الطلبة الأهالي.
وحسب القانون الأساسي لهذه الجمعية فهي تمتنع من الخوض في القضايا السياسية وان أهدافها كانت لخدمة قضايا الطلبة والاهتمام بمشاكلهم المادية والمعنوية ومعالجة أمورهم البيداغوجية، وحاولت من خلال محاضرات برامجها ولقاءاتها إضفاء جو ثقافي بمناقشتها لقضايا ثقافية وفكرية، وأصدرت في سنة 1927 نشرية أبرزت فيها معالم حياة المنظمة منذ تأسيسها إلى ذلك الحين، وفي سنة 1930 أنشئت مجلة التلميذ والتي كانت تهتم بالثقافة وبقضايا الإصلاح وشارك فيها العديد من الكتاب السياسيون المستقلون أمثال توفيق المدني.
- جمعية الأخوة الجزائرية:
تأسست بمدينة الجزائر سنة 1922 أسسها الأمير خالد في 23 جوان 1922 وأصبح رئيسا عليها ونائب ابن التهامي، وكان هدف هذه الجمعية من وراء تأسيسها البحث على وسائل للدفاع وتحسين أحوال المجتمع الجزائري ماديا ومعنويا وفكريا واقتصاديا وسياسيا.
واتخذت من الأهداف التالية محور برنامج هذه الجمعية:
- تطبيق شامل لقانون 4 فيفري 1919.
- التمثيل البرلماني للسكان الجزائريين المسلمين الذين لم يحصلوا على الجنسية الفرنسية.
- تطبيق المساواة وتمثيل عادل للمسلمين في المجالس الجزائرية.
- الإلغاء النهائي لقوانين الانديجينا (قانون الأهالي).
- تعميم التعليم.
وبعد مي شهرين على تأسيس الجمعية بادر الأمير خالد إلى إيصال مفاهيمه السياسية إلى الطبقة الشعبية وذلك بإقامته تجمعا بباب الوادي حضرته الشخصيات والوجوه البارزة وتابعت جريدة الإقدام مراحل الحفل وعلقت عليه بعنوان "بارقة الأمل".
وان مسعى الأمير خالد من تأسيس الجمعية هو تعزيز الروابط الأخوية بين الجزائريين لان الوحدة أساس كل بناء وطني ناجح، وكانت تهدف من وراء نشاطها المحافظة على الشخصيات الجزائرية ولقد اعتبرت هذه الجمعية بمثابة حزب سياسي، ولقد لقيت إقبالا من المجتمع الجزائري، وكانت الإدارة الفرنسية متخوفة من عمل هذه الجمعية، ويظهر ذلك من خلال مراسلة سرية بعث بها ضابط عسكري رئيس الملحق العسكري بالاغواط، إلى القائد العسكري طنطقة غرداية الخ في تقريره على ضرورة إبلاغ الحاكم العام في الجزائر بخطورة جمعية الاخوة على المستوى الوطني، وهكذا أخذت الإدارة تتعذر بأعذار واهية إلى أن نفت الأمير وأوقفت عمل الجمعية بنفي الأمير إلى الإسكندرية.
ثانيا . النوادي:
أما عن النوادي التي كان لها دور كبير في تنشيط الحياة الثقافية فنذكر:
- نادي صالح باي:
تأسس سنة 1907 بقسنطينة من طرف السيد اريب Arripe نائب رئيس مجلس عمالة قسنطينة آنذاك، والأمين العام لنفس العمالة فيما بعد، كما أن الحاكم العام جونار، ونظرا للأهمية التي كان يوليها لمثل هذه المرافق الثقافية والاجتماعية قد وافق على تولي الرئاسة الشرفية لنادي صالح باي.
وان هذا النادي يعتبر الانطلاقة الأولى للشبان الجزائريين في هذا المجال، وان هذا النادي كان على شكل جامعة شعبية، وله برنامج عريض لقي تأييدا من طرف الفرنسيين والمتعاطفين مع الجزائريين، ولقد شاركت مجموعة من النخبة الجزائرية المثقفة مثل ابن الموهوب، ابن العابد، مصطفى باشطارزي، كمستشارين.
