الجزائر أثناء الاحتلال الروماني
تأسيس روما: اتفق المؤرخون على صحة الرواية التي تعيد أصول الرومان إلى
سكان مدينة طراودة الإغريقية، والتي اعتبرت أسطورة ولم يتبناها المؤرخون
إلا بعد الاكتشافات الأثرية التي تمت في النصف الثاني من القرن العشرين ،
ومفادها أن القائد الروماني " إينياس " هرب من طراودة في القرن الثاني عشر
قبل الميلاد على رأس مجموعه من الموالين له من الجند والأهالي واستقروا في
سهل" لايتوم" في حوض نهر "التيبر"، والحقيقة أن العلاقة التي كانت تربط "
إينياس "مع صحبه من جهة، وسكان سهل "لايتوم" الذين يعود اليهم الفضل في
تأسيس روما من جهة أخرى غير واضحة ، وأنه من الصعب الفصل بين هاتين
المجموعتين البشريتين. عمد المستوطنون اللاتينيون إلى تثبيت حياتهم
السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقاموا باستصلاح الأراضي المجاورة لهم،
وبدءوا بإنشاء أنماط سياسية بدائية من الحكم والتنظيم. استمر هذا الوضع حتى
أواسط القرن الثامن قبل الميلاد تقريبا وفي هذه الفترة بالذات حصل الحدث
التاريخي المتمثل بتأسيس قرية صغيرة على يد الزعيم اللاتيني " رومولوس" على
تلة "بالاتين" في حوالي العام 754 ق م، وكان الهدف منها تركيز السلطة
السياسية والاقتصادية وإدارة شؤون المستوطنين اللاتينيين المقيمين إلى
جوارها، وقد أطلق على هذه القرية اسم "روما" نسبة إلى مؤسسها "رومولوس".
وعقب تأسيس القرية أعلن "رومولوس" نفسه كأول ملك على روما والمناطق المحيطة
بها، وأسس بذلك سلالة من الملوك الذين بلغ عددهم سبعة وحكموا روما حتى
إعلان الجمهورية في العام 509 ق م . ـــــ التوسع الروماني في شمال
إفريقيا: ونتيجة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي
عرفتها روما. دخلت الدولة الرومانية المرحلة الجديدة والحاسمة من تاريخها
وهي مرحلة الإمبراطورية بعد أن أصبح "أوكتافيان " أول إمبراطور على روما
واستمر حكمه حوالي 40 عاما تم خلالها بسط السيطرة الرومانية على مصر وأطلق
على هذا الإمبراطور "أغسطس"، وفي عام 23 ق. م عينه مجلس الشيوخ في منصب
الحاكم العام للإمبراطورية وحمل منذ ذلك الحين لقب "أغسطس قيصر". واتسعت
حدود الإمبراطورية الرومانية في عهد أغسطس بشكل لم يسبق له مثيل وأصبحت
تسيطر على المناطق الممتدة من سواحل فرنسا وإسبانيا وشمال إفريقيا حتى واد
النيل وبادية الشام، ومن أرمينيا حتى حدود جبال القوقاز وشبه جزيرة القرم
وسواحل البحر الأسود الشمالية.كما سيطرت على بعض المناطق الأوروبية
الشمالية ومناطق اللومباردييين والساكسونيين بداخل ألمانيا. ظهر الرومان
على مسرح الأحداث عندما أنهوا توسعهم في شبه جزيرة إيطاليا وأخضعوا كل
سكانها إلى قوة مدينة روما، بعد ذلك مدوا نظرهم خارج إيطاليا فوجدوا
الإغريق والقرطاجيين، فأبرموا عدة اتفاقيات مع القوة القرطاجية لتحديد نفوذ
الطرفين، ثم تحالف الطرفان من أجل القضاء على النفوذ الإغريقي في صقلية،
وفعلا تم ذلك، ولكن هذه المرة وجدت القوتان "القرطاجية" والرومانية في
مواجهة لامناص منها ولا مهرب. دخلت إفريقيا تحت الهيمنة الرومانية منذ عام
146 ق.م ، واستغرق هذا الاحتلال فترة تعتبر أطول من كل المقاطعات الأخرى.
وانتهى في العشرية الثانية من القرن الثالث بعد الميلاد أي في عهد الأسرة
السيفيرية. غطى الاحتلال الروماني في أقصى توسعه مساحة تقارب الـثلاث مائة
وخمسون ألف كم2 غير أن هذه الأخيرة تناقصت في عهد الإمبراطورية المتأخرة.
