شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

الدبلوماسية الجزائرية



خلال العصر الحديث تمتعت الحكومة الجزائرية بكل صلاحياتها كدولة ذات سيادة، وقوة عظيمة استطاعت خلال القرن الثامن عشر إحداث توازن في القوى في المتوسط، ولعبت قوتها البحرية دورا مفصليا في ضمان أمن الدولة الجزائرية و بصورة أعم أمن التجارة الدولية في البحر المتوسط، وأدركت الجزائر ما كان يهددها من الخطر الأوروبي المحدق بها، وبالتالي السعي إلى إعداد نفسها لمواجهته سياسيا وعسكريا واقتصاديا وفعالية موقعها الاستراتيجي أدى بها إلى الاهتمام ببناء قوة عسكرية بحرية وذلك بغرض مواجهة الخصوم ،و هو ما جعل الدول الأوروبية تعمل على إنهاء هذه الدولة كخطوة ضرورية لبناء مشروعها الاستعماري في المنطقة.

أولا مكانة الجزائر الدولية :

برزت الجزائر بصورة فريدة من نوعها في تاريخ البحر الأبيض المتوسط، و قد أعطى أحد نبلاء فرنسا و هو في طريقه سنة 1619 إلى إسطنبول في مهمة رسمية انطباعا حيا عن تلك الجاذبية التي كانت المدينة الجزائر في عز قوتها ، فيقول في مدينة الجزائر ، ذلك السوط المسلط على العالم المسيحي ؟ إنما رعب أوروبا، و لجام ايطاليا و إسبانيا و صاحبة الأمر في الجزر ... و إن عجز الأوربيين من النيل من الجزائر بالقنبلة البحرية قد ساعد المدينة على الاحتفاظ بذلك الحمل العجيب الثقيل عليهم المرهق لهم .. أما بالنسبة للحكام الأوروبيين، فإن رؤساء دولة الجزائر ظلوا دائما السادة الأمجاد العظام ... وعاصمتهم المحروسة جدا ودار الجهاد دائما ضد الكفار.

وخلال العصر الحديث تمتعت الحكومة الجزائرية بكل صلاحياتها كدولة ذات سيادة يظهر ذلك من خلال:

1 - ضرب النقود باسمها واتخاذ الأختام الخاصة بها.

2- انفراد الحكومة الجزائرية بحق عقد المعاهدات والاتفاقيات الدولية على اختلاف أنواعها حتى مع الدول المعادية للسلطنة العثمانية بالإضافة إلى البعثات الدبلوماسية.

3 - تمتعها بكامل استقلالها مع أقوى الدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.

يرى الأستاذ سعد الله انه خلال الفترة الممتدة من 1516 - 1830 " ظهرت إلى الوجود دولة جزائرية تقوم على الوحدة الجغرافية و السياسية و الاقتصادية للبلاد ،  بالإضافة إلى الوحدة الفكرية و الروحية التي قامت منذ الفتح الإسلامي، كما كانت هذه الدولة مؤيدة  من طرف أغلب سكان الجزائر و معززة بجيش پري و أسطول بحري و ذات علم و برلمان و نقد و عاصمة ، و في نفس الوقت كانت الدولة الجزائرية تقاليدها العرفية و الدبلوماسية حسب القانون الدولي المعمول به آنذاك"، و ظهر نوع من الشعور الوطني لدى المواطنين جعلهم يندفعون لتدعيم هذه الدولة الفتية و حماية هذا الوطن العزيز من المسيحيين المتعصبين". 

كما بلغ أسطولها البحري قوة عظيمة بحيث استطاع خلال القرن الثامن عشر إحداث نظام للملاحة في المتوسط يضمن أمن الدولة الجزائرية و بصورة أعم بالنسبة للتجارة الدولية في البحر المتوسط، و هو ما جعل الدول الأوروبية تعمل على إنهاء هذا النظام تحت غطاء القضاء ما كان يسمى «بالقرصنة» التي كانت تمارسها جموع المغامرين الأوروبيين بموافقة دولهم مؤازها لهم، في حين أن العمل الذي كانت تقوم به الجزائر كان أسلوبا دفاعيا لمواجهة المد الاستعماري الذي انطلق منذ القرن الخامس عشر و الذي دخلت الجزائر بمحض إرادتها من اجله ضمن الخلافة العثمانية.

و أمام قوة الدولة الجزائرية كانت الدول الأوروبية تدفع مقابل السلم أو مقابل الحماية أو التبادل التجاري ضرائب باهضة للدولة الجزائرية ، مملكة الصقليين ،مملكة سردينيا ،البرتغال،مملكة طوسكانة ،اسبانيا،النمسا ،انجلترا ،هولندا،هانوفر و بريم الألمانيتان ،السويد و الدانمارك ،فرنسا.

 

ثانيا الدبلوماسية الجزائرية:

قامت الدبلوماسية الجزائرية خلال هذا العصر على مبدأين أساسيين: 

المبدأ الأول : أن كل دولة تعتبر محارية حتى توقع معاهدة صداقة و سلام مع الجزائر.

