الدولة الزيرية
الجانب السياسي:
تنتسب الدولة الزيرية إلى زيري بن مناد من قبيلة صنهاجة البرنسية من وسط الجزائر حاليا، وقد قام زيري بن مناد زعيم قبيلة صنهاجة وكان من أتباع الفاطميين ببناء مدينة أشير في عهد القائم بأمر الله الفاطمي في سنة 324ه/935م، ولما ثار أبو يزيد الخارجي المدعو صاحب الحمار في سنة 335ه/946م ضد حكم الشيعة الفاطميين (العبيديون)، توجه المنصور الفاطمي إلى مقرة، وطلب من زيري بن مناد الصنهاجي إنجاده في القضاء على ثورة الخارجي أبي يزيد، وتمكن الفاطميون بمعونة زيري بن مناد من القضاء على هذه الثورة، ثم قام المنصور الفاطمي بإكرام زيري بن مناد، وجعله واليا على تيهرت وباغاية والمسيلة وبلاد الزاب والحضنة، واتخذ الزيريون من أشير عاصمة لدولتهم، وسك زيري بن مناد الصنهاجي العملة باسمه.
قرر الفاطميون في عهد المعز لدين الله الرحيل إلى مصر في سنة 361ه/972م، ونظرا لشجاعة زيري بن مناد والدور الذي قام به في نصرة الفاطميين قرروا اختياره كنائب لهم في حكم بلاد المغرب ما عدا إقليم طرابلس وجزيرة صقلية، وتمكن بلكين بن زيري من أن يمد حدود دولته إلى مدينة سبتة غربا، وهاجم الزيريون مدينة فاس ولكنهم لم يتمكنوا من دخولها. وفي عهد المنصور بن بلكين اتفق مع عمه حماد على محاربة قبيلة زناتة، فاشترط عليه حماد مقابل ذلك أن يوليه حكم بلاد المغرب الأوسط، وبعد هزيمة قبيلة زناتة، وفي عهد باديس بن المنصور بن بلكين قام بتعيين عمه حماد واليا على أشير وجميع ولايات الجزائر الشرقية، كما عقد لعمه يطوفت بن بلكين على تيهرت وجميع ولايات الجزائر الغربية، وأصبح كل منهما يحملان لقب نائب الأمير الزيري باديس في هاته المناطق.
وفي عهد المعز بن باديس وبعد عدة معارك مع عمه حماد تقرر عقد الصلح بين الطرفين، وقد أدى ذلك إلى انقسام المملكة الزيرية إلى قسمين: قسم شرقي وعاصمته القيروان، وبعد الزحف الهلالي وهزيمة المعز بن باديس في معركة حيدران في سنة 443ه/1051م انتقلت العاصمة الزيرية إلى المهدية، وبقي أحفاد المعز بن باديس حكاما لهذه الدولة إلى غاية سقوط المهدية بيد النورمان في سنة 543ه/1148م، وأما القسم الغربي من الدولة الزيرية والتي أصبح يطلق عليها اسم الدولة الحمادية فكانت عاصمتها القلعة ثم بجاية إلى أن سقطت بيد الموحدين في سنة 547ه/1152م.
كانت الجزائر في العهد الزيري تتكون من أربع ولايات: ولاية باغاية وتشمل وطن قبيلة كتامة من نواحي قالمة وعنابة إلى سطيف وجيجل، وولاية المسيلة وكانت تشمل مواطن عجيسة ومواطن قبيلة زناتة بالزاب والحضنة، وولاية أشير وتشمل مواطن صنهاجة وما يجاورها من زواوة وزناتة، وولاية تيهرت وتشمل مواطن مغراوة ويفرن وغالب زناتة. ومن أشهر ولاة الجزائر في العهد الزيري نذكر أبو البهار الذي كان واليا على تيهرت في عهد أخيه المنصور بن بلكين، ثم تولى من بعده ولاية تيهرت ابنه أيوب بن أبي البهار، وعقد المنصور بن بلكين لأخيه حماد على ولاية أشير والمسيلة، ثم زاده المعز بن باديس حكم طبنة والزاب وتيهرت.
وكان الحكم في العهد الزيري حكما وراثيا، يتوارثه أحفاد زيري بن مناد الصنهاجي، وكان الزيريون يعتبرون أنفسهم نوابا للدولة الفاطمية إلى عهد المعز بن باديس الذي أعلن في سنة 440ه/1088م بالقيروان عودته إلى المذهب السني المالكي، والتبرؤ من المذهب الشيعي الإسماعيلي، وعلى إثر ذلك بعث إلى الخليفة العباسي القائم بأمر الله يطلب منه عهدا بتوليته على بلاد إفريقية والمغرب، فأرسل له الخليفة العباسي رايات سوداء وخلعا سوداء، وعهدا بالولاية.