ومن جهة أخرى نجد أن تلك المساحة لم تكن متوازنة في الولايات الإفريقية،
واختلفت ما بين الشرق والغرب حيث كانت تتناقص كلما اتجهنا نحو الغرب. وعرفت
منطقة الشرق الجزائري من الساحل إلى مشارف الصحراء الاحتلال الروماني، ثم
بدأ خط الليمس في الانحراف شمالا كلما تقدمنا غربا مقتربا من الساحل إلى أن
يصل عرض المنطقة المحتلة في نواحي تلمسان إلى حوالي 60 كم. وقد امتدت
عملية الإلحاق السياسي والإداري والاقتصادي على مدى قرنين في مناطق من
موريطانيا القيصرية في جبال الونشريس وفرندة وسعيدة وبني شقران ،كما اختلفت
شدتها من ولاية إلى أخرى. هذا، وقد حرص الرومان، على فصل الولاية
الرومانية الفتية عن باقي إفريقيا، بخندق يمتد من طبرقة على الساحل
المتوسطي إلى خليج قابس، وقد عرف بالخندق الملكي. وقد سميت بالمقاطعة
الإفريقية، وكانت عاصمتها الأولى هي مدينة أوتيكا، التي تعتبر أهم مدينة في
البلاد بعد اندثار مدينة قرطاجة. لقد قامت سياسة الاحتلال الروماني تلك،
في شمال ولاية إفريقيا، على فرض السيادة الرومانية على الأرض وسكانها
المحليين، ثم تهيئتها، ببناء المستعمرات واستغلالها في الاقتصاد الذي كان
قائما على الزراعة بشكل كبير في تلك الفترة. ويلاحظ أن أراضي واديي مجردة
ومليان، وأعالي التل التي استولى عليها الإمبراطور أغسطس وحكومة الأثرياء
من أرستقراطيي مجلس الشيوخ، لم تعد كافية لتلبية حاجيات المهاجرين الذين
زاد عددهم بتشجيع من الإمبراطور. لذا وجب على الإدارة الرومانية في ولاية
إفريقيا البروقنصلية وعلى رأسها الإمبراطور أغسطس البحث على مزيد من
الأراضي إرضاء لأصحاب المصالح الاقتصادية من جهة، وتثبيتا لحكم الإمبراطور
أغسطس من جهة أخرى. ـــــــ التوسع الروماني في جنوب إفريقيا البروقنصلية:
كان الاحتلال العسكري لجنوب ولاية إفريقيا البروقنصلية يطمح إلى تحقيق
أهداف محددة، تتمثل في تثبيت سلطة روما، وفي العمل على تحقيق توسع اقتصادي
على حساب أراضي جنوب الولاية الإفريقية وغربها ، التي يبدو أنها لم تستغل
قبل الرومان، سواء أكان ذلك من قبل القرطاجيين أو النوميديين، وقد بدت ذات
فائدة جمة للإمبراطور أغسطس لتحقيق أهداف الاحتلال. غير أن إمكانية استغلال
الجزء الجنوبي والغربي من إفريقيا البروقنصلية، كان مرتبطا بالتهدئة
التامة للمنطقة، أي بعد إتمام العمل العسكري. أصبح المجال مفتوحا أما قوات
الاحتلال الروماني، بعد تهدئة منطقة الجنوب الشرقي، ولو أن ذلك الهدوء كان
نسبيا، غير أن كسب الرومان لقبيلة الجرامنت حليفا لهم، شجعهم على المضي في
تأكيد سيطرتهم، وفرض مراقبة دائمة على المنطقة. لذلك قام الإمبراطور
فيسباسيان بنقل مقر الجيش مرة ثانية، عام 75م، من حيدرة إلى تيفست(تبسة)
على بعد 25 ميل من المقر القديم. وتكمن أهمية تيفست في أنها تقع بين منطقتي
التل والجنوب، وبإمكان الجيش المرابط بها مراقبة المنطقتين، كما أن
التمركز في المنطقة يعطي للرومان المحتلين فرص فتح مجالات التوسع ، وهو
الهدف الذي كانوا يطمحون إلى تحقيقه. أتم ذلك القائد الروماني مهمته
الطارئة، بتكريس الإنجاز العسكري الهام، حيث قام بشق طريق إستراتيجية، تربط
بين مقر الجيش الذي يرابط بتبسة بسواحل البحر المتوسط، في مدينة