المبدأ الثاني : أن كل معاهدة لا تعترف بتفوق الجزائر البحري في المتوسط لا يمكن قبولها من طرف الجزائر

ولم يكن الهدف من بناء قوة بحرية في المتوسط الغزو او القرصنة كما تتضمنها كتابات المؤرخين الغربيين، و إنما هو صيانة الأرض الجزائرية عندما اشتدت رغبة المسيحيين في اكتساحها على أيدي المحاربين الاسبان بعدما سقوط غرناطة 1492، و ذلك استمرار لما كان يسمى بالفتح الجديد أو الرکونکستا .

يمكن أن نميز بين نوعين من العلاقات الخارجية للجزائر:

* بعد تكاملي و تعاوني في إطار الخلافة العثمانية .

* بعد عدائي اتجاه الدول الأوربية نظرا للدور الذي كانت تلعبه الجزائر

ثالثا : العلاقات الخارجية للجزائر:

أن مصدر قوة الجزائر في العصر الحديث يعود إلى الوعي الكامل بالخطر الأوروبي المحدق بالدولة، وبالتالي السعي إلى إعداد نفسها لمواجهتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وفعالية موقعها الاستراتيجي أدى بها إلى الاهتمام ببناء قوة عسكرية بحرية وذلك بغرض مواجهة الخصوم. 

ويمكن أن تبين الصورة السياسة الخارجية الجزائر من خلال دراسة العلاقة مع أبرز الدول العالمية في ذلك الوقت :

1- العلاقات مع الدولة العثمانية :

* التعاون المتبادل ودور الخلافة العثمانية في تقديم المساعدات للجزائر في بداية تكوينها .

* تنسيق الجهود لمواجهة الخطر الصليبي .

* دعم الأسطول الجزائري للعثماني في الكثير من المواقف كمعركة ليبانت في 09 أكتوبر 1571

* كانت تبعية الجزائر للخلافة العثمانية اسميا فقط .

2 – العلاقات مع المشرق العربي :

* مساهمة الأسطول الجزائري في صد العدوان الصليبي على المشرق الإسلامي كحملة نابليون على مصر 1798.

* تخصيص جزء من أموال الأوقاف للحرمين الشريفين .

* علاقات تجارية  حيوية متبادلة 

* التواصل الحضاري والثقافي  مع كل الأقطار الإسلامية و مشياخات الخليج.

3 – العلاقات مع المغرب الإسلامي :

نظرا للتقارب الجغرافي ووحدة الدين واللغة، والمصير المشترك، عملت الجزائر من خلال أسطولها البحري على تحرير المنطقة (من طرابلس إلى غاية السواحل المغربية) من الهيمنة الأوربية ويظهر هدا من خلال دوره في هزيمة البرتغاليين في معركة وادي المخازن (الملوك) 04 أوت 1578 ورد الاعتداءات المسيحية على سواحل المغرب اجمالا.

4– العلاقات مع الدول الأوربية :

أ- العلاقات الجزائرية الاسبانية :

منذ سقوط الأندلس العام 1492 بدأ الاسبان التوسع في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط و استطاعوا منذ اوائل القرن الخامس عشر افتكاك سبتة من البرتغاليين و احتلال مليلة عام 1497 ووصلوا حتى طرابلس الغرب، كما احتلوا مرسى الكبير عام 1505 ووهران عام 1509 و بجاية عام 1510 و فرضوا شروطا على مدن دلس و تنس و مستغانم و الجزائر و اعترفت لهم امارة بني زیان بهذا الاحتلال، ولم يستطع الشعب مواجتهم إلا بالتعاون مع العثمانيين. 

ومنذ أن برز القطر الجزائري كقوة تثير الرهبة ومحافظة على أمنه واستقلاله، اشتدت أطماع الاسبان في أواخر القرن الخامس عشر والسادس عشر الاستغلال ثرواته المعدنية والزراعية والحيوانية، والكسر شوكته والقضاء على أسطوله القوي وقوته البحرية التي كان يحسب لها في ذلك العهد الزاهر ألف حساب في البحر الأبيض المتوسط. 17

وقد استطاع خير الدين صد هجوم على الجزائر سنة 1541 و قتل في هذا الهجوم أكثر من 3000 جندي اسباني و تحطمت عشرات السفن، كما أسهمت الرياح في تحطيم الأسطول الاسباني على السواحل الجزائرية ، و كان هذا النصر الكبير أثره على تغير معالم القوة في البحر المتوسط فقد أصبح الأسطول الجزائري خصما عنيدا للقوة الأوروبية .

و لقد شنت اسبانيا على الجزائر 10 غارات كانت الأولى في 31 جويلية 1775 بقيادة «دون پیدرو کستیخو» و الجنرال " أورلي "و چندت لها اسبانيا ما يقارب 25 ألف رجل و أربعمائة وحدة بحرية 

انتهت هذه الحملة يفشل القوات الاسبانية دخول الجزائر مما اضطرها إلى التفاوض مع الداي «محمد عثمان باشا» الذي رفض التفاوض مع الاسبان رغم محاولة السلطان العثماني ، 

حاول الأسبان احتلال الجزائر ثانية يوم 1 أوت 1783 بقيادة « دون انطتيو پارٹیلو» و بالتعاون مع البرتغال الذي شرع في قصف مدينة الجزائر لكن لم يفلحوا للمرة الثانية في احتلال مدينة الجزائر. 

