شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

تاريخ البحرية الجزائرية



ارتبط تاريخ البحرية الجزائرية بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، فعلى مدار قرون عديدة لم تكن البحرية النوميدية ذات فعالية كبيرة، فقد كان الفنيقيون وبعدهم القرطاجيون يسيطرون تجاريا على المتوسط، وأكدت لنا الشواهد الأثرية عبر المجال الجغرافي الذي تحكموا في زمام تجارته دلالات تلك النعوت، لكن اندماج السكان الأصليين مع الفنييقين ثم القرطاجيين جعلهم يكتسبون الخبرات اللازمة التي سمحت لهم خاصة بعد الحرب البونية الثانية في زمن الملك النوميدي ماسنيسا من البروز كقوى تجارية وعسكرية تطمح للنهوض بالإرث القرطاجي في حوض المتوسط ، لكن الرومان فوتوا عليهم الفرصة في ذلك .


سفينة حربية مع محاربين مسلحين بتروس ورماح -     المصدر السيد Ghaki, H. 17, 1999  

أشارت المصادر التاريخية القديمة إلى امتلاك النوميدين لأسطول حربي كان يتكون من سفن ذات أحجام كبيرة ، من بين الأثار المادية التي تشير إلى ذلك وجود قطعة نقدية تعود للملك بوغود تحمل صورة الملك على الوجه و على الظهر مقدمة سفينة حربية. كما أشارت بعض الدلائل الأخرى على وجود موانئ على غرار ميناء سيقا الذي كان يحوي أسطول بحري تجاري وحربي.

 

La trière السفينة الثلاثية المعروفة بإسم             

1- مع بداية الفتوحات الاسلامية و عهود كل من الأغالبة، الفاطميون، الحماديون :

لما فتح المسلمون مصر منع عمر بن الخطاب أن يُركبَ البحرُ..إلى غاية عهد معاوية، الذي أذن بركوبه والجهاد على أعواده، فكانت غزوة ذات السواري أول انتصار بحري حققه المسلمون على البيزنطيين وهي سبب فتح جزيرة قبرص، ثم غزا المسلمون بعد ذلك جزيرة رودس سنة 53ه، لتنشئ أول دار لصناعة السفن بمصر عام 54ه . ومنذ ذلك التاريخ باتت فكرة إستعمال البحر في ذهن فاتحي بلاد المغرب إلى أن جاء حسان بن النعمان الذي قضى على مقاومة الكاهنة، ثم استدار إلى الروم فحاصرهم بقرطاجنة، وكان فرارهم قد لفت انتباه حسان إلى ضرورة العناية بالجهاد البحري، فكان أوّل من شق قناة مائية تربط بين بحر تونس وبحر رادس. وأسس هناك دارا لصناعة السفن بعد استشارة الخليفة عبد الملك بن مروان الذي أمدّه بألف (1000) قبطي ماهر في هذا المجال، بالإضافة الى وفرة الخشب الصالح المقاوم. وقد عمل على تطورها من جاء بعده أمثال موسى بن نصير وابن الحبحاب ، فصارت المدينة قاعدة بحرية مهمّة بعد قاعدة القيروان البرية، ومركز دفاع متقدم ضد البيزنطيين، وميناء يقلع منه لغزو جزر البحر المتوسط كصقلية وسرقوسة وسردنيا والبليار وغيرها، وهكذا تكوّن مع الوقت أسطول بحري قوي، أنتج فيه حسان 800 سفينة، وصنع فيه موسى 100 مركب غزا بها صقلية سنة 85ه/704م وبدأت الحملات على ميورقة ومنورقة وقوصرة.

 

أبرز المعارك والغزوات البحرية للمسلمين مابين القرنين السابع والحادي عشر

.مظاهر الجهاد البحري مع بداية الفتح الاسلامي لبلاد المغرب:

   يظهر نشاط الأسطول البحري للمسلمين بشمال إفريقيا في غزو أوربا عبر مضيقين:

الأول: من تونس إلى صقلية حيث كان الهدف هو اتخاذ هذه الجزيرة قاعدة انطلاق لفتح بلاد أوروبا ولذا بعث معاوية بن حديج حملة بقيادة عبدالله بن قيس، وفي زمن موسى بن نصير أرسل عدة حملات نحو صقلية بقيادة ابنه عبد الله وإلى البليار بقيادة ابن مروان، وعمل عبيد الله بن الحبحاب على إرسال حبيب بن عبد الرحمن إلى صقلية وسردينيا. وفي سنة 111ه/729م ، وفي زمن عبيد بن عبد الرحمن تم إرسال 180 مركبا إلى صقلية، فغنموا ثم عادوا، لكن عدد من السّفن غرق بسبب الريح، وقد استمرت الحملات على صقلية وغيرها إلى غاية عهد الأغالبة ليتحقق فتحها على يد القائد القاضي أسد بن الفرات عام 212 ه / 827 م.

