الجزائر خلال العهد الفينيقي
كان أجداد الفينيقيين حتى الألف الثالثة قبل الميلاد يسكنون جنوب غرب فلسطين، وكانوا عدة قبائل تتكلم لغة سامية، وفي الألف الثالثة قبل الميلاد بدأ تقدمهم نحو الشمال على طول شاطىء البحر الأبيض المتوسط، وقد بنت هذه القبائل على الساحل السوري أولى مساكنها التي تحولت إلى مدن أوغاريت، جبيل ، صيدون، وصور، وكانت هذه الأماكن في البداية قرى صيادين لكنها سرعان ما تحولت إلى مدن وصارت مراكز للمناطق التي استقر فيها المهاجرون. عاشت هذه المدن التي شكلت نواة لدول صغيرة مستقلة، كل منها لها حياتها السياسية وقد برزت في التاريخ أربع ممالك وهي: أوغاريت، جبيل، صيدون، صور، حتى غزا "تحوتمس الثالث" فلسطين وسوريا .
تطور النشاط البحري الفينيقي بفعل الموقع الجغرافي لكل هذه الممالك التي عاش سكانها على الصيد وركوب البحر مستعملين مراكب خفيفة ذات مجاديف. وأمام اشتداد المنافسة التجارية الإغريقية فضل الفنيقيون نقل مناطق نفوذهم التّجاري إلى الحوض الغربي للبحر الابيض المتوسط، فمنذ الألف الثالثة قبل الميلاد كان الفينيقيون يبحرون حتى مصر وبحر إيجة، وقد وصلوا بداية من الألف الثانية قبل الميلاد غربا إلى نوميديا وشبه الجزيرة الإيبيرية، وكان بحارة مدينة صور أول من وصل مضيق جبل طارق .
عمل الفينيقيون أثناء رحلاتهم البحرية على تأسيس مراكز تجارية في حوض البحر الأبيض المتوسط الغربي إذ يمتد العصر الفينيقي في بلاد المغرب من نهاية الألف التاسع قبل الميلاد وحتى منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وقد تميز بالنشاط التجاري الواسع في مناطق الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، وبارتباطه الوثيق بمدينه صور، وظل هذا الارتباط واضحا في كثير من المجالات حتى بعد استقلال المراكز الفينيقية في المغرب بقيام دولة قرطاجة عام 814 ق.م على الساحل التونسي، والتي امتد نفوذها بعد ذلك ليشمل السواحل الجزائرية حيث عمل القرطاجيون على تأسيس مراكز تجارية على طول سواحل الجزائر ومناطقها الداخلية، وأشهرها مدينة هيبون (عنابة )، روسيكادا (سكيكدة)، شولو(القل)، ايجيجلي(جيجل)، صلداي (بجاية)، اكوزيوم (الجزائر) ،تيبازا(تيبازا)، يول (شرشال)، كاترينا (تنس)، روسيبيكاري(مرسى الحجاج).
ولم يقتصر الوجود الفينيقي على شريط السواحل الجزائرية بل تجاوزها إلى المناطق الداخلية، وإن كان هذا التجاوز لم يشمل إلا المناطق الشرقية من الجزائر حيث كانت نوميديا الشرقية تحت حمايتهم، ومن مدن هذا القسم: تغاست( سوق أهراس)، مدوروس(مداوروش)، تيفست(تبسة).
وبلغت حماية قرطاجة في الشمال الشرقي لنوميديا إلى رأس بوقرعون بناحية القل وجهة ميلة، ومن المؤكد أن قرطاجة لم تدخل مدينة تبسة بالجنوب الشرقي النوميدي إلا سنة 250 ق.م، ولم تبق بها إلا خمسين سنة.
اصبحت المدن الجزائرية الخاضعة للحكم القرطاجي يحكمها قضاة خاصين يعينون من قبل قرطاجة واحتفظت هي بالسيطرة المباشرة على المستعمرات. ومع بداية القرن الخامس قبل الميلاد أضحت مدينة قرطاج أهم مركز تجاري في منطقة الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط فأصبحت تسيطر على الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط الغربي، وبصفة خاصة سواحل شمال افريقيا وجزرها، أثارت القوة البحرية الهائلة التي كانت تتمتع بها قرطاجة حفيظة روما الأمر الذي دفع الطرفان إلى توقيع معاهدة سلام سنة 509 قبل الميلاد وتنص هذه المعاهدة على تقاسم النفوذ السياسي والأنشطة التجارية في هذه المنطقة.
إن تاريخ زوال السيادة القرطاجية عن نوميديا الشرقية ما يزال غير معروف بالضبط، إلا أنه من المتعارف عليه أن مدينة مدوروس كانت في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد تحت سيطرة صيفاقس، ومنذ عام 149 قبل الميلاد فقدت قرطاجة سيادتها على نوميديا وكل السواحل الجزائرية، ودخلت المدن القرطاجية تحت سيادة ملوك البربر واحتفظت بأسمائها الفينيقية إلى غاية خرابها.
الموقع الأثري تيديس قرب قسنطينة
صورة لسفينة تجارية فينيقية نحتت على تابوت يرجع الى القرن الثاني قبل الميلاد