النظام السياسي و الاداري في الجزائر
1- مقدمة :
احدث انضمام الجزائر الى الدولة العثمانية تحولات كبيرة في النظام السياسي و التقسيم الإداري للقطر الجزائري،املته المستجدات و التحديات الكبيرة للسلطة الجديدة،بالإضافة الى ضرورة تأقلم التتنظيمات السياسية و الإدارية مع الدور الذي ستلعبه الجزائر خلال العهود القادمة خاصة في علاقاتها المتوسطية و تدعيم مكانتها و هيبتها الدولية.
2- النظام الإداري:
كان من نتائج انضمام الجزائر الى الدولة العثمانية، أن قسمت الجزائر إداريا إلى أربعة أقاليم و هي :
دار السلطان : هي أصغر المقاطعات وأكثرها تميزا ، تابعة مباشرة للسلطة المركزية في مدينة الجزائر ، فيها
يقيم الداي وأعضاء حكومته وتشتمل جغرافيا على خمس مدن هي الجزائر ، البليدة ، القليعة ، دلس شرشال
وهي تمتد من دلس شرقا إلى شرشال غربا ومن ساحل البحر شمالا إلى سفوح الأطلس البليدي جنوبا، وتضم إقليمي الساحل ومتيجة مع بعض الامتدادات في بلاد القبائل والتيطري .
بايلك
التيطري : أسس هذا البايليك سنة 947هـ/1548م أسسه حسن باشا وجعل رجب
بايا عليه ، وجعل قاعدته مدينة المدية يحد هذا البايليك من الشمال الأطلس
البليدي ومن الجنوب الأطلس الصحرأوي ومن الغرب الشلف ومن الشرق جبال وفوغة
كان أضعف البايليكات من جميع النواحي فهو أضيقها مجالا ، يفتقر الأراضي
الزراعية الجيدة ، لأن هذا البايليك وجد لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية
أو إدارية كان باي التيطري يقيم في أوائل العهد التركي في المدية تارة ،
وفي برج سبأو تارة آخرى إلى أن استقر نهائيا في المدية ، ، لم يكن باي
التيطري يحكم المدية عاصمته إذ جعلها الأتراك تحت حكم خاص تابع رأسا
للديوان الأكبر في مدينة الجزائر وذلك للحد من نفوذه والتقليل من قوته
نظرا لقربه من مدينة الجزائر وسهولة اتصاله بدار السلطان واطلاعه على ما
يحدث بالديوان عاصمته المدية .
بايلك الشرق : أسس سنة 974هـ/1567 م
كان مركزه قسنطينة كان من أهم البايليكات سواء من حيث عمقه الجنوبي أو
مساحته أو ثرواته ، إذ يملك أحسن أراضي الحبوب وأجود أشجار النخيل ، يمتد
إقليمية من منطقة وادي سوف إلى البحر المتوسط ومن الحدود التونسية إلى وسط
جرجرة (جبال البيبان، سيدي هجرس ، وسيدي عيسى ) لعب هذا البايليك دورا
كبيرا في مراقبة إيالة تونس وساهم في إخضاعها لنفوذ أتراك الجزائرعاصمته
قسنطينة .
بايلك الغرب : أسس
سنة 970هـ/1563م كانت عاصمته مازونة حتى سنة 1710م ثم مدينة معسكر وعندما
استرجعت وهران من الأسبان في سنة 1792م ، صارت هي عاصمة المقاطعة يمتد من
الحدود المغربية إلى الحدود التي تفصله عند دار السلطان وعن البايليك
التيطري ومن السواحل البحر المتوسط إلى نواحي البيض .
ظلت مازونة عاصمة البايليك الغرب إلى نهاية القرن 16 م ، من أشهر البايات الذين أقاموا بها الباي ابن خديجة الذي عينه حسن آغا على الناحية الغربية ، بعد حملته على وهران سنة 1563م ، عمل هذا الباي على إقامة التنظيم الإداري في المنطقة الغربية فكان بذلك الباي الفعلي الأول، ثم الباي السايح الذي حكم 11 سنة والباي محمد بن موسى ، والباي شعبان الزناقي الذي برز في أحدى الحملات على وهران وتوفي فيها ، آخر البايات هو مصطفى أبو الشلاغم الذي نقل مقر البايليك إلى معسكر سنة 1710م وذلك لأسباب عديدة نذكر منها أن معسكر كانت في مكان يربط بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية ، وهي كذلك منيعة بموقعها على منحدرات جبال بني شقران ، ومن جهة أخرى تقع في منطقة زراعية تتمثل في سهل غريس ولكن الأهم من كل هذه العوامل هو أن معسكر اختيرت من اجل محاصرة وهران والقضاء على الوجود الاسباني بها .
وعندما تحررت وهران من الأسبان في بداية القرن 18م ، أمر الداي بإلحاقها ببايليك الغرب إعترافا بجميل الباي مصطفى أبو الشلاغم ، جعلها هذا الأخير مقرا دائما له ، وظل مستقلا بها مدة ربع قرن ، على أن استعادها منه الأسبان سنة 1732م ورغم محاولات الباي هذا استعادتها مرات عديدة انطلاقا من معسكر ، ظل الأسبان سادتها مدة حوالي 60 سنة ، إلى أن استعادها الباي محمد الكبير نهائيا سنة 1792 فنقل إليها مقر البايليك ثانية . عاصمته مازونة ثم انتقلت إلى وهران بعد تحريرها عام 1792م
الأجهزة الإدارية للإيالة الجزائرية
كانت الجزائر تدار بواسطة مجموعة من الأجهزة الإدارية تتمثل في بعض الدواوين الصغيرة منها والكبيرة ، العامة والخاصة ، وكذا بعض المجالس:
ديوان الداي (الديوان الكبير ):
هو الساعد الأيمن لرئيس الدولة لأنه يضم الشخصيات المقربة إليه والتي يعتمد عليها في تنفيذ سياسة الحكومة يضم مجموعة كبيرة من الموظفين والضباط المتقاعدين كان عدد أعضاءه يترواح بين 80 و 300 عضو.
مجلس الشورى : وكان يتألف من أربعة أعضاء وهم :
وكيل الخراج : وهو
المكلف بالشؤون الخارجية مع الدول الأجنبية وعن كل ماله علاقته بالبواخر
والتسليح والذخيرة والتحصينات ومواجهة الخصوم في عرض البحر الأبيض
المتوسط وهو المتصرف في شؤون البلاد المدنية والعسكرية
خوجة الخيل : المعروف
باللغة التركية آت خوجاسي هو المشرف على أملاك الدولة حيث يعتبر المسؤول
الأول عن جمع الضرائب وصيانة أملاك الدولة وإعادة استثمارها والاتصال
بالقبائل عند تعاملها مع الحكومة وهو بمثابة وزير الحربية، وله التصرف في أملاك الدولة
الخز ندار:
وهو بمثابة وزير المالية حيث كان مسؤولا عن خزينة الدولة ، ولا يمكن أن
تفتح الخزينة إلاّ بحضوره لأنه هو الوحيد الذي يحتفظ بمفاتيح الخزينة
العامة
آغا العرب :وهو القائد العام للقوات البرية، هو
قائد الجيش البري بما في ذلك فرق الانكشارية ووحدات الخيالة العرب
والمتطوعون وهل يحتل المرتبة الثانية في سلك الموظفين الساميين من حيث
المعاملة والهدايا التي يحظى بها ، يتلقى أمره من الدّاي مباشرة
مجلس الديوان: وكان يتألف من عدة أعضاء وهم :
الخليفة : وهو نائب رئيس الدولة
الدفتر دار:وهو رئيس ديوان الإنشاء أي كاتب الدولة
الباش سيار : وهو مدير البريد، و السيار هو حامل الرسائل والأوامر ليوصلها إلى أصحابها ،ولم يكن البريد للعامة بل كان لمصالح الدولة فقط .
الـترجمان: مهمته ترجمة الوثائق و المراسلات و حفظها
شاوش كرسي : وهو الواسطة بين الداي وكبار الموظفين في الدولة
بيت مالجي: يشرف على مصلحة الأملاك والثروات التي
تؤول إلى الدولة بعد موت أصحابها أو استبعادهم أو فقدانهم ، فيما إذا انعدم
ورثة شرعيون لهم من إخوة أو أبناء أو أقارب وهو مكلف بمواريث من يموت
وليس له وارث.
الا ان هذه الدواوين فقدت أهميتها وصلاحياتها قبيل 1830 م و أصبحت مجرد شبح لا حول ولا قوة لها كما وصفها القنصل الأمريكي في الجزائر شالر .
3- تطور نظام الحكم الجزائر خلال العصر الحديث:
عرفت الجزائر في العصر الحديث نظام حكم خاص ،مر بعدة مراحل و هي:
أ- مرحلة البايلربايات (1518-1587):
ينظر
إلى هذه المرحلة على أنها أزهى العصور في الجزائر ،حيث ازدهرت البلاد في
هذه الفترة من جميع النواحي التعليمية والاقتصادية والعمرانية وذلك بفضل
التعاون بين فئة رياس البحر في القيادة وأبناء البلاد .