الحياة الاقتصادية:
نشطت الحياة الاقتصادية في عهد الدولة الزيرية، واهتم الزيريون بالزراعة التي كانت دعامة الحياة الاقتصادية في تلك الفترة، وقد ساهم تطور تقنيات الري على تطور الزراعة، ومن أهم المحاصيل الزراعية التي عرفتها المنطقة في العهد الزيري نذكر زراعة الحبوب كالقمح والشعير وخاصة بمدينة برشك ومرسى الدجاج ومدينة بونة (عنابة) واشتهرت جزائر بني مزغنة وبونة ومرسى الدجاج والمسيلة بتربية الماشية كالغنم والبقر، وتميزت تنس بإنتاج الفواكه، واهتمت تيهرت بتربية الخيل والبغال والغنم، والبراذين الفراهية، ويكثر عندهم العسل والسمن، وأما مدينة نقاوس فتميزت بإنتاج الفواكه والكروم وزراعة الحبوب، وأما وهران فتميزت بإنتاج الفواكه بمختلف أنواعها، كما اشتهرت الجزائر في العهد الزيري بزراعة القطن وقصب السكر وإنتاج التمور الذي اشتهرت به بسكرة، وأيضا انتاج العنب والتين، كما تميزت جيجل بصيد الأسماك.
وأما عن الصناعة فكانت صناعة استخراج المرجان من بونة ومرسى الخزر (القالة)، واشتهرت بصناعة الأسلحة والأدوات الحربية، كما ازدهرت الجزائر في العهد الزيري في الصناعة النسيجية والحريرية والأكسية الصوفية، وصناعة الجلود، والأواني الفخارية.
وانتشرت الأسواق بالمدن الجزائرية في العهد الزيري وقامت بدور مهم في تنشيط الحركة التجارية فكانت هناك أسواق للبزازين، والجزارين، والزجاجين، وسوق الدجاج، وسوق الغزل، وسوق الغنم والبقر، وأصبحت الجزائر في ذلك الوقت بلدا غنيا، ومركزا تجاريا للشرق والغرب. ونشطت حركة التصدير والاستيراد، فتم تصدير زيت الزيتون من ميناء عنابة وسكيكدة وتيزي وزو إلى بلدان المشرق، ودول أوروبا، وكان يتم جلب الخدم من بلاد السودان، ومن أرض الصقالبة، وكانت الجزائر في العهد الزيري تستورد من بلاد السودان الذهب عبر الطريق التجاري القادم من السودان إلى وارجلان (ورقلة) ثم إلى المسيلة.
الحياة العلمية:
تبنت الدولة الزيرية في عهد المعز بن باديس المذهب السني المالكي، وتم نبذ المذهب الشيعي الإسماعيلي، وانحصر المذهب الإباضي في وادي ميزاب، وقد اهتم الزيريون بالجانب العلمي، وأصبحت تلمسان وتيهرت وأشير والمدية والمسيلة وتيهرت في طليعة الحواضر الإسلامية الكبرى آنذاك، وشهدت مساجد المغرب الأوسط المناظرات الفقهية والكلامية بين علماء السنة والشيعة، والذي أدى في النهاية إلى انتشار المذهب المالكي، كما اهتم حكام الدولة الزيرية بالعلم والعلماء، فالمعز بن باديس اجتمع حول قصره نحو مائة شاعر، ونبغ الحكيم بن عمرون الوهراني، وأبو الحسن بن رشيق المسيلي (ت. 456ه/1064م) الذي كان عالما بالآداب والشعر، ومن كتبه قراضة الذهب في نقد أشعار العرب، والداودي التلمساني، كما برز الشاعر باديس عبد الكريم النهشلي المسيلي (ت. 405ه/1014م)، والذي كان عارفا باللغة والشعر.
واهتم الزيريون بالعمران، فتم إنشاء مدينة أشير، والقلعة، والمدية، ومليانة وغيرها من المدن، وقاموا بتمصير مدينة جزائر بني مزغنة، وكان في الدولة الزيرية من الدور والقصور والحمامات والمساجد ما حمل الكثير من الأعيان والعلماء والأدباء إلى الانتقال إليها
الدولة الزيرية في أقصى اتساعها
العاصمة الأولى للدولة الزيرية أشير