هيبوريجيوس (عنابة)،كما سارعت الإدارة الرومانية المحتلة إلى ترجمة إنجازات
الاحتلال العسكري على أرض الواقع، وذلك بإجراءات مصيرية، تدفع الاحتلال
الروماني إلى مرحلة اللاعودة وتعمل على نقل مركز الثقل من شمال الولاية إلى
جنوبها. وتكملة لإجراءات مسح الأرض التي ذكرت آنفا، فقد بدأت في عهد
فيسباسيان عملية مصادرة أراضي قبائل جنوب وغرب البروقنصلية، واعتبارها ملكا
للشعب الروماني، وقد كانت تتم تلك العملية بوضع النصب على الأراضي، محددة
المجال الجديد الذي أعطي للقبيلة بدلا عن الأراضي التي صودرت منها. وقد
ارتبطت عملية المصادرة، بشخص موظف سامي، أرسله الامبراطور فيسباسيان في
مهمة طارئة إلى منطقة سوق أهراس، لوضع الحدود ، كما قام نفس المبعوث،
بتعيين الحدود ووضع النصب في منطقتي عين البرج في ضواحي سيرتا ومنطقة عين
عبيد، من أجل تحديد أراضي قبيلتي النيسيب والسبربور شمالا إلى أن أعمال
الأباطرة الفلافيين العسكرية في ولاية إفريقيا البروقنصلية لم تتوقف عند
الجنوب فحسب، بل يعتبر أباطرة تلك الأسرة، أول من وضع الخطوات الأولى
لاحتلال جنوب نوميديا، الذي تواصل في فترة الإمبراطور تراجان . وتجدر
الاشارة إلى أن نقل معسكر الجيش الروماني من حيدرة إلى تبسة، يعتبر اقترابا
من جبال الأوراس التي طالما شكلت عائقا أمام التوسع الروماني ومصدرا لخطر
القبائل التي كانت تسكن بها وتتموضع حولها، منذ أوائل الإمبراطورية. وفي
هذا السياق، نشير إلى أنه في عهد الإمبراطور الفلافي تيتوس، خرجت فرق من
الفيلق الثالث الأوغسطي، متقدمة إلى غرب تبسة، لتكون مراكز حراسة شمال جبل
الأوراس، والحقيقة أنه لا توجد دلائل أثرية تثبت مواقع استقرار تلك الفرق،
ماعدا في موقع واحد هو موقع لمباز الذي اكتشفت فيه نقيشة عام 1951 دلت على
معسكر لفرقة من الفيلق الثالث سنة 81م، وترمز تلك الإجراءات إلى هيمنة
التوسع الروماني على هذه المناطق وتمهيدهم لاحتلال جنوب نوميديا. ولما
اعتلى الإمبراطور تراجان عرش الإمبراطورية الرومانية سنة 98م، بقيت ولاية
إفريقيا تعرف عدة مشاكل أمنية عالقة، منها إكمال التوسع نحو جنوب نوميديا،
وكذا مشكل التحديد النهائي لأراضي القبائل، وتلك تقريبا هي أهم الأعمال
التي ميزت عهد ذلك الإمبراطور. وقد كانت الظروف السياسية في صالحه ذلك أن
الوصول إلى إيجاد حل لتلك المشاكل لم يتطلب أعمالا عسكرية، فقد ذكر
المؤرخون أن إفريقيا خلت من أي حرب أو ثورة أو مقاومة أثناء عهد تراجان،
كما خلا حكم هذا الأخير من أي حملة عسكرية، بينما شهدت إفريقيا أكبر عمليات
تكريس الاحتلال العسكري، وفرض المراقبة العسكرية بإنشاء المستعمرات،
ومراكز الحراسة ونقاط الترصد في المناطق الإستراتيجية. وقد توجهت سياسة
الإمبراطور تراجان إلى التحديد النهائي لأراضي عدد من القبائل، من بينها
تلك التي كانت تشكل خطرا دائما على الوجود الروماني ، وذلك بغية قطع أي
تحالف بينها من شأنه إشعال نار الثورة من جديد، وبالتالي ضمان الأمن الشامل
للمنطقة. وقد تمكن بسياسته الاحتلالية من إخضاع القبائل مثل قبيلة
السبربور والكنتيين وغيرهما، وبهذا يكون تراجان قد حل أولى المشاكل التي
واجهته في بداية عهده، ولم يبق أمامه سوى توجيه نظره لاحتلال جنوب نوميديا.
