شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

الدولة الحفصية


الجانب السياس:

 تنتسب الدولة الحفصية إلى أبي حفص عمر بن يحي الهنتاتي نسبة إلى هنتاتة إحدى بطون قبيلة مصمودة، وكان أبو حفص أحد العشرة من أصحاب محمد بن تومرت، وكان معظما في عهد عبد المؤمن بن علي الموحدي، وكان يستشيره في أمور الدولة، وأسند لأولاده المناصب والإمارة في الأندلس وإفريقية، وفي سنة 625ه/1228م قام الخليفة الموحدي عبد الله العادل بتعيين أبي زكريا يحي واليا على إفريقية، وفي عهد الخليفة الموحدي المأمون أعلن أبو زكريا يحي انفصاله عن الدولة الموحدية في سنة 627ه/1229م، واتخذ من تونس عاصمة لدولته، ثم اتجه إلى قسنطينة وتمكن من السيطرة عليها كما أنه تمكن من إخضاع بجاية في سنة 628ه/1230م، ومنها توجه إلى جزائر بني مزغنة فخضعت لسلطانه، ثم توجه أبو زكريا الحفصي إلى ناحية الشلف فدخلت في طاعته، و في سنة 639ه/1243م توجه إلى تلمسان وقام بحصارها وأرغم الأمير الزياني يغمراسن على قبول ولائه للسلطان الحفصي، وكان ذلك في سنة 640ه/1244م.

   ويمكن القول أن الجزائر الحفصية كانت تشمل مقاطعتي الجزائر وقسنطينة مع جزء من مقاطعة وهران، وهي تنقسم إلى أربع ولايات: ولاية بونة (عنابة)، ولاية قسنطينة، ولاية الزاب وقاعدته بسكرة، وتارة مقرة من بلاد الحضنة، ويمتد خط الجنوب إلى ما وراء بلاد وارجلان (ورقلة)، وكثيرا ما كان يثور عمال هذه الولايات الجزائرية على الحكومة المركزية ويأخذون البيعة لأنفسهم، ولهذا نرى اختلاف الحدود وتداخلها في عهد الجزائر الحفصية.

  ومن أشهر ولاة الجزائر في العهد الحفصي نذكر بني النعمان من قبيلة هنتاتة المصمودية الذين عينهم السلطان الحفصي أبو زكريا يحي على ولاية قسنطينة في سنة 628ه/1230مـ وبقيت قسنطينة في قرابتهم إلى أن نكبهم السلطان الحفصي المستنصر في سنوات 651-653ه /1253-1255م فتولى ولاية قسنطينة ابن كلداسن من مشيخة الموحدين فأقام بتونس وأناب عنه في حكم الولاية أبو بكر بن موسى بن عيسى المعروف بابن الوزير، وفي سنة 659ه/1261م عين على بجاية أبا هلال عياد بن سعيد الهنتاتي، وفي سنة 669ه/1270م ولى السلطان الحفصي إبراهيم الأول ولده الأكبر عبد العزيز على بجاية، وفي سنة 684ه/1285م قام يحي بن إبراهيم  بالاستيلاء على حكم بجاية واتخذ لنفسه لقب المنتخب لإحياء دين الله، وأعلن انفصاله عن حكم الحفصيين لتونس وبالتالي قسمت المملكة الحفصية إلى قسمين: قسم شرقي عاصمته تونس، وقسم غربي عاصمته بجاية، وولى على قسنطينة علي بن يوسف بن الأمين الهمداني، وتم توحيد المملكتين الحفصيتين في  سنة 709ه/1309م بعد وفاة أبي عصيدة، وبعد تولي أبو البقاء خالد الحكم فتنازل عن الحكم في سنة711ه/1311م، وتم الجمع بين المملكتين الشرقية والغربية. وخضعت الدولة الحفصية للحكم المريني في سنة 748ه/1347م، ودخل المرينيون قسنطينة في  سنة 749ه/1348م  ولكن الحكم المريني لم يستمر سوى سنتان ونصف، ثم خضعت تونس للحكم المريني مرة أخرى فدخل السلطان المريني أبو عنان بجاية وقسنطينة في سنة 758ه/1357م  ثم دخل تونس، وتمكن السلطان الحفصي أبو إسحاق من استعادة الحكم في تونس في نفس السنة، وفي سنة 761ه/1360م توجه السلطان الحفصي أبو إسحاق إلى بجاية وانتزعها من حكم بني مرين.

  ومع بداية القرن 10ه/16م تعرض الشرق الجزائري للاحتلال الإسباني فتم احتلال بجاية وعنابة في سنة 916ه/1510م، ثم تم احتلال ليبيا في سنة 917ه/1510م، ثم تونس في سنة 942ه/1535م، إلى أن تمكن العثمانيون من تحرير الجزائر الحفصية بالإضافة إلى تونس وليبيا. وكان أخر السلاطين الحفصيين هو محمد بن الحسن الذي في عهده سقطت الدولة الحفصية على يد العثمانيين في سنة 981ه/1573م، بعدما حكمت إفريقية حوالي 354 عاما منها 315 سنة بالشرق الجزائري، وأصبحت كلها ولايات عثمانية.

 الحياة الاقتصادية: 

  اعتنى الحفصيون بالزراعة، واشتهرت قسنطينة والمسيلة وطبنة بإنتاج القمح، وكان أهالي سكيكدة يدفعون للجنويين القمح مقابل أخذ الأقمشة، واشتهرت جيجل بإنتاج الشعير، وكان يتم حصاد هذه الحبوب في شهر ماي بواسطة منجل مسنن حيث تقطع السنابل الطويلة بعد ترك كمية من التبن لرعي الماشية ثم تدرس بواسطة حوافر الدواب، وكانت تتبع هذه الطريقة في قسنطينة، وأما في تبسة فقد كانت تستعمل دراسة مجرورة بأحد الحيوانات ومجهزة بأحجار قاطعة وشفرات حديدية تعرف باسم الجاروشة. وكانت تخزن الحبوب في مطمورات في منطقة الأوراس، بينما كانت تخزن في منطقة قسنطينة في القصور ذات الغرف.