الثاني: وهو العبور نحو أوربا عبر مضيق جبل طارق، فبعد انطلاق موسى بن نصير من المغرب الأدنى، وإخضاعه كل المغرب الأوسط في حملة واسعة وصل بها إلى غاية طنجة. والتقى هناك حاكم سبتة يوليان الذي هادنه، ليعود موسى إلى إفريقية ويترك هناك طارق بن زياد على رأس 12 ألفا من البربر وعدد من العرب. وكانت أولى السرايا لفتح بلاد الأندلس بالتعاون مع يوليان حاكم سبتة هي سرية طريف بن مالك في 500 مجاهد منهم 400 مشاة       و 100 فارس على متن 04 سفن أعدها يوليان في رمضان 91ه/710م، فنزل جزيرة صارت تسمى باسمه طريفا. ثم كانت الحملة الكبرى بقيادة طارق بن زياد سنة 92ه/711م، حينما جهز حملة بــ 7 آلاف من البربر و 300 من الجند العرب، وعبر سفن جهزها له حاكم سبتة يوليان، وأخرى من دار صناعة السفن بتونس

.التحصينات البحرية الساحلية:

1- إنشاء المحارس والأربطة التي أبدع فيها الأغالبة بتطورها فكانت طابقين:

الأول: فيه مسجد وقاعة درس وقراءة القرآن و الإطعام.

والثاني: مخصص للخلوات والحراسة على أبراج ليل نهار.

2- العناية بنظام الإشارات والعلامات النارية و الحمام .

3- التنظيم المحكم : فللأسطول أمير يدعى قائد القواد، ويأتي تحت إمرته(10)قواد يشكلون قيادة الأركان، ومقدم من كبار الأعيان يقوم بتقسيم الأرزاق.

4- ولاية الثغور:   بالنظر إلى طول الساحل وتوفر الموانئ، ووجود الخطر المتربص من البحر على بلاد المغرب من قبل البيزنطيين، كان هناك ضرورة لإنشاء الثغور يرأسها خبير بالبحر وشؤونه، مهمّته بمتابعة المحارس والقلاع والموانئ، وقد استحدثت زمن بني المهلب عام 171ه/787م، وبقيت إلى زمن الفاطميين الذين كثرت محارسهم بسبتة ومليلية ووهران والجزائر وبجاية وجيجل وسكيكدة وبونة وما وراءها الآلاف من الحصون وأبواب الحديد .

.الأسطول والقوات البحرية:

اقتضت حتمية المكان والجغرافيا وطول الساحل والانفتاح على البحر وشؤونه، مثلما فرضت شعيرة الجهاد البحري ونشر الدّين ، كما جاءت مسألة الدفاع عن الحدود، كلها عوامل ساهمت في لفت أنظار الخلفاء والأمراء إلى ضرورة العناية بالبحر وتطوير القدرات العسكرية فيه، وكل هذا يدخل في استراتيجية استمرارية فتح بلاد المغرب وما والاها. وفي سبيل تجسيد هذه الأغراض عمل ولاة بلاد المغرب وبعدهم أمراء الدول القائمة في الفترة الوسيطة على تطوير قدرات الأسطول البحري، كان ذلك بدءًا من إنشاء دور صناعة السفن على طول الساحل الممتد من مصر إلى المحيط الأطلسي.

وقد أقام الأغالبة دارا لصناعة السفن بتونس وعززوها بدار صناعة أخرى بطرابلس الغرب، واستمروا في ذلك بإنشاء دار أخرى بميناء صقلية، تجاورها دار صناعة بمالطا. كما عمل الفاطميون بعدهم على تعزيز القوة البحرية انطلاقا من موانئ بونة والمهدية وغيرهما لغزو الروم والسيطرة على البحر، وطور الناصر بن علناس الحمادي العمل الحربي البحري بإنشاء دارين لصناعة السفن والمراكب البحرية ببجاية ومرسى الخزر"القالة". ويضاف إليها مراسي أخرى ذات قيمة منها مرسى جيجل ومرسى الدجاج"زموري". كما تعززت هذه المراسي والدور على طول السواحل بأبراج وأسوار تقوم على حمايتها بالمراقبة والصدّ. ولا شك أنّ إقامتها بهذه الأماكن الساحلية وتطور أداءاتها إنّما كان نتيجة توفر عدة عوامل منها:

1- اليد العاملة: يد عاملة محترفة من سكان أصليين بحريين، والآلاف من العائلات القبطية والأندلسية الذين هاجرو أو هجروا إلى حواضر المغرب الأوسط.

2- الأخشاب: منها خشب الصنوبر الذي يفيد في ألواح السفن والصواري والقرى والمجاديف ، كما يُصنع منه خشب السلالم والرماح والتروس بالإضافة إلى أخشاب شجر البلوط والأرز والعرعار والصنوبر.

3- المعادن: كالزفت والقطران ومعادن الحديد والنحاس.

4 - الأودية:   وهي شبكة مائية مفيدة لنقل المواد من داخل الإمارة إلى الميناء.

.القطع البحرية الحربية "العتاد والأسلحة" : تأتي وسائل المواجهات البحرية كعامل فاصل يحدد انتصار او انهزام الجيش، ولذا اعتنى الخلفاء والأمراء بتنظيم هذه الوسائل وتطويرها، سواء من حيث الكم أو النوع، وقد تطور سلاح البحرية الإسلامية من مراحله الأولى إلى نهاية العصر الوسيط، وبه تحققت عدة منجزات. وقد أفرز لنا التطور البحري الحربي بالمغرب الأوسط إلى عصر الحماديين مثلا عدة آليات بحرية مختلفة الوظائف حسمت المعارك وهزمت الكفار ، وكان الشاعر الحمادي ابن حمديس يتغنى بقيمة هذه السفن، وبالأخص الحراقات لقوتها وتأثيرها، فيقول:

والحَربُ في حَربِيةٍ نيرَانُها...تَطأ ُالمياه بِشدَّةِ الأَبْعَادِ

ترمي بِنَفْط كيف يُبْقِي نَفْحُه...والشَّمُ منه مُحرقُ الأَكْبَادِ