بدأت سياسة احتلال جنوب نوميديا، عندما بني عام 81م معسكر لمباز، ثم أتم
تراجان هذا العمل، بإقامته للمستعمرات والمراكز العسكرية وبنائه للطرق
الإستراتيجية شمال وجنوب جبال الأوراس. وقد جلبت تلك السلسلة الجبلية
المتصلة اهتمام ومطامع الرومان الإحتلالية، لكونها تمثل قلب جنوب نوميديا،
وعائقا أمام توسعهم باتجاه الغرب، كما أن جبال الأوراس تعتبر همزة وصل بين
التل والصحراء، ولكي يتمكن الرومان من السيطرة على التل واحتلاله بصفة
كاملة، يتوجب عليهم السيطرة على ذلك العائق الجغرافي، وما تسكنه من قبائل
يمكن أن تشكل خطرا عليهم. وأن عملية اختراق تلك الكتل الجبلية ليس بالأمر
السهل، لما تحتوي عليه من معابر وطرق تجارية ورعوية يمتد تاريخها إلى ما
قبل الوجود الروماني، ولما يخترقها من وديان مثل واديي "عبدي" و "الوادي
الأبيض". أما من جهة الغرب فهي مفتوحة على طريقين ذوي أهمية بالغة وتاريخ
طويل، يتمثلان في طريق القنطرة، والحضنة. وقد اعتاد السكان الرحل
الصحراووين على اجتياز تلك المعابر والوديان الطبيعية للانتجاع نحو الهضاب
العليا التلية، كما اعتاد سكان جبال الأوراس أنفسهم على الرحيل بقطعانهم
إلى الهضاب المحيطة بالجبال. وبهذه الصورة، اعتبر الرومان جبال الأوراس
مصدر قلق لهم بسبب موجات الرحل التي تعبرها، والتي طالما أعتبرت العدو
التقليدي للرومان، فجاءت مواقع أعمال الإمبراطور تراجان العسكرية المتمثلة
في المراكز والمستعمرات، التي اتخذ لها نقاط استراتيجية على منافذ الوديان
والطرق التي تعبرها القبائل وسكان الأوراس باتجاه التل، لمراقبة تحركاتها،
وزرع خلايا لرومنة السكان المحليين، وجذبهم نحو حياة العمران والاستقرار،
والاستفادة منهم في الخدمة العسكرية، والأهم من ذلك كله هو تزويد الاقتصاد
الروماني بالمنتجات التي كانت تتم بها المبادلة بين الرحل وسكان التل.
وبهذا الاعتبار، قام تراجان بإكمال الخط الدفاعي شمال جبال الأوراس، حيث
قام الفيلق الثالث الأوغسطي، ببناء مستعمرة لقدماء المحاربين في موقع
تاموقادي عام 100م. ومواصلة لسياسة مراقبة تنتقل القبائل إلى التل، فقد
أنشئت طريق إستراتيجية تصل بين كل هذه المراكز، حيث تبدأ من فريانة بتونس
وتمر بتبسة وماسكولا فتيمقاد، لتصل إلى لمباز ، ويعتقد أنه بعد بناء
مستعمرة تيمقاد، استقر الجيش الإفريقي نهائيا في لمباز. وهكذا، عندما تم
للإمبراطور الروماني تراجان، تطويق جبل الأوراس من الشمال، عمل على تمديد
حدود الممتلكات الرومانية لأول مرة في تاريخ ولاية البروقنصلية إلى ما وراء
الجبال بعد أن كانت هذه الأخيرة تحرس فقط من الشمال. وقد تجسد ذلك التمديد
بإقامة العديد من المراكز العسكرية، كان أولها مركز أدميورس قرب واحة
نقرين، وذلك عام 104م، وفي العام المقبل، أي عام 105م، جرى بناء مزيد من
المراكز العسكرية الأخرى، منها مركز تهودة غرب المركز الأول، واقترنت كل
تلك المراكز بطريق إستراتيجية تمتد من شط الفجاج وتمر بقفصة، ثم هنشير
بسرياني ثم تهودة، ربما لتمر غرب الجبال عبر واد القنطرة لتتصل بالطريق
الشمالية. وخلاصة ما سبق انه في عهد الامبراطور تراجان، فتحت ولاية إفريقيا
أمام الاحتلال الروماني، من البحر إلى الصحراء، وانتهى الاحتلال العسكري
بها، ووضعت الحدود جنوب الأوراس. كما تميز عهد الإمبراطور تراجان، بأنه
