الدولة المرابطية بالجزائر
الجانب السياسي:
تنتمي دولة المرابطين إلى قبيلة لمتونة إحدى بطون قبائل صنهاجة الجنوب، واشتهرت أيضا باسم دولة الملثمين لاتخاذ قومها اللثام شعارا يمتازون به عن غيرهم، وكان مستقر هذه القبيلة بأعماق الصحراء، وبعدها ظهر عبد الله بن ياسين الجزولي الذي جاء به الأمير يحي بن إبراهيم الجدالي وأسس رباطه بوادي النيجر -السنغال- فلازمه منهم جماعة عرفوا فيما بعد بالمرابطين، وعلى أيديهم تم تأسيس هذه الدولة في سنة 434 ه/1042 م، وتوجهت جموع المرابطين في سنة 447 ه/1055م إلى بلاد درعة وانتهت المعركة بهزيمة قبيلة مغرواة، وبعدها دخل المرابطون إلى سجلماسة، وفي سنة 448 ه/1056م توفي الأمير يحي بن عمر اللمتوني فخلفه أخوه أبو بكر بن عمر، وسار المرابطون صوب بلاد السوس، وتم اختيار يوسف بن تاشفين لقيادة الجيش المرابطي، وتمكن هذا الأخير من الاستيلاء على بلاد جزولة وبلدة ماسة وتارودنت عاصمة بلاد السوس، ثم عبروا جبال درن واستولوا على بلاد وردة وشفشاوة ونفيس، وتمكنوا من دخول أغمات في 449 ه/ 1057 م، ثم دخلوا تادلا، وتم القضاء على مملكة برغواطة، وتمكن يوسف بن تاشفين من التوجه بجيوشه شمالا وقام ببناء مدينة مراكش في سنة 454ه/ 1062م، وجعلها عاصمة لدولته الجديدة، وفي سنة 462 ه/1069 م تمكن من السيطرة على مدينة فاس، ومن سنة 465ه/1072 م إلى سنة 470 ه/1077 م تمكن من السيطرة على ملوية وطنجة.
وبعدها قرر يوسف بن تاشفين التوجه إلى بلاد الجزائر للاستيلاء عليها، فتحرك جيش المرابطين بقيادة مزدلي بن بكلان اللمتوني في نحو عشرين ألف مقاتل صوب تلمسان لكنه لم يتمكن من السيطرة عليها، وبعدها توجه يوسف بن تاشفين بنفسه في سنة 474 ه/1081م وافتتح عدة أماكن، وتمكن من دخول تلمسان وقضى على أمرائها من بني خزر أو يفرن، واختط بها مدينته المشهورة تاكرارت تلمسان اليوم، واتخذها قاعدة لمعسكره، ومنها توجه إلى وهران وتنس وجبال الونشريس والشلف وقضى على الممالك الزناتية، ودخل متيجة موغلا حتى وصل إلى أسوار مدينة جزائر بني مزغنة، وعاد إلى مراكش فدخلها في سنة 475 ه/ 1082م، وأصبح الجزء الغربي من الجزائر ولاية مرابطية.
وكانت الدولة المرابطية تتبنى المذهب السني على مذهب الإمام مالك، وكان أمير المرابطين يلقب بأمير المسلمين، وقد أعلن ولاءه للخلافة العباسية ببغداد.
ومن أبرز ولاة الجزائر في العهد المرابطي نذكر محمد بن تينعمر الذي ولاه يوسف بن تاشفين على تلمسان في سنة 475 ه/1082 م، وتولى من بعده أخوه تاشفين بن تينعمر الذي خرج لحصار مدينة جزائر بني مزغنة فدخلها بعد قتال عنيف، وتمكن من دخول مدينة أشير، ووقعت بينه وبين ملوك بني حماد فتنة أدت إلى عزله عن منصبه في سنة 498 ه/ 1103م، فتولى من بعده القائد مزدلي، ثم محمد المدعو الشيور فبقي بها إلى سقطت بيد الموحدين.
استمر الغرب الجزائري تحت حكم المرابطين إلى أن ظهرت دولة الموحدين بأقصى بلاد السوس من المغرب الأقصى، فبعد أن سيطروا على أماكن كثيرة من بلاد المغرب الأقصى قرروا التوجه إلى الغرب الجزائري، وتمكنوا من دخول تلمسان في يوم 29 رمضان 539ه/26 مارس 1145م، وانتهى حكم المرابطين بالغرب الجزائري الذي استمر مدة 67 عاما.
الحياة الاقتصادية:
اهتم المرابطون بالزراعة، وساعدهم على ذلك خبرتهم بالأرض واستنباتهم الأنواع الجديدة من الفواكه والحبوب والبقول وبفضل جهود علمائها تطورت الزراعة، وعرفت طرقا عديدة لمعالجة أمراض النباتات والقضاء على آفاتها، واشتهرت تلمسان بكثرة قنواتها التي كانت تستمد من الوادي، وكانت تلك القنوات تتشعب لتروي المزارع والبساتين، وكان نظام الري بتلمسان منظم تنظيما دقيقا حيث كان المزارعون يتعاونون فيما بينهم لسقاية أراضيهم الزراعية، واشتهرت تلمسان بمراعيها وبجودة خيولها حيث كانت تسمى الخيل الراشدية، وقد ازدهرت الصناعات الحربية، ومنها صناعة قتب الجمال وصناعة السروج واللجام التي اشتهرت بها مدينة نول التي قامت مقامها مدينة تندوف الحالية. وفي ميدان التجارة فقد كانت تلمسان مركزا تجاريا وإحدى الطرق التجارية الذي كان يتجه أحد فرعيه نحو فاس ثم إلى سجلماسة ويمر بأودغشت ليصل إلى بلاد السودان الغربي، وهناك طريق آخر يتجه من تلمسان نحو وجدة ثم إلى فاس، ويتجه غربا نحو مكناسة إلى أغمات ثم إلى أودغشت وصولا إلى بلاد السودان الغربي، ولأهمية تلمسان في تسويق السلع فقد استطاعت أن تتحكم في تجارة المغرب الأقصى من السودان إلى إفريقية وحوض البحر المتوسط والمشرق الإسلامي، وقد ساهم ميناء تنس في تنشيط التجارة الخارجية إذ كانت مرسى للسفن التي تحمل المنتجات الزراعية مثل القمح والشعير وسائر أصناف الحبوب إلى كل الآفاق، وكان ميناء هنين من المرافئ الهامة لتصدير منتجات تلمسان والمناطق المحيطة بها.
الحياة العلمية:
ازدهرت الحياة العلمية في الغرب الجزائري في عهد دولة المرابطين، وذلك لعناية الأمراء المرابطين بالعلم والعلماء، فكان للفقهاء والعلماء مكانة كبيرة في البلاط المرابطي، ومن أشهر علماء الجزائر في العهد المرابطي نذكر الحسن بن علي التاهرتي (ت. 501ه/1108م)، وكان من علماء اللغة والنحو، وقد تتلمذ على يديه القاضي عياض وذكره في فهرسته، وأيضا يوسف الورجلاني (ت. 570ه/1174م) من مدينة وارجلان (ورقلة) وهو من كبار علماء الجزائر في العهد المرابطي، وله تآليف كثيرة منها تفسير القرآن الذي يقع في سبعين جزءا، وله كتاب في التاريخ يسمى فتوح المغرب، واشتهر أبو عبد الله محمد بن سحنون الندرومي الكومي من تلمسان في ميدان الطب، والطبيب النطاسي عبد الله بن يونس الوهراني.
واهتم المرابطون ببناء المساجد، ومنها الجامع الأعظم بمدينة الجزائر الذي بني في سنة 497 ه/1104 م، ويشبهه في بنائه جامع تلمسان الذي بناه علي بن يوسف بن تاشفين بتكرارت بتلمسان في سنة 530ه/1136 م، وكان يضاهي جامع القيروان، وأصبح كأحد مراكز العلم والثقافة في بلاد المغرب خلال القرون المتعاقبة، وأيضا من المساجد المرابطية، الجامع الكبير بندرومة الذي أنشأه يوسف بن تاشفين.
الجامع الكبير بالجزائر العاصمة