وكان هذا النادي عبارة عن ملتقى للدراسات الأدبية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية ومجال مفتوح للمحاضرات والدروس وقد جاء في وثيقة تأسيسه دعوة المتعلمين بالعمل والتعاون: "وعليه فإننا ندعوا شهامتكم وغيرتكم وكرمكم بلسان الدين للانخراط مع المنخرطين في موطن من مواطن الإسلام، وفعل خيري عام، ذلك انه أسست بقسنطينة لجنة تدعى بنادي صالح باي ذلك الرجل الشهير المؤسس لمسجد سيدي الكتاني ومدرسته وغيرها...".
إما عن أهداف هذا النادي فنجد إلى جانب هدفه الأساسي الذي بني عليه النادي والمتمثل في نشر العلوم وتربية الجزائريين المسلمين على الطرق الاقتصادية كان يهدف أيضا إلى تعليمهم ومساعدة الفقراء ومواساة الضعفاء والمرضى وتأسيس المكتبات للمطالعة كما يهدف إلى تمكين المسلمين من القرض العمومي ومن الدفاع عن حقوق العمال منهم.
وإلى جانب أهدافه هذه ، كان النادي يدعو إلى التجديد ومحاربة الجمود والانحرافات التي كان يرزح تحتها الشباب الجزائري، ولقد ساهم بن الموهوب بثقافته في هذا النادي من خلال إلقائه لمجموعة من المحاضرات، عالجت القضايا الاجتماعية والأدبية.
ولقد كانت لجنة تأسيس النادي تذكر أن لا دخل لها في الأمور السياسية ولا الدينية، فهي تمنع من النقاش في هذين الأمرين بناديها.
ولقد كان هذا النادي يضم سنة 1908 حوالي 1700 عضو وكانت له فروع في العديد من مدن الجزائر.
- نادي الشبان الجزائريين:
تأسس بمدينة القرارة سنة 1911 وهو يرمز إلى بداية ظهور الحركة الشبانية على ساحة الأحداث، أما أهدافه تتمثل في خلق جو من الترفيه والمناقشة في بعض المواضيع الأساسية كالآفاق الاجتماعية، نشر التعليم وبعض القضايا الجوهرية.
وقد عرف النادي نشاطا ثقافيا متنوعا، مثال عن ذلك في سنة 1912 كان يشمل النادي على محاضرات أدبية وعلمية واقتصادية ومن أهم هذه المحاضرات: محاضرة للشاب طالب عبد السلام تمحور تحول أسباب انحطاط المجتمع الجزائري، وألقى الأستاذ إسماعيل محمد محاضرة بعنوان التعاون وفوائده، حث فيها على ضرورة التعاون والتكاتف في جميع المجالات.
- نادي الاقبال:
انشأ هذا النادي بعد الحرب العالمية الثانية بمدينة جيجل في سنة 1919من طرف نخبة من الشباب وكان رئيسه الشرفي "خلاف عبد الرحمان" ونائبه بوربون فرحات، أما الرئيس الفعلي للنادي فهو بن يحي عمر وخلاف مختار نائبا له.
ويبدو أن جل مسيري هذا النادي من الطبقة البرجوازية والمثقفين بالثقافة الفرنسية، ولقد كان هذا النادي موالي لفرنسا ويظهر ذلك عند تدشين نادي الإقبال في سنة 1919 حيث انتهى الاجتماع بالنشيد الفرنسي وبالهتاف "تحيا فرنسا"، ولكن هذا لا يعني أن النادي لم يساهم في اليقظة الوطنية وذلك من خلال محاضراته التي كانت تلقى فيه ومتابعة التطورات في العالم الخارجي التي قضت على العزلة التي كان يعاني منها الجزائريون، وساهم في توعية الشعب بمنحه مجالا لتتبع الأفكار الجديدة التي نتجت عن الحرب العالمية الكبرى، أما عن القوانين المطبقة في هذا النادي فقد كانت تستبعد الأحاديث السياسية كباقي النوادي والجمعيات، وحاول مؤسسه أبراز دوره الأساسي للنادي، ودور المدرسة في تحسين التربية والمجتمع.