حاول الأسبان للمرة الثالثة احتلال مدينة الجزائر يوم 11 جويلية 1784 بعدة قدرها 130 سفينة كبيرة و تحالف مع فرسان مالطة و نایولي و بمباركة من البابا ، لكن لم يفلحوا في ذلك فقرروا التوقف نهائيا و انتهاج الاسلوب الدبلوماسي في تعاملها مع الجزائر. 

ورغم ذلك لم ترق العلاقات الجزائرية الاسبانية إلى درجة التفاهم رغم تحقيق السلم بينهما دفعت من خلاله أسبانيا للجزائر ما يقارب أربع ملايين دولار في الفترة من عام 1785- 1790 تخللتها  معاهدة مبرمة بين محمد عثمان باشا داني الجزائر و دون کارلوس الثالث ملك اسبانيا يوم 14 جوان 1786 أهم ما جاء فيها :

1- أن تدفع اسبانيا للجزائر 60 ألف دولار كل

2- أن تزود كل قنصل جدید هدايا لا تقل قيمتها عن 42 الف دولار.

3 - أن تتخلى اسبانيا عن كل ادعاء لها في ثلاث مراكب كانت تطالب بها.

4- أن تدفع 30 ألف دولار لوزراء الداي وكبار رجال الدولة.

وعموما كان على الجزائر أن تفرض شروطها على الاسبان حتى لا تعود مرة أخرى ويحاولون الاستيلاء على البلد أو محاربيها، فالعلاقات إذا بين الجزائر واسبانيا كانت سيئة منذ البدء، وقد أخذت الحروب الاسبانية في إفريقيا صبغة الصليبية الحقيقية نظرا للدور المتميز الذي قام بأدائه رجال الكنيسة والكهنوت، قالكنيسة في اسبانيا قد اهتمت بجميع ما لديها من الحماس والجرأة هذه المعركة ضد الإفريقيين، بل إنها كانت في أغلب الأحيان تعتبر المعركة بأسرها معركة خاصة بها. 

ب : العلاقات الجزائرية الأمريكية :

امتازت العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية بنوع من الفتور وذلك بسبب مواقف الجزائر من بعض القضايا الاقتصادية، وكانت العداوة بين البلدين قائمة خاصة بعد إمضاء معاهدة سلام مع اسبانيا العام 1786.

على أن العلاقات الجزائرية الأمريكية مرت بأربعة مراحل : 

المرحلة الأولى : 1775- 1785

امتازت هذه الفترة يتجاذب بين الدولتين وعدم الاستقرار في المواقف، فقد كانت أمريكا تحاول مرارا ربط علاقاتها بالجزائر عبر وسطاء أوروبيين وخاصة فرنسا وهولاندا وبريطانيا إلا أن محاولاتها باءت بالفشل فكان إعلان الحرب على أمريكا سنة 1785 إثر قبض الجزائر لسفينتين أمريكيتين وأسر رعايا أمريكيين كانوا على متنهما.

لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الفترة تعادي الجزائر وتحاول تكوين حلف أوروبي معادي للجزائر هدفه الظاهر إيقاف القوة الجزائرية في البحر المتوسط وشرق الأطلسي وهدفه الباطن السيطرة على البحار، لكن هذه السياسة باءت بالفشل خاصة بعد إبرام الجزائر معاهدة صلح مع اسبانيا سنة

1785

المرحلة الثانية : 1785 - 1795 :

لقد كانت الفترة الممتدة بين 17851795 فترة لا استقرار في العلاقات بين الدولتين ، فقد تباينت المواقف الأمريكية داخل الولايات المتحدة ، فهناك موقفا ينادي بضرورة السلام مع الجزائر لحماية مصالحها في المتوسط، و موقفا ينادي بالعداء و ضرورة محاربة الجزائر ، لكن الموقف الأول كان الغالب و ساهم في توقيع معاهدة سلام و صداقة بين البلدين يوم 5 سبتمبر 1795 وقعها من الجانب الأمريكي جورج واشنطن و من الجانب الجزائري حسن باشا ، و تتكون المعاهدة من 22 يندا أهمها حسن الجوار و حماية السفن الحربية و التجارية الأمريكية في المتوسط و غرب المحيط الأطلسي، كما تنص المعاهدة على تبادل الأسرى و عدم التعرض للرعايا الأمريكيين في كل الأقاليم التابعة للدولة الجزائرية .

المرحلة الثالثة : 1795 - 1815 :

امتازت هذه المرحلة بتوتر كبير في العلاقات بين الدولتين ويعود ذلك إلى تنفيذ معاهدة 1795 والخاصة بالضريبية و التي كان الاتفاق حول دفعها عتادا حربيا، لكن الطرف الأمريكي أراد غير ذلك مما أدى إلى إعلان الحرب بين الدولتين حيث وقفت أغلب الدول الأوربية و هي السويد و اسبانيا و انجلترا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية فكانت حرب 1807.

وكان من نتائج هذه الحرب تدهور العلاقات بين الدولتين بين السلم الهش والتقارب الحذر طابعها الأساسي المصلحة لا الود ولا الإخاء كما جاء في اتفاقية 1795. وبقيت هذه الوضعية حتى سنة 1815 وهو تاريخ إمضاء المعاهدة الجزائرية الأمريكية الثانية. 