إتمام لاحتلال أراضي القبائل، كما اتضحت في عهده أسس الاحتلال الروماني في
ولاية إفريقيا البروقنصلية. ـــــــ التوسع الروماني في غرب إفريقيا
البروقنصلية: مر الاحتلال الروماني في هذه المنطقة من المملكة القديمة
ليوبا الثاني بعدة مراحل، ولكن تلك المراحل لم تتميز بنفس مميزات خط الليمس
في طرابلس ونوميديا، الذي كان يتكون من ثلاث مكونات. لقد تكون فعلا من طرق
موازية لجبهات القتال ولكن لم نسجل التكوين المعقد للفوساتوم والسبب في
ذلك أن العلاقة بين الرومان وبين السكان المحليين كانت حسنة إلى حد ما
وخصوصا في المنطقة التلية، حيث اتبعت روما مع القبائل الخارجة عن حكمها
علاقة حسن الجوار. لقد كانت المدن البونية الساحلية الأولى التي ضمها الحكم
الروماني، بداية من جيجل إلى غاية الغزوات، وكان هذا الاحتلال سهلا إلى حد
كبير، فقد بدأ منذ الفترة الانتقالية عندما أنشئت مستعمرات قدماء الجنود
في العديد من تلك المدن. وللعلم فإن هناك مدن تشبه السابقة في المناطق
الداخلية مثل عين الدفلة والعطاف الغرض من وجودها حماية طريق الشلف وكان
هذا في نهاية القرن الأول الميلادي. بدأت مرحلة جديدة في تطور الاحتلال
الروماني بداية من الهضاب العليا النوميدية، حيث سمح الإمبراطور الروماني
نيرفا بسكنى قدماء الجنود في ستفيس وفي جميلة، وكان الهدف من بناء هادريان
لمركز جميلة هو تكريس الاحتلال نحو الغرب. وفي تلك الأثناء قام المور
بثورات في الأراضي القيصرية بين عامي 18 م و22 م ، حيث بنى في سنة 122م
مركز إبيدوم (سور جواب) للقيام بدور الحراسة ما بين نوميديا السطايفية
ووادي الصومام من جهة و مراكز الحراسة على طول نهر الشلف. وقد أنشئت بداية
من سنة 124م طريق ربطت بين أوزيا ورابيدوم ثم امتدت إلى غاية البرواقية
ووادي شرفا فوادي الشلف ثم ينعرج غربا بين جبال الظهرة والونشريس حيث أنشئت
عدة مستعمرات منذ منتصف القرن الأول الميلادي. ونخلص مما سبق إلى القول
أنه منذ عهد هادريان وخلفائه أنشئت طريق إستراتيجية تمثل معبرا ذا أهمية
قصوى للتجارة ، وكانت هذه الطريق تحميها مراكز حراسة مثل الأصنام والمحمدية
وسيق وعين تموشنت حيث نهايتها . يبدو من خلال ما سبق أن الليمس الموريطاني
في نهاية القرن الثاني الميلادي لم يبتعد كثيرا عن خط الساحل إلا في حالة
حماية المستعمرات الساحلية وتلك المتواجدة في الهضاب العليا، فكان الحارس
لقبائل البابور ومناطق البيبات والقبائل والمتيجة والظهرة. وامتد الليمس
الموريطاني في عهد الأسرة السيفيرية نحو الجنوب ليضم إلى الحكم الروماني
المناطق الجبلية كالتيطري والونشريس وجبال فرندة وبني شقران، التي كانت
تتركز فيها المقاومة المناوئة لنمط المعيشة الروماني، وحدثت عدة مصادمات
بين السكان المحليين وبين الرومان في سنتي 205 م و206 م بين المور والجيتول
الذين أرادوا توسيع مجال المناطق التي حصروا فيها، ثم تتابعت الثورة في
عهد ألكسندر سفير في منطقة سطيف سنة 227 م ، وبسبب تلك الاضطرابات وصلت
التحصينات العسكرية أكمل صورة. وكانت الطريق العسكرية التي أنشئت في السهوب
سنة 201م محاطة بعشرات من مراكز الحراسة، من أجل مراقبة طريق الرحل، ثم
تتناقص حدود الاميراطورية القيصرية الغربية لتبلغ حوالي 30 كلم عرضا مراقبة
بطريقة محكمة. خريطة شمال إفريقيا في العهد الروماني