الدولة الموحدية (الجزائر)
الجانب السياسي:
رحل محمد بن تومرت إلى المشرق ودرس على كبار علمائها، وبعد أن أنهى دراسته أثناء الرحلة عاد إلى بلاد المغرب في سنة 510ه/
1116م، ونزل في قسنطينة على الفقيه عبد الرحمن الميلي ثم توجه إلى بجاية ومكث بمسجد الريحانة، ولكنه خشي سطوة الأمير الحمادي العزيز بن المنصور فرحل إلى ملالة وهناك التقى بعبد المؤمن بن علي فأعجب به واصطحبه معه، وتوجها إلى متيجة ثم إلى الونشريس فتلمسان، وكان يعرف في طريقه بالفقيه السوسي، وأخذ يشيع بأنه الإمام المهدي المنتظر، فصار يعرف بالإمام المعصوم، فلما بايعته قبيلة مصمودة في سنة 515ه/1121م تحت شجرة خروب بجبل إيقليز ادعى المهدوية وأنه الإمام المعصوم، وعزم القضاء على دولة المرابطين، واتخذ من تينملل قرب مراكش مركزا لعملياته العسكرية.خاض محمد بن تومرت عدة معارك ضد المرابطين، وتمكن من هزيمتهم، ثم قرر التوجه إلى عاصمة المرابطين مراكش وقام بحصارها، فتصدى له المرابطون وتمكنوا من هزيمته في معركة البحيرة سنة 524ه/1130م ، وتوفي بعدها محمد بن تومرت، فتمت بيعة
عبد المؤمن بن علي الندرومي الكومي الجزائري بالخلافة، وقرر مواصلة حروبه على المرابطين، فخرج في سنة 526ه/ 1132م من تينملل نحو حصن تازاجورت المرابطي وتمكن من اقتحامه، ثم استولى في نفس السنة على درعة، ثم سيطر على الكثير من الحصون المرابطية، وتم إخضاع العديد من مدن المغرب الأقصى.
قرر عبد المؤمن بن علي التوجه بجنوده إلى الغرب الجزائري، ففي سنة 537ه/1142م أرسل قائده أبا حفص عمر بن يحي الهنتاتي على رأس جيش إلى وهران، فحاصرها ولما علم بانفراد الأمير المرابطي تاشفين بن علي عن الحامية فقصدوه وأحاطوا به وأحرقوا بابه فخرج تاشفين بن علي راكبا فتردى به فرسه في البحر فهلك، ثم توجه الموحدون بعد ذلك إلى سهل منداس في وسط بلاد زناتة فدخلوا في طاعتهم، وفرّ ميمون بن حمدون إلى متيجة ومنها كتب إلى عبد المؤمن بالطاعة والولاء، ثم توجهوا إلى تلمسان، وتمكنوا من قتل القائد المرابطي الروبرتير، ودخلها الموحدون في 29 رمضان 539ه/26 مارس1145م، ثم عادوا إلى وهران وتمكنوا من دخولها في صبيحة عيد الفطر من سنة 539ه/مارس1145م، ثم سيطروا على مدينة مليانة في سنة 544ه/1149م، وتمكن عبد المؤمن من اقتحام بجاية عاصمة الحماديين في ذي القعدة من سنة 547ه/فيفري 1152م، واستطاع الموحدون من دخول بونة (عنابة) في سنة 551ه/1156م، وبذلك تم للموحدين خلال مرحلة وجيزة (12 سنة) من السيطرة على بلاد المغرب الأوسط بأكملها، بعد القضاء على الحكم المرابطي في الغرب الجزائري، والحكم الحمادي في الشرق الجزائري.
وكانت الجزائر في العهد الموحدي مقسمة إلى ولايتين كبيرتين. الأولى: ولاية تلمسان التي كانت تمتد من ملوية غربا إلى نهر مينة شرقا، والولاية الثانية: ولاية بجاية التي كانت تمتد إلى قسنطينة، ومن أشهر ولاة تلمسان نذكر سليمان بن محمد بن وانودين الهنتاتي الذي تولى الحكم مع بداية الحكم الموحدي للمدينة، وفي سنة 549ه/1154م تم تعيين أبي حفص عمر بن عبد المؤمن بن علي واليا على تلمسان، ثم من بعده أبي عمران موسى بن عبد المؤمن في سنة 556ه/1161م. وفي سنة 576 ه/1181 م عين يوسف بن عبد المؤمن أبا موسى عيسى بن عبد المؤمن واليا على المدينة.