المرحلة الرابعة: 1815 - 1830:

امتازت هذه المرحلة بفتور في العلاقة بين الدولتين ولم تدم طويلا، ومن خصائصها تزايد القوة الأوروبية وتقهقر القوة الجزائرية مع عدم مسايرتها النمو العالمي في تلك المرحلة.

 ج : العلاقات الجزائرية البريطانية :

لقد كانت العلاقات بين بريطانيا والجزائر أكثر تعقيدا وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى كون بريطانيا قوة بحرية كبيرة في المحيط، ودولة استعمارية تحتل أرجاء العالم، ومن هذا المنطلق كان الصراع بين الأسطولين الجزائري والانجليزي على أشده للوصول إلى الغلبة. لقد كانت السياسية البريطانية تعتمد على مبدأين:

1 - تأمين مصالحها الاقتصادية مع الدول المطلة على البحر وخاصة منها الدول القوية.

2- منافسة فرنسا على سواحل المغرب الإسلامي.

ومنه كانت العلاقات الجزائرية الانجليزية وطيدة حيث أكد «دو غرامون» أن: «الانجليز في بداية القرن السادس عشر كانوا يتبادلون تجارة كبيرة مع الجزائر وكانت تلك التجارة متطورة بقدر ما كانت الدول الكاثوليكية عاجزة عن منافستها في هذا المجال.. فكانت الإمدادات العسكرية والبحرية التي كانوا يبيعوها للجزائر مقابل الحبوب والزيوت والأصواف.

إلا أن التطورات التي حدثت في أوروبا و منها عودة السلم إلى القارة بين الدول التي كانت متناحرة و تطور جو التنافس و القرصنة البحرية أدى بالإنجليز إلى دخول معترك التنافس مع الجزائر إذ نجدها رحم كونها أقوى الدول الأوروبية قد شنت هي كذلك العديد من الحملات العسكرية على الجزائر منها حملة 1669 على الجزائر و تخریب مدينة بجاية عام 1671 ،الاعتداءات على مراكب الجزائر في عرض البحر . انتهت بعقد معاهدة يوم 6 أفريل 1682 بين الداي بابا حسن و الملك شارل الثاني حيث تخلت بريطانيا عن 350 وحدة بحرية تجارية و ذلك إثر هزيمة الأسطول الانجليزي. 

و أهم حملة قامت بها بريطانيا كانت يوم 27 أوت 1816 بقيادة اللورد اکسماوث  أين تحالف الانجليز و الهولنديين ضد الجزائر انتهت بعقد معاهدة أهم ما جاء فيها : 

- أن يعامل الأسرى في المستقبل كأسرى وليس كعبيد ويتم  تبادلهم دون فدية

-تحريم استرقاق المسيحيين الأوروبيين تماما في المستقبل.

- إطلاق سراح جميع العبيد المتواجدين في الجزائر بغض النظر عن جنسياتهم.

الحادث المهم الثاني مع الانجليز وقع سنة 1824 حيث قام الأسطول الانجليزي بقصف مدينة الجزائر

يوم 11 جويلية 1824 حيث حاولت بريطانيا فرض شروطها على الجزائر و قد ألغاها الداي حسين من طرف واحد عام 1825 وقام بطرد القنصل البريطاني من الجزائر . 

د : العلاقات الجزائرية الفرنسية :

كانت فرنسا منذ القرن السادس عشر تتمتع في الجزائر بامتيازات تجارية خاصة. فخلال القرنين السادس عشر و بداية القرن السابع عشر دخلت فرنسا و الدولة العثمانية في علاقات تحالف عسكري هدف العثمانيين منه الوقوف في وجه الاسبان و تحطيم القوة البحرية الاسبانية و منع أي تكتل أوروبي ضد الدولة العثمانية تكون فرنسا طرفا فيه .

ونتيجة لهذا التحالف العثماني الفرنسي و الذي دعم باتفاقيات تجارية أعطت الدولة العثمانية للفرنسيين حرية الملاحة في المياه الإقليمية التي تسيطر عليها ، فكانت فرنسا أولى الدول الأوروبية التي حصلت على امتيازات تجارية في الجزائر مما مهد لقيام علاقات دبلوماسية حيث تأسست أول قنصلية فرنسية في الجزائر عام 1580م .

كان هدف فرنسا على إقامة علاقات دبلوماسية مع الجزائر ينبع من رغبتها في استغلال خيراتها الاقتصادية و احتكار استثمار المرجان الذي كان الساحل الجزائري مصدرا هاما له ، و منافسة الاسبان و إحلال محلهم في شمال إفريقيا و بالتالي السيطرة على المناطق الغنية بالثروات الطبيعية ، و استطاعث بفضل هذه العلاقات إنشاء أول شركة « لانش «عام 1561 في عهد الداي حسن بن خير الدين .

في عهد لويس الرابع عشر والذي كان يطمح إلى تأسيس إمبراطورية استعمارية فرنسية فوجه العديد

من الحملات العسكرية ضد الموانئ الجزائرية بين أعوام 1683 - 1688 باءت كلها بالفشل نظرا لوجود أسطول جزائري قوي.

وفي عهد الثورة الفرنسية 1789 تطورت العلاقات حيث اعترفت الجزائر بالجمهورية الفرنسية الجديدة في وقت كانت فيه فرنسا الثورة تحت الحصار الأوروبي ، حيث تكتلت أوروبا للقضاء على الجمهورية عرفت باسم « التكتلات السبعة ، كما أقرضت الجزائر حكومة الثورة في فرنسا مليونا من الفرنكات بدون فائدة سنة 1793 على أن تستعمل فرنسا هذا المبلغ في شراء الحبوب من الجزائر .

في عهد نابليون الأول عادت العلاقات بين البلدين على أحسن ما هي عليه ، و عادت فرنسا إلى امتیازاتها سنة 1801 لكن قنصل نابليون ديبوا ثاتفيل عكر صفو العلاقات و عادت الأزمة إلى ما كانت عليه من قبل، و تفاقمت سنة 1805 و خاصة بعد ما أمضى معاهدة سلام مع روسيا سنة 1807 عرفت معاهدة تلست .

و بعد مؤتمر فيينا عينت فرنسا قنصلا جديدا و هو "بيير دوفال" و عادت العلاقات بين البلدين خاصة بعد حملة الانجليز على الجزائر سنة 1816.

لقد تسارعت الأحداث ما بين 1815 و 1830 ففي الوقت الذي كانت فيه فرنسا تخطط الاحتلال الجزائر من خلال رصد نقاط الضعف و القوة على سواحلها ، كانت الجزائر ترحب بالأعداء و تقدم لهم الامتيازات و المساعدات.

خاتمة :

السمة البارزة لعلاقات الجزائر مع الدول الأوربية هي العدائية بالدرجة الأولى ، ويظهر هذا من خلال الكم الهائل من الحروب و المعارك بين الجزائر و الدول الأوربية ، إلى جانب علاقات سلمية من خلال المبادلات التجارية و عقد اتفاقيات و معاهدات.

والجزائريون آنذاك، مهما قيل في درجة وعيهم، وأوضاعهم الاجتماعية، ونمط حياتهم.. وسواء كانوا عربا رحلا أو من الحضر.. وسواء كانوا متمسكين بالقديم أو متفتحين على الجديد.. وسواء كانوا متمردين على الحكم المحلي أو خاضعين له.. متفرقين أو متحدين فانهم آمنوا بدولة مستقلة تجمع الشمل و تقاوم التدخل و النفوذ و الاستغلال الأجنبي .



منذ بدايات الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830كرست الدبلوماسية لخدمة القضية الجزائرية وذلك لما تقتضيه من دور على الساحة الدولية بمساهمتها  في حماية المصالح والتخفيف من حدة الحروب والعمل من اجل استعادة السيادة الوطنية المسلوبة من طرف الاستعمار الفرنسي. 

   ثانيا – النشاط الدبلوماسي الجزائري  بدايات الاحتلال الفرنسي :

أ- جهود حمدان بن عثمان خوجة الدبلوماسية:

يعتبر عثمان بن حمدان خوجة من الشخصيات البارزة  التي بذلت  مجهود دبلوماسي خلال السنوات الأولى للاحتلال الفرنسي للجزائر ،  وحسب ما ورد في كتاب محفوظ  قداش” جزائر الجزائريين ، فإنه بعد نزول اللجنة الإفريقية بالجزائر سنة 1833  للتحقيق في أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية   والتي أكدت في تقريرها بضرورة إلحاق الجزائر كمقاطعة فرنسية جعلت   من عثمان بن حمدان خوجة وابراهيم بن مصطفى باشا يقدمان  عريضة تثبت اعتراضهما على ذلك  إذ تم  تقديمها  إلى وزير الحرب الفرنسي الدوق سولت  بتاريخ 25جويلية 1834نددا فيها  بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي آلت إليها الجزائر منذ دخول الاحتلال الفرنسي كما  نددا بالتجاوزات التي اقترفها الجنرالات الفرنسيون في حق الجزائريين 

 ويضيف المؤرخ ابو القاسم سعدالله  في كتابه  محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث “بدايات الاحتلال” بأن  كلا من  أحمد بوضربة وحمدان بن أمين السكة وحمدان بن عثمان خوجة قد انتقلوا إلى العاصمة الفرنسية باريس لحضور جلسات اللجنة الافريقية الثانية المقيمة هناك  وعبروا أمامها عن آراء واضحة حول الوجود الفرنسي في الجزائر وحول العلاقات الجديدة بين مواطنيهم والفرنسيين  حيث قدم من خلالها عثمان بن حمدان  خوجة مذكرة خاصة لهذه اللجنة تضمنت اقتراحات واضحة عن مستقبل الجزائر كما ألف هذا الأخير كتابا هاما بعنوان المرآة تناول فيه أوضاع الجزائر بعد الاحتلال أحدث به ضجة عارمة لدى الرأي العام بفرنسا تسبب له في الأخير بنفيه من الجزائر نظرا لما احتواه  من انتقادات للإدارة الاستعمارية بالجزائر  

ب- دبلوماسية أحمد باي   :  

لم تخل  مقاومة أحمد باي هي الأخرى من طابع الدبلوماسية وبناء على كتابات  المؤرخ محفوظ قداش فقد  توجه أعيان شيوخ قسنطينة بمعية أحمد باي بطلب موجه للبرلمان البريطاني وذلك سنة 1834من أجل المبادرة بالدفاع عن حقوق الجزائريين الإنسانية ، وفي  رسالة أخرى قدمها أحمد باي  إلى الباب العالي وجهها  إلى ناميك باشا مؤرخة في 06جوان1837تضمنت طلب المساعدة باسم الدين و الانتماء الإسلامي كما وجه رسالة أخرى إلى وزير البحرية سنة 1840تضمنت العتاب والإشارة بالإهمال والتقصير من الباب العالي باعتباره  الملجأ الوحيد من أجل مناصرة أهل الدين الذين تعرضوا إلى وحشية الاستعمار ، ويذهب المؤرخ ابو القاسم سعدالله أن  الحاج أحمد باي واجه العديد من الضغوطات الدبلوماسية  جاءت في شكل مراسلات بعث بها  الجنرال كلوزيل يفاوضه فيها بإبقائه بايا على قسنطينة مع الالتزام بدفع الضريبة لكن هذه الرسائل قوبلت  كلها بالرفض ،كما كانت هناك مراسلات أخرى بعث بها أحمد باي  مع وفد  بقيادة السيد بلهوان إلى الوزير الأول رؤوف باشا حيث ألح هذا الأخير في هذه الرسائل  على طلب المساعدة المادية لمواجهة الاحتلال الفرنسي.

 ج –  دبلوماسية الأمير عبد القادر بن محي الدين: 

حسب ما أكدته  كتابات كل من  الباحث الإنجليزي شال  هنري تشرشل و الدكتور عمار بوحوش فقد كان  للأمير عبد القادر (1808-1883م) وبحكم حسن تنظيم دولته جهود ومساع   دبلوماسية  ارتبطت بعقد المعاهدات والمراسلات تميزت بإخضاع أعتى  جنرالات فرنسا على توقيعها كان أهمها معاهدة دي مشيل  المؤرخة في 26 فيفري  1834 التي  بموجبها  رضخ  الجنرال دي مشيل لبنودها و التي كانت في صالح الأمير عبد القادر ،وفي السنوات التالية خاض  الأمير  وجيشه معركة التافنة سنة 1836 وبعد انتصاره فيها فقد راهن على عقد معاهدة التافنة يوم 30 ماي 1837 ،مع الجنرال بيجو نتيجة لقلة ذخيرة وتسليح جيشه ،وقد استقرت معاهدة التافنة على اختيار الهدنة متبوعة ببعض البنود والتي استغلتها الجيوش الفرنسية من أجل القضاء على مقاومة أحمد باي في الشرق الجزائري كما بعث الأمير برسالة أخرى  إلى وزير القوات الحربية  “برنار’ سنة 1839 يستنكر فيه خروقات الفرنسيين ونقضهم  لما جاء في وثيقة معاهدة التافنة سنة 1837 اما الرسالة الثانية  المؤرخة سنة 1840فقد بعث بها  الأمير عبد القادر الى عبد المجيد الثاني يشرح له فيها أوضاع وظروف الجزائريين القاسية معاتبا إياه على تراخيه في نجدتهم وتقديم يد المساعدة لهم. 

 ثانيا – الجهود الدبلوماسية لاتجاهات الحركة الوطنية 1919-1954م

 أ – حركة الأمير خالد : 

 استنادا لما جاء في كتابات  المؤرخ  ابراهيم مياسي  فإن بديات المسار الدبلوماسي  للأمير خالد الحسني (1875-1936)ارتبط  مع تقديمه لعريضة مطالب للرئيس الأمريكي ولسون أثناء انعقاد مؤتمر الصلح بفرساي سنة 1919 اين طالب بتطبيق مبادئ ولسون 14 التي من بينها حق الشعوب في تقرير مصيرها ويضيف المؤرخ يوسف مناصرية في كتابه الاتجاه الثوري في الحركة الوطنية الجزائرية أن الأمير خالد الحسني استغل مجيئ الرئيس الفرنسي “الإسكندر ميليراند ” إلى الجزائر فألقى خطابا أمامه مطالبا إياه بحقوق الجزائريين وحرياتهم المدنية وذلك بتاريخ 20 افريل 1922 وبحلول سنة 1924 وبمناسبة فوز اليسار الفرنسي في الانتخابات الرئاسية فقد  بعث الأمير خالد برسالة إلى الرئيس الجديد “إدوار هيريو” تنوعت في مضمونها  ما بين السياسي ،و الاجتماعي ،والاقتصادي والديني ،كما توجه الامير خالد لفرنسا حيث استقبله الحزب الشيوعي حيث تم  السماح له بإلقاء محاضرة على أبناء شمال افريقيا وقد تميزت بالموضوعية وقوة عاطفية جياشة للمسه  الشعور الوطني والاستعداد  الذي أبرزه المهاجرون في فرنسا للعمل والتضامن فشجعهم على تأسيس هيئة تشمل العمال المغاربة وتوحدهم  فكللت جهوده بنشر فكرة إنشاء جمعية نجم الشمال الإفريقي في منطقة لبوش دورون  غير أن الظروف لم تسمح له بمواصلة نشاطه وقد واصل شيوخ النجم نشاطهم الذي كلل بميلاد نجم شمال إفريقيا وقد نصب الأمير خالد رئيسا شرفيا  لهذه الجمعية  ونظرا للتضيق الاستعماري الفرنسي  غادر الأمير فرنسا في خريف 1924 بعد أن شنت عليه حملة جائرة اشترك فيها اليمين واليسار الفرنسي فوصل إلى الإسكندرية ولم يكمل رحلته إلى دمشق بسبب منعه من طرف الدوائر الفرنسية كي لا يقتحم مناطق نفوذها وقامت بتلفيق التهم له وبذلك اختفى الأمير من المسرح السياسي إلى غاية وفاته في 10جانفي 1836بدمشق .

 ب – الاتجاه الاستقلالي :

 وبخصوص هذا الاتجاه فقد مثله نجم شمال إفريقيا سنة 1926 ليمتد إلى حزب الشعب الجزائري سنة 1937 فحزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية سنة 1946 فهذا الاتجاه كان له العديد من الأنشطة على الساحة الدولية  منذ البداية فكانت مشاركة رئيسه مصالي الحاج في مؤتمر بروكسل سنة 1927أول خطوة دبلوماسية عرض من خلالها القضية الجزائرية مقدما فيها مجموعة من المطالب كانت في مجملها تدعو  إلى استقلال الجزائر ،ونظرا للتضييق الفرنسي على نشاط هذا الحزب الذي فرض عليه الحل للعديد من المرات وتعرضت قياداته ومنضالوه إما للنفي أو السجن نتيجة لتصلب مواقفه الراديكالية اتجاه السياسة الاستعمارية في الجزائر  إلا أنه رغم ذلك واصل نشاطاته الدبلوماسية حيث عقد  حزب الشعب الجزائري سنة 1938رابطة بين تونس والجزائر وفاس للمطالبة بإطلاق صراح مصالي الحاج وعلال الفاسي ولحبيب بورقيبة مؤكدا بذلك على وحدة الشمال الإفريقي .وقد تعززت مكانة الاتجاه الاستقلالي على الساحة الدولية خاصة بعد تأسيس حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية سنة 1946إذ بادرت قيادته بعقد العديد من الاتصالات مع كل من الأحزاب السياسية بتونس والمغرب بهدف توحيد النضال والكفاح السياسي المشترك لتحرير شمال إفريقيا و يشير المؤرخ  محمد حربي أنه  غداة انعقاد  اجتماع اللجنة المركزية في ديسمبر 1948وجهت القيادة سياسة جديدة للبحث عن لقاء مع الدستور الجديد التونسي والاستقلال المراكشي على صعيده العسكري والاستقصاء حول امكانات التزود بالأسلحة لدى الجامعة العربية ويذهب بن يوسف بن خدة في كتابه جذور أول نوفمبر إلى أن الحزب أصدر  مذكرة بتاريخ مارس 1949 و أ رسلها إلى هيئة الأمم المتحدة وذلك خطوة استباقية للتنديد بما يعتبره سياسة الأمر الواقع مستنكرا فيها ضم الجزائر إلى الحلف الأطلسي   وأعتبرها محاولة وقحة تمس بالشخصية الوطنية الجزائرية و  إرسال عريضة عبر نوابه إلى السلطات الاستعمارية يندد فيها بهذا العمل معلنا فيها رسميا بأن الشعب الجزائري لا يعترف بأي حلف دولي لم يشارك في إبرامه وأنه عازم على عدم المشاركة في أي نزاع مسلح تداس فيه مصالحه وحقوقه المهضومة   مضيفا أن الحزب رفع  احتجاجا  عبر لجنته  التي تأسست سنة 1948 لنصرة  فلسطين منددا فيه  ضد أي مشروع يهدف إلى تقسيم فلسطين من طرف الكيان الصهيوني كما أسس لجنة سنة 1948لنصرة فلسطين العربية مؤكدا فيها على مدى تلاحم الشعب الجزائري مع إخوانه الفلسطينيين  كما أن الحزب  رفع مذكرة أخرى في 20سبتمبر 1950 إلى هيئة الأمم المتحدة ندد فيها بوضعية شمال إفريقيا عامة والجزائر خاصة،  وحسب  كتابات  المحامي  عبد الرحمان كيوان  والمؤرخ يحي  بوعزيز  فإن  السياسة الخارجية للاتجاه الاستقلالي قد ارتكزت على  مبادئ مهمة تمثلت في تبني الحياد تجاه الكتلتين السوفيتية والأمريكية وإثارة تعاطف الدول المناهضة للإمبريالية لصالح القضية الجزائرية والتأكيد على  وحدة شمال إفريقيا .

 ج- الاتجاه الليبرالي : 

مثل هذا الاتجاه حزب فرحات عباس الذي كان يعمل على تجنب المواجهة والتصادم مع الاستعمار الفرنسي  ويبحث عن تسوية للمسألة الجزائرية بطريقة قانونية وبهذا يشير  الباحث  جمال ڨندل في كتابه “إشكالية تطور وتوسع الثورة الجزائرية” أن جهود  حزب الاتحاد الديمقراطي  في التعريف بالقضية الجزائرية  تميز بالاحتشام  ولا يكاد يلمس له أي أثر في ذلك بسبب رؤيته السياسية  لحل  للقضية الجزائرية إلا بارتباطها بالنطاق الفرنسي .

إلا أنه يمكن أن نلتمس بعض المواقف  الدبلوماسية له كاتصاله  بممثل الرئيس الأمريكي روزفلت السيد ميرفي أين قدم له السيد فرحات عباس  توصيفا عن الحالة الجزائرية  وعلاوة على ذلك شارك فرحات عباس في المؤتمر المناهض للإمبريالية لشعوب إفريقيا الذي احتضنته العاصمة البريطانية بلندن سنة 1948،ويذهب يحي بوعزيز أن الاتحاد الديمقراطي وجه مذكرة  إلى هيئة الأمم المتحدة المجتمعة في باريس سنة 1948يؤكد لها فيها  تعلقه بمبادئ تعاون الشعوب الصغيرة والكبيرة من أجل تحقيق عالم سعيد راجيا  منها تحقيق المبادئ التي جاء بها ميثاق الاطلسي سنة  1941 وميثاق سان فرنسيسكو  سنة 1945  اللذان ينصان  على إزالة النظام الاستعماري ويضيف  المؤرخ  محفوظ قداش ان عباس استغل فرصة انعقاد مؤتمره سنة 1949ليوجه نداء إلى هيئة الأمم المتحدة لحفظ الحرية والسلم مذكرا إياه  بالالتزامات الدولية الملقاة على عاتقها في العمل من أجل تصفية الاستعمار .

 د- الاتجاه  الإصلاحي :

 وقد تمثل هذا التيار في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست سنة 1931 وقد  بذلت هي الأخرى  جهودا  مضنية في التعريف بالقضية الجزائرية و شرح واقعها في ضل الاحتلال الفرنسي بغرض تمكين أبناء المشرق العربي شعوبا وهيأت رسمية وشعبية من الوقوف على الحقيقة كماهي  وذلك من أجل تقديمهم للعون والمساعدة الممكنة لها  ،وهذا ما أكدته مساعي الشيخ الفضيل الورتلاني  الذي استقر بالقاهرة سنة 1938 وأسس بها العديد من الجمعيات التي استغلها للدفاع عن  تونس والمغرب والجزائر  بوجوب تحررها إضافة إلى  إلقاء الخطابات والمحاضرات والكتابة  في الصحف وإرسال المذكرات الى الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة  ،وحسب ما أشار له احمد طالب الإبراهيمي في كتابه آثار الإمام البشير الإبراهيمي  فإن الجمعية قد  تفاعلت مع الأحداث الدولية على سبيل المثال قضية اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد من خلال إرسال برقيات إلى الأمين العام للهيئة الأمم المتحدة يندد فيها بتلك الجريمة  وإرسال برقيات احتجاج  إلى رئيس الجمهورية الفرنسية تستنكر  فيها  نفي  الملك المغربي محمد الخامس ، ويضيف أحمد طالب  في مذكراته  “أحلام ومحن ” بأن الجمعية قد تفاعلت  مع القضايا العربية المعاصرة كمأساة الفلسطينيين ونددت بوحشية الاضطهاد الصهيوني عبر جريدتها ولسان حالها  البصائر ،ويضيف المؤرخ محمد العربي الزبيري أن  الشيخ البشير الإبراهيمي اغتنم  فرصة  مشاركته في شهر ديسمبر 1951  مع قادة التشكيلات الوطنية في الاتصال وتحسيس الوفود العربية والإسلامية التي تحضر أعمال هيئة الأمم المتحدة  بقضية الشعب الجزائري وقد كان  لتواجده  بمصر منذ  سنة  1952 دورا في التعريف بالقضية الجزائرية نتيجة للقائه بالعديد من الشخصيات المرموقة  مثمنا أهمية وجهود  دور الأشقاء العرب في دعم وتبني القضية الجزائرية.

و في الأخير ومما سبق ذكره نستنتج أن الدبلوماسية الجزائرية الممتدة من سنة 1830م الى سنة 1954م كانت  بمثابة الأرضية التي مهدت ،وسهلت عمل جبهة التحرير الوطني في تدويل القضية الجزائرية على الساحة الدولية منذ 1954الى 1962م.

Iـ دور الدبلوماسية الجزائرية أثناء الثورة التحريرية:

 مما لا شك فيه أنه كان للعمل الدبلوماسي إبان الثورة التحريرية دور هام إن لم نقل رئيسيا في استقلال البلاد. فقد ساهمت التحركات الحثيثة لأعضاء جبهة التحرير الوطني في بلوغ الهدف المنشود الذي اندلعت من أجله الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر 1954، ألى وهو استقلال الجزائر. وإذا كان قادة جبهة التحرير الوطني عند تأكيدهم على ضرورة الإعتماد بالدرجة الأولى على العمل المسلح، فإن الأمور تغيرت مباشرة بعد حوالي 3 سنوات من اندلاع الثورة المجيدة، حيث عرفت هذه السنوات، لاسيما بعد مؤتمر الصومام، