الدولة الحمادية (الجزائر)
الجانب السياسي:
تعد الدولة الحمادية الدولة الثانية التي تأسست بالجزائر خلال العصر الإسلامي، وكان بداية ظهور هذه الدولة منذ أن تولى حماد بن بلكين حكم الجزائر الشرقية من قبل الأمير الزيري باديس بن بلكين، وأقطعه أشير ونواحيها، ومنحه لقب نائب الأمير بتلك النواحي، وقد أظهر حماد قدرة عظيمة في ميدان السياسة والبطولة الحربية، وتمكن من القضاء على عدة ثورات ضد الدولة الزيرية، فأنشأ القلعة في سنة 398ه/1007م، وأعلن بعدها انفصاله عن الدولة الزيرية في سنة 405ه/1014م، وتم نقض البيعة للفاطميين وإعلان الولاء للخلافة العباسية ببغداد، وكان مقر حكم حماد بالقلعة تارة وبأشير تارة أخرى، ويغلب عليه المكث بالقلعة، وأصبح مقر حكم بني حماد في عهد أحد أحفاده وهو الناصر بن علناس هو بجاية، وكان ذلك في سنة 460ه/1068م، وكان نظام الحكم ملكي، وكان يتلقب حكام بني حماد بالأمراء أو الملوك، وكانت حدود الدولة الحمادية تمتد لتشمل قلعة بني حماد والمسيلة وطبنة وبلاد الزاب، وبلاد الزواوة وتيهرت ومرسى الدجاج وبلزمة، وفي عهد الأمير الحمادي بلكين بن محمد خضعت مدينة فاس للحكم الحمادي، وفي عهد الأمير الحمادي الناصر بن علناس دخلت القبائل الهلالية إلى الجزائر، وتم تأسيس بجاية وضم إليه كل من مليانة ونقاوس وقسنطينة وجزائر بني مزغنة وصفاقس وقسطيلة وتونس والقيروان.
الجانب الاقتصادي:
نشطت الحياة الاقتصادية في عهد الدولة الحمادية، ففي الجانب الزراعي تم إحياء الأراضي الموات، وغرست الأشجار، واهتم الحماديون بزراعة الحبوب خصوصا القمح والشعير، وخاصة في نواحي قسنطينة وقلعة بني حماد، وجيجل وبجاية وطبنة وبونة ومتيجة وشرشال وسطيف وغيرها من المناطق، كما اهتموا بزراعة الكروم بنواحي طولقة ونقاوس وجيجل والقل، واشتهرت بسكرة وطولقة بالزيتون، وأما الفواكه فمن أهمها نذكر التمور والتين واللوز والتفاح والجوز.
واهتم الحماديون بتربية الحيوانات كالبقر الذي تركزت تربيته في جيجل والجزائر وتيهرت وبونة، ودلس، وأما الغنم بالمسيلة وطبنة والجزائر وتيهرت، والخيل بتيهرت والمسيلة وطبنة، واهتم بنو حماد بصيد الأسماك والمرجان.
وأما الصناعة ففقد تم استخراج المعادن بمختلف أنواعها، فنجد الحديد ببونة ومجانة وبجاية، والفضة والرصاص والأثمد بمجانة، والنحاس بجيجل، وإلى جانب هذه المعادن نجد الملح الذي كان يستخرج من بسكرة.
وتعددت الصنائع من نجارة وحياكة وصوف وقطن وحرير، وحدادة، وأما صناعة السفن فكانت موجودة ببونة وبجاية ومرسى الخزر، وأما عن صناعة النسيج فقد اشتهرت بجاية بصناعة العمائم.
وأما عن التجارة فمن أهم مراكزها نذكر بجاية وقلعة بني حماد وقسنطينة وتيهرت والمسيلة والجزائر، ومن أهم المراسي التي كانت موجودة بين بجاية وبونة نذكر مرسى الخروبة ومرسى رأس الحمراء ومرسى القل وجيجل، وأما المراسي التي كانت موجودة بين بجاية وتنس نذكر دلس ومرسى الدجاج والجزائر وشرشال وبرشك وتنس.
وكان الحماديون يتاجرون مع الزيريين فيبيعون لهم الخشب ويصدرون المرجان إلى الدولة الفاطمية، وكانت لهم علاقات تجارية مع العراق والحجاز والشام واليمن والهند والصين، ومع المرابطين، وكانت البضائع تمر إلى السودان عن طريق وارجلان (ورقلة)، فكان أهل وارجلان يذهبون بالتمور ويرجعون بالذهب.
الحياة العلمية:
اهتم الحماديون بالعلم والعلماء، فظهر بالجزائر الحمادية العلماء كأبي بكر بن الحسين الميورقي وأبي القاسم البسكري وأبي محمد الأشيري، ومن الشعراء كابن رشيق وابن حمديس وعبد الحق البجائي، والأطباء كابن علي بن الطبيب وابن أبي المليح، وعُرِفَ عن بجاية أنها “عاصمة الرياضيات” وذلك بفضل احتضانها لمعهد سيدي التواتي الذي كان بمثابة جامعة ، ولم تُستثنَ الإناث من فرصة الدراسة فيه، ومنه أخذ الأوروبيون الأرقام العربية والجبر والمقابلة وهندسة الإغريقي إقليدس. ، وكان لعلوم الشريعة المنزلة الأولى ثم تليها علوم العربية، وكانت اللغة العربية هي اللسان الرسمي للدولة ثم جاء العرب الهلاليون فقاموا بتعريب بلاد المغرب. وكانت المساجد والمعاهد العلمية حافلة بدروس العلم والمجالس العلمية، وكان المذهب السني المالكي هو المذهب الرسمي للدولة الحمادية، وأصبحت بجاية مركزا حضاريا يأوي إليه الكثير من علماء المشرق أو المغرب، ومنم ابن حمديس الصقلي من الأدباء، وأبي الفضل بن النحوي التوزري، حتى أن أهل بيزا الإيطالية نزلوا إلى بجاية وتعلموا منهم صنع الشمع، ولا يزال مسمى الشمع عندهم بوجي (Bougie) وهو اسم الإفرنجي لمدينة بجاية .
وعرف علماء الدولة الحمادية يومئذ منزلة الاختصاص في العلم فكانوا يجتهدون في التخصص في العلوم والتبريز فيها، وبلغ عدد المفتين في بجاية في زمن واحد تسعون مفتيا
منظر عام لجامع قلعة بني حما
مئذنة جامع قلعة بني حماد
حدود دولة بني حماد