ومنه ومما سبق ذكره عن الجمعيات والنوادي والأدوار التي كانت تقوم بها نجدها قد مهدت لظهور الأحزاب السياسية، على الرغم من إن أهم القوانين التي كانت تقوم عليها الجمعيات والنوادي هي عدم الخوض في الأمور السياسية، وذلك تبعا للقانون 1901 الذي نص على حضر تعاطي النشاط السياسي داخل الجمعيات والنوادي، ولكن هذه المراكز مثلت أعضاءها الذين كانت لهم اتجاهاتهم السياسية، والى جانب مساهمتها في المجال السياسي، ساهمت في ظهور صحافة جزائرية عربية، وفي بث روح النهضة والتعريف بالأفكار الجديدة عن طريق تنظيم محاضرات ومطالعة الصحف الواردة عليها من الخارج.
كما شكلت هذه النوادي والجمعيات ملتقى للطبقة المتنورة، لتبادل الأفكار ومناقشة قضايا الساعة، وكانت كوسائل دعاية للشباب الجزائري لبث أفكارهم والتعريف ببرنامجهم قبل أن يتمكنوا من إصدار صحفهم الخاصة.
ولكن هذا لا يعني أن هذه الجمعيات والنوادي قد تخلت عن مهمتها بصدور هذه الصحافة، فلقد كانت ملتقى للأفكار الحديثة، ولبث الوعي الوطني في نفوس الجزائريين، ولذلك فنجد أن هذه الجمعيات والنوادي كان لها دور كبير خلال فترة ما قبل الحرب (1900-1914)، ساهمت مساهمة فعالة في يقظة الجزائريين، وذلك من خلال تركيز زعمائها على التعليم والتقدم والتحرر، وقد حاولوا أن يطوروا المجتمع الجزائري، وان يجعلوا منه مجتمعا حديثا ومتنورا بدل مجتمع قديم وتقليدي.
وان الأفكار الأوربية التي لا يمكن لنا تكرارها، لأنها ساهمت هي الأخرى، والتي تمثلت بالدرجة الأولى في فكرة النوادي، فالنوادي ساعدت في بناء النهضة داخل المجتمع الجزائري.
1- مقدمة
ظهرت الكشافة في الجزائر بعد الحرب العالمية الأولى على يد الفرنسيين الذين كان هدفهم تربية أبنائهم، وكانت صورة للكشافة المتواجدة بفرنسا رغم انخراط بعض الشبّان الجزائريين في صفوفها لإعجابهم بالنظام والانضباط الكشفي والزي الموحد. لكن الاحتفالات بالذكرى المئوية للاحتلال وما رافقها من استعراضات استفزازية شاركت فيها الكشافة دفعت الجزائريين إلى الانسحاب من صفوفها والاتجاه نحو تأسيس كشافة إسلامية جزائرية .
2-نشأتها
تعود أصول الكشافة الإسلامية الجزائرية إلى سنوات الثلاثينات حين تأسّس فوجا كشفيا بمدينة مليانة تحت اسم : فوج ابن خلدون على يد صادق الغول،وبعدها بقليل تأسس فوج ثاني بالعاصمة من طرف محمد بوراس تحت اسم فوج الفلاح سنة 1935، وحصل على الاعتماد الرسمي في جوان 1936 ثم توسعت الأفواج الكشفية إلى باقي المدن الجزائريين ، فظهر فوج الرجاء وفوج الصباح بقسنطينة (1936) ، وفوج الفلاح بمستغانم (1936)، وفوج الإقبال بالبليدة (1936) ، وفوج القطب بالعاصمة (1937) وفوج الحياة بسطيف (1938) وفوج الهلال بتيزي وزو (1938) وفوج الرجاء بباتنة (1938) وفوج النجوم بقالمة (1938) .