   وأما الصناعة فقد ازدهرت فيها صناعة النسيج مثل الأغطية المقلمة (الحنبلي) في عنابة، واشتهرت ميلة بصنع أغطية الأسرة، وأما مدينة القل فبرزت في صناعة الجلود التي كانت تتوفر بكميات كبيرة حتى أنها كانت تصدر إلى الخارج، والباقي يزود به صناع الأحذية والسراجين الذي يصنعون الجزم للجنود والضباط، وتستخدم أيضا في تجليد الكتب، وتتم تهيئة الجلود وإعدادها في أـسواق السراجين، وأسواق الخرازين، واشتهرت عنابة وبجاية باستخراج معدن الحديد والرصاص.

   وشهدت التجارة ازدهارا عظيما في العهد الحفصي، حيث أوجدت العديد من الأسواق كسوق الشماعين، وسوق العطارين، وسوق النحاسين، وسوق الجزارين، وسوق اللبانين، وسوق السمك، وكانت الأسواق التجارية على نوعين يومية مثل التي ذكرناها، وأسواق أسبوعية وهي متوفرة في المدينة والبادية بكثرة، ومنها سوق الجمعة الذي كان يقام خارج أسوار عنابة يبيع فيه التجار منتوجاتهم من الزبدة والحبوب، وسوق الإثنين الذي كان يقام في جبال قسنطينة، وكان يقصده عدد كبير من تجار القالة وقسنطينة، وسوق الخميس والإثنين ببجاية.

   وكانت التجارة على نوعين داخلية وخارجية، فالتجارة الداخلية كانت تتم بين المدن التابعة للدولة الحفصية فكانت تونس تستورد القمح من عنابة، وكان يتم التبادل التجاري بين تقرت وقسنطينة، وبين الجريد والقيروان.

  وأما عن التجارة الخارجية فكانت مدينة وارجلان (ورقلة) تشكل مركزا تجاريا هاما بين بلاد المغرب وبلاد السودان حيث يقوم التجار بنقل منتوجات بلاد المغرب إلى وارجلان ويستبدلونها بما يأتي به التجار من بلاد السودان، كما تعتبر مدينة ميزاب رأس خط تجاري يلتقي به تجار الجزائر وبجاية بتجار بلاد السودان، وكانت بيزة تستورد من بجاية اللوز والزبيب والجلود، ثم تقوم بتصديره إلى جنوة والبندقية ومارسيليا.

الحياة العلمية:

  اهتم السلاطين الحفصيون بالحياة العلمية، وساهموا في بناء المساجد والجوامع والكتاتيب، وشجعوا التأليف وجمعوا أصناف الكتب، وبرزت عنايتهم بالعلم والأدب، وكان السلطان الحفصي أبو العباس أحمد (772-796ه/1370-1393م) يحضر حلقات العلم بالمساجد، وكان معظم كتابه من الفقهاء والأدباء وفحول الشعراء، وكان أغلبهم قسنطينيون وبجائيون، ومنهم الشيخ إبراهيم بن أبي محمد بن كماد القسنطيني الذي عاش في القرن 8ه/14م، والكاتب أبو علي حسن بن أبي الفضل القسنطيني (ت. 756ه/355م).

   ومن أبرز علماء وفقهاء الجزائر في العهد الحفصي نذكر أيضا يحي بن عبد المعطي (ت. 628ه/1231م) من قبيلة آفراوسن بزواوة، وكان مبرزا في علوم العربية شاعرا كثير الحفظ، وكان من جملة محفوظاته كتاب الصحاح للجوهري، ومن تآليفه كتاب العقود والقوانين في النحو ونظم الجمهرة لابن دريد. وبرزت أسرة الحسن الفقون القسنطيني الذي توارث أفراد عائلته عنه العلم لمدة تزيد عن سبعة قرون، وبرز أيضا أحمد الخلوف القسنطيني (ت. 899ه/1493م) وكان يجمع بين النثر والشعر حتى لقب بذي الصناعتين، وابن أبي تميم البجائي (ت. 684ه/285م) وهو من فحول شعراء الدولة الحفصية، واشتهر بالقصائد المطولة، وأبو القاسم القالي من مدينة القالة وكان أديبا وشاعرا وكان من شعراء البلاط الحفصي وتولى الكتابة بديوان الإنشاء، وابن قنفد القسنطيني (ت. 810ه/1407م) الذي اشتهر بمؤلفاته المتنوعة ومنها الإبراهيمية في مبادئ اللغة العربية، وهداية السالك في بيان ألفية مالك، كما ألف أبو عبد الله محمد القلعي من قلعة بني حماد (ت. 673ه/1274م) كتابا في النحو  سماه الموضح في علم النحو. وبرز المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون (ت. 808ه/1405م الذي ولد في تونس، ورحل إلى بجاية ثم إلى بسكرة حيث تزوج هناك، وألف مقدمته 

الشهيرة بفرندة، وله عدة مؤلفات منها كتابه العبر، وألف في علم الحساب، ويعد ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع.

عملة الحفصيين ببجاية مكتوب عليها بالخط الكوفي

 

الدويلات المستقلة عن دولة الموحدين

 

خريطة تمثل دويلات بلاد المغرب بعد سقوط دولة الموحدين