ومن ولاة بجاية نذكر: أبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن بن علي، ثم في سنة 561ه/1166م تولى حكم بجاية زكريا بن عبد المؤمن بن علي.
كان حكام الدولة الموحدية يتلقبون بالخلفاء، ومنهم من تلقب بالمنصور والناصر، وكان الحكم وراثيا في عقب عبد المؤمن بن علي، وكان للدولة الموحدية جيش ضخم بلغ في بعض الأحيان 400 ألف فارس عدا المشاة، كما اهتم الموحدون ببناء الأسطول، وكان أسطولهم في عهد عبد المؤمن بن علي يتكون من حوالي 400 قطعة بحرية.
وكان لمعركة حصن العقاب التي انتهت بهزيمة قاسية للموحدين في الأندلس على يد النصارى في سنة 609ه/1212م آثار وخيمة على الدولة الموحدية، حيث انفصل بنو حفص واستقلوا بالمغرب الأدنى (ليبيا وتونس والشرق الجزائري) في سنة 626ه/1229م، واتخذوا من مدينة تونس عاصمة لهم ، ثم انفصل بنو زيان بالغرب الجزائري وأسسوا الدولة الزيانية في سنة 633ه/1235م، وعاصمتها تلمسان، كما تمكن المرينيون من القضاء النهائي على دولة الموحدين في سنة 668ه/1269م وتأسيس الدولة المرينية وعاصمتها مدينة فاس.
الحياة الاقتصادية:
ازدهرت الحياة الاقتصادية في عهد دولة الموحدين، وقام الموحدون بتحديد الأراضي الزراعية ونقل المزارعون إليها، وزاد الإنتاج الزراعي، وشهدت البلاد وفرة في المحصولات الزراعية، وقد ساعد على ذلك توفر المياه من أمطار وأنهار ومنها النهر الذي كان يمر بشرق مدينة تلمسان، كما اهتم ولاة بجاية وتلمسان بالزراعة، ولجأ بعضهم إلى منح بعض الأراضي الزراعية للجنود وغيرهم لزراعتها واستصلاحها، واشتهرت تلمسان بكثرة الغلات والمزارع الخصبة، ومن أشهر المحاصيل الزراعية نذكر القمح والشعير، وقوي اتصال الجزائر في العهد الموحدي بالمشرق تجاريا برا وبحرا، ونظمت التجارة الأوروبية مع بلاد المغرب الإسلامي تنظيما دوليا، وكان ببجاية قناصل للدول التجارية لحفظ حقوق رعايا دولتهم، ومن مراسي الجزائر آنذاك نذكر هنين الذي كان مرسى مدينة تلمسان، والمرسى الكبير، ووهران، وأرزيو، ومستغانم، وتنس، وشرشال وجزائر بني مزغنة، وبجاية، وجيجل، وبونة (عنابة)
وكان تجار أوروبا يستوردون من موانئ الجزائر الزيت والصوف والشب، وريش النعام، ومواد الدباغة النباتية، والشمع، والزبيب، وسائر الفواكه الجافة، وكان يصدرون إلى الجزائر الأقمشة، وسائر المعادن قطعا ومصنوعة كالأواني وأدوات منزلية كالمرجل والإبر والسكين
الحياة العلمية:
تبنى الموحدون المذهب الأشعري في الاعتقاد، ونبذوا المذهب المالكي واعتمدوا على نصوص الكتاب والسنة دون التقيد بمذهب معين، وأعلنوا رفضهم ما كان عليه المرابطون من اعتقاد ومذهب، ودان الناس في العهد الموحدي بمذهب الشيعة في قولهم بعصمة الإمام، وانتشر بينهم القول بمهدوية محمد بن تومرت.
ومن أهم حواضر الجزائر في العهد الموحدي نذكر تلمسان التي كانت تضاهي حواضر الإسلام الكبرى آنذاك كالقيروان وفاس وقرطبة، وكانت مركزا كبيرا لطلاب العلم، وخزانا للعلماء والفقهاء، ومن أبرز علمائها نذكر من المفسرين عثمان بن صاحب الصلاة (ت. 582ه/1186م) وهو شارح كتاب الأحكام الصغرى في الحديث، والفقيه ميمون بن جبارة (ت. 584ه/1188م)، والفقيه عبد الله بن محمد الفهري (ت. 644ه/1246م)، وفي المجال الشعري والأدبي نذكر محمد بن عبد الحق اليفرني (ت. 625ه/1227م)، ومحمد بن عبد الرحيم (ت. بعد 654ه/1256م)، كما برزت بجاية كإحدى حواضر الإسلام الكبرى، وكانت محطة كبرى يهاجر إليها العلماء وطلاب العلم من مختلف أصقاع العالم لطلب العلم وللقاء علمائها والتتلمذ على أيديهم، ومن أبرز علمائها نذكر الفقيه عبد الحق الإشبيلي البجائي (ت. 581ه/1185م) وكان فقيها مالكيا حافظا عالما للحديث، وابن دحية السبتي (ت. 633ه/1235م) نزيل بجاية وتلمسان، ومن أشهر مساجد بجاية مسجد أبي زكريا الزواوي وكان موجودا في القرن 6ه/12م، وكان يتردد عليه الكثير من العلماء.
كما كانت للمساجد في العهد الموحدي دورها العلمي والتعليمي، وكانت مراكزا علمية لا تخلو طوال النهار، بل حتى أجزاء من الليل من حلقات الدراسة والتعليم والوعظ، ويذكر أبو زكريا يحي بن علي الشهير بالزواوي أنه ما من ناحية في بجاية إلا فيها مسجد ومعلم. وكان ابن دهاق (ت. 611ه/1215م) يدرس كتاب الطهارة من المدونة بجامع تلمسان.
وانتشرت المدارس في العهد الموحدي، وقاموا باستدعاء أبرز المدرسين للتدريس بها، وكان لها أكبر الأثر في تخريج أجيال كثيرة من العلماء، منهم عبد الله بن نعيم الحضرمي الذي توفي بقسنطينة سنة 636ه/1238م، أحد المشايخ المنتصبين للتدريس والرواية.
ومن الآثار العمرانية في العهد الموحدي نجد تأسيس مدينة البطحاء المعروفة أيضا باسم السدرة في نواحي الشلف بالشمال الشرقي من غليزان في سنة 555ه/1160م، وهي منعدمة اليوم، وقام ولاة تلمسان في العهد الموحدي بتشييد أسوارها واتخاذ الصروح والقصور، وامتاز فن العمارة في العهد الموحدي بالأناقة والضخامة والاتزان الهندسي، وأغلب المهندسيين كان يؤتى بهم من الأندلس
ال
|
الحاكم | فترة حياته | فترة حكمه |
---|---|---|---|
1 | عبد المؤمن بن علي الكومي | 1094 - 1163 | 1133 - 1163 |
2 | أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن | 1138 - 1184 | 1163 - 1184 |
3 | أبو يوسف يعقوب بن يوسف المنصور | 1160 - 1199 | 1184 - 1199 |
4 | محمد الناصر بن يعقوب بن يوسف | .... - 1213 | 1199 - 1213 |
5 | يوسف المستنصر | .... -.... | 1213 - 1224 |
6 | عبد الواحد المخلوع | .... -.... | 1224 - 1224 |
7 | عبد الله العادل | .... -.... | 1224 - 1227 |
8 | يحيى المعتصم | .... -.... | 1227 - 1230 |
9 | إدريس المأمون | .... -.... | 1227 - 1232 |
10 | عبد الواحد الرشيد | .... -.... | 1232 - 1242 |
11 | أبو الحسن السعيد | .... -.... | 1242 - 1248 |
12 | عمر المرتضى | .... -.... | 1248 - 1266 |
13 | إدريس الواثق (أبو دبوس) | .... -.... | 1266 - 1269 |
.