يعتبر خير الدين
أول من حمل لقب بايلرباي في الجزائر، ، كما كان لمهاجري الأندلس دورا
كبيرا في ازدهار البلاد ورقي المدينة ،انعكس على جميع مناحي الحياة في خاصة
صناعة السفن والعمارة التي لازالت شاهدة على تلك الحقبة من الزمن إلى
وقتنا الحاضر . بالإضافة إلى دورهم في الاقتصاد والتجارة ، و أهم ما ميز
هذه المرحلة
تحقيق الوحدة الإقليمية والسياسية للدولة ورسم حدودها
البرية،و تحرير برج الفنار1529من الإسبان، وتحرير بجاية عام1555م،و
المساهمة في إنهاء الوجود الإسباني في تونس 1574م .إضافة الى تأسيس نواة
البحرية الجزائرية والتي سيكون لها الدور الأكبر في التصدي للاعتداءات
الصليبية الاوروربية .
ب - مرحـلة الباشاوات(1587-1659) :
امام
تزايد نفوذ البايلربايات و ماشكله ذلك من خطر على العلاقة بين الدولة
العثمانية و الجزائري،فقد تم تبني نظام حكم مغاير قائم على تقليص نفوذ و
صلاحيات الحكام ،وحددت فترة الحكم لكل باشا بــثلاث سنوات . و قد تميزت هذه
المرحلة بما يلي:
- بروز قوة الرياس (رجال البحرية الجزائرية) إلى درجة
أن الدول الأوربية تخشى الجزائر وتسعى إلى أقامة علاقات صداقة وتعاون معها
و كسب ودها.
ورغم ما حققته الجزائر من مكانة دولية في المتوسط فقد
أصبحت الفاعل الأول فيه ،الا ان بعض مظاهر الفساد دبت في نظام الحكم و
اجهزته ،و كان لزاما اصلاح الوضع و تقويمه.
ج- مرحــلة الآغاوات 1659 - 1671
عاد الحكم في هذه الفترة الى الاغا قائد الجيش البري ، و فيه تقرر ان تكون السلطة التنفيذية بيد الاغا و السلطة التشريعية فتكون بيد الديوان لتحقيق توازن داخل جهاز الحكم ،في الوقت الذي فقدت طائفة رياس البحر لمعانها و أصبحت تلعب دورا ثانويا في إدارة الحكم في الجزائر.
لم تستمر هذه المرحلة أكثر من اثنا عشرة سنة بسبب استفحال الصراعات المحلية بين ضباط الجيش البري وضباط الجيش البحري وتذمر أبناء الشعب من الفساد وعدم الاستقرار وكثرة الاغتيالات في صفوف الآغاوات، في وقت تزايدت فيه الاعتداءات الاوربية من قراصنة فرنسا و الانجليز و الهولنديين، مستغلين حالة لاستقرار في الجزائر لنيل من سيادتها على البحر، و هذا ما استوجب إعادة تصحيح الوضع، و انهاء حالة الصراع بين اجنحة الحكم.
د- مرحـلة الدايات(1671-1830):
استفاد حكام الجزائر من تجارب الحكم السابقة ، وامام التحديات الكبرى للدولة الجزائرية خاصة تزايد حضور القوى المسيحية المعادية في المتوسط ،فقد تم تقوية مركز الحاكم (الداي) من خلال جملة الصلاحيات المخولة له، وتعيينه من بين ثلاثة موظفين سامين في الدولة وهم : الخزناجي و الآغا و خوجة الخيل .
و قد ساهمت هذه الإصلاحات في استقرار نظام الحكم ،و تحقيق مكاسب دولية هامة، فرضت على الجميع الاحترام و التعامل بندية و بكل سيادية .
و استطاعت الجزائر خلال هذه المرحلة تحرير وهران من الاحتلال الاسباني 1792 ،كما شهدت البلاد تطورا عمرانيا و اقتصاديا لافت خاصة على عهد الداي حسن باشا،و بروز شخصية من رياس البحر مثل الرايس حميدو وغيره كثير.
وفي الأخير فإن الجزائر و بعد فترة من التراجع و الانحسار ، استطاعت ان تعيد تأسيس ملامح الدولة الجزائرية ،و تمكنت من صد الاعتداءات الصليبية ، و فرض وجودها كقوة ذات سيادة في المنطقة.