وأمام تزايد الأفواج الكشفية فكّر محمد بوراس في تأسيس جامعة الكشافة الإسلامية الجزائرية والتي حظيت بموافقة حكومة الجبهة الشعبية ، وعقد مؤتمر التأسيس بالحراش تحت الرئاسة الشرفية للشيخ عبد الحميد بن باديس وكان شعاره "الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا
3-دورها في الحركة الوطنية
اتسعت نشاطات الحركة الكشفية، وانتشرت الأفواج في ربوع المدن الجزائرية واكتسب الحركة شعبية كبيرة في أوساط المواطنين خاصة بعدما حضيت برعاية علماء الإصلاح بإشرافهم على التجمعات الكشفية، في مختلف المدن الجزائرية ، ابن باديس في قسنطينة والطيب العقبي في العاصمة ، والبشير الإبراهيمي في تلمسان. وتحولت إلى مدرسة حقيقية لتلقين الشبان الأفكار الوطنية ، ومبادئ الإسلام واللغة العربية ، والتشبع بالفكر الاستقلالي من خلال المخيمات الكشفية وعرض المسرحيات المعبّرة عن واقع الجزائريين المزري تحت نير الاحتلال، وترديد الأناشيد الوطنية وبث روح الانتماء القومي في صفوف الشبان .هذا النشاط المكثف للكشافة الإسلامية الجزائرية جعلها عرضة لمضايقات السلطات الفرنسية التي عملت كل ما في وسعها لعرقلة نشاطاتها ولعل أفضل مقال على هذا إعدام محمد بوراس بتاريخ 27ماي 1941 بتهمة واهية " الجوسسة لصالح النازية " ورغم العراقيل واصل الكشفيون مهامهم الوطنية بـ :
- توزيع منشورات الأحزاب الوطنية مثل منشورات حزب الشعب ومنشورات حركة أحباب البيان .
- عقد الاجتماعات التكوينية في بيوت المناضلين .
- المشاركة في المظاهرات وأبرزها مشاركة الكشافة في مظاهرات 08ماي1945، وأوّل من أستشهد الكشاف بوزيد شعال حامل الراية الوطنية
- أستخدام مقرات الكشافة كملاجئ للمناضلين المطاردين من طرف الشرطة الفرنسية
4-دورها في الثورة التحريرية
شكلت الكشافة الإسلامية الجزائرية رصيدا هائلا من الرجال المستعدين للقيام بالعمل المسلح إذّ تسابقت العناصر الكشفية إلى الالتحاق بالمجاهدين عند اندلاع الثورة التحريرية ، وأعلنت على حل نفسها استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني فتدعم جيش التحرير الوطني ، بكفاءات شبانية مدربة تتمتع بروح انضباط عالية واخلاص للوطن ووجدت الثورة التحريرية في الكشفيين عناصر واعية مدربة على العمل والنظام ومستعدة للتضحية من أجل الوطن بقناعة تامة .
وساهم قادة الأفواج الكشفية في تدريب جنود جيش التحرير الوطني، كما استفادت الوحدات الصحية لجيش التحرير الوطني بخيرة العناصر الكشفية في مجال التمريض والإسعافات، ومن أبرز القادة الكشفيين الذين شغلوا مناصب قيادية في الثورة ولم يقتصر دور الكشافة أثناء الثورة على الداخل بل تعدّاه إلى خارج الوطن أين تشكلت فرق كشفية جزائرية في كل من تونس والمغرب وشاركت باسم الجزائر في عدة نشاطات كشفية في الرباط، وتونس، و ألمانيا، والصين ، والخلاصة أن الثورة الجزائرية وجدت رصيدا من الرجال في صفوف الكشافة كان لهم شرف الاستشهاد من أجل حرية الجزائر