شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

محمد بن رحال

كان من الشخصيات الوطنية التي ساهمت كثيرا في تشكيل الحركة الوطنية الجزائرية، ولقد حاول جاهدا مستغلا ثقافته الواسعة واطلاعه الواسع على ثقافات العالم الخارجي لترقية المجتمع الجزائري، حيث كان لكثرة سفره اثر فعال في تطوير أفكاره وإذكاء مشاعره نحو القومية الإسلامية، والغيرة الوطنية، وإدراكه مدى تخلف وطنه بالمقارنة مع دول العالم، فعاهد نفسه على حماية وطنه وشعبه من ظلم الاستعمار، ولذلك نجده يدافع ويحافظ على حقوق الشعب الجزائري بكل الوسائل، ويسعى جاهدا للمحافظة على الشخصية الجزائرية العربية الإسلامية، الممارسات التعسفية للاستعمار الفرنسي.

ولذلك نجده قد دخل كل الميادين مدافعا فيها عن حقوق الجزائريين مستغلا مركزه الاجتماعي كواحد من الوجهاء، ومركزه الثقافي باعتباره الممثل السياسي للقضية الجزائرية واستغلال مركزه كعضو في المجلس والجمعيات المالية لوهران، فراح يحارب القوانين الجائرة، وخاصة منها قانون الأهالي والمحاكم الاستثنائية وقانون التجنيد الإجباري، فقد دافع على الجزائريين من هذا القانون بان ألف وفدا في سنة 1912 سافر إلى باريس طالب فيه بإلغاء هذا المرسوم، وتقديم منحة كتعويض عن هذا الإجراء.

أما التجنيس فكان رافضا له، فهو يعتبر أن إلزام الجزائري بالتجنيس بالجنسية الفرنسية معناه إكراهه على ترك شريعته ودينه والتي تعهدت فرنسا باحترامه وسعى إلى أن تكون هناك حرية في أن يبقى باب التجنيس مفتوحا بدون منع ولا أكراه.

وعارض ابن رحال الإدماج فهو يرى أن مستقبل الجزائريين لا يكون في سياسة الإدماج بل التمسك بأصالتهم ويظهر ذلك في قوله: "هذا الشعب يواصل تمسكه بتقاليده فهو يأخذ بالأشياء الجديدة من دون أن يقطع صلته بماضيه وخصوصياته".أما عن جهوده في مجال السياسة فنجده كان يحاول جاهدا التوفيق والتأليف بين الأحزاب الوطنية، فلقد دعا بن رحال في هذا المجال أن يتم تشكيل جبهة وطنية تلتف حولها الجماهير الجزائرية، ومن ثمة دعا إلى المصالحة بين أعضاء حزب الجزائر الفتاة، فلقد طلب بـ: "إقامة الوحدة بين أولئك الذين يمزق بعضهم بعضا والذي يجب عليهم توحيد جهودهم بما فيه خير المسلمين ومصلحتهم".

واهتم محمد بن رحال إلى جانب المجال السياسي بالتعليم، فلقد استاء من الحالة الثقافية المتدهورة والمتدنية في الجزائر، وذلك لان التعليم الفرنسي كان عديم الفائدة بالنسبة للجزائريين، وأيضا إلى أن هذا التعليم كان يهدف إلى القضاء على اللغة العربية ويعمل على تجهيل الفرد الجزائري من ثقافته ودينه، وهذا الأمر آثار حفيظة بن رحال الذي اندفع بغيرته الدينية وحميته الوطنية يدافع عن الدين الإسلامي وعلى اللغة العربية، التي همشت واحتقرت من طرف الاستعمار الفرنسي، ولذلك فقد نادى بضرورة تعميم التدريس باللغة العربية في كامل أنحاء الوطن، وكان من مناصري تعليم الفتاة الجزائرية، فهو يرى في تعميم التعليم بأنه الأداة الرئيسية للتجديد والنهضة ويظهر ذلك في قوله: "إن الدول الإسلامية هي متأخرة ومجزاة، لكن انتشار التعليم يجعلها تستعيد مكانتها في العالم".

ونجد له مشاركات طيبة في مجال التعليم من خلال محاولته لتحقيق بعض الإصلاحات على المنظومة التربوية وتقديمها إلى النخبة، التحقيق الخاصة بالأعيان في سنة 1892 والتي قامت برحلة في الجزائر من اجل النظر في إعادة تنظيم التعليم العالي في الجزائر، وفعلا أدخلت هذه اللجنة إصلاحات ولكنها كانت عكس ما يتمناه ويطمح إليه بن رحال.

كان بن رحال من مناصري الاستفادة من التقدم الذي بلغته فرنسا ولم يكن يرى الإسلام عائقا في هذا الشأن، فلقد امن بن رحال كغيره من المصلحين للدعوة بالنهضة وتطوير الفكر الثقافي والعلمي للجزائريين، فكان يشجع كل نشاط وطني يهدف إلى النهوض بالبلاد والعباد.

ساهم بن رحال كغيره من المصلحين في النشاطات الثقافية كإنشاء النوادي الثقافية المسلمة الأولى بتلمسان "نادي الشباب الجزائري" وبالجزائر العاصمة "كالجمعية الرشيدية" حيث ألقى بها محاضرة قيمة بعنوان "التوفيق بين الإسلام والتقدم".

دعا بن رحال على غرار جميع المصلحين والمفكرين في العالم العربي الإسلامي إلى ضرورة الاقتباس من الحضارة الغربية، واخذ العلوم والمعارف والفنون، لا أن تكون بالتقليد الأعمى بل تكون الأخذ منها مع العودة إلى أصول الدين الإسلامي الحنيف ويظهر ذلك في قوله: "صحيح انه لا يجب أن يقبل كل ما تمنحه لنا الحضارة بعيون مغمضة، فكثير من الأشياء التي لا تحسد عليها ويمكن أن تترك دون كبير اثر، ولكن يمكننا بالمقابل أن نستعير عددا كبيرا منتجاتها دون خطر، بل بفائدة وعلى حسابنا الخاص وتستطيع أن تتبنى كل ميدان العلوم البحتة، وجزء هاما من التنظيم الداخلي والسياسي ونظام الأشغال العمومية والتعليم وكل ما يتعلق بالتجارة والزراعة، والصناعة بدون تعديلات كبيرة، فلا شيء في العقيدة بل بالعكس انه يحثه ويفرضه".

ولقد ساهم بن رحال بانتاجات ذات أهمية في المجال الثقافي فقد قام بنشر عدة دراسات وأبحاث منها: دراسة حول تطبيق التعليم العمومي في البلاد العربية سنة 1887، ملاحظات حول تعليم الأهالي "خطوط غير منشور" سنة 1886، تاريخ السودان في القرن السادس عشر، ترجمة من العربية إلى الفرنسية، قد محاضرة أمام المستشرقين بباريس بعنوان "مستقبل الإسلام" سنة 1897، مقال في مجلة القضايا الدبلوماسية والاستعمارية 10 نوفمبر 1901.

كما كتب بن رحال في جرائد: الحق، الأقدام، التقدم ونشط العديد من المحاضرات في النوادي والجمعيات الثقافية خاصة جمعية الراشدية، نادي تلمسان الإسلامي، ولقد ظل بن رحال الشخصية الجزائرية الكبيرة قبل ظهور الأمير خالد، توفي بن رحال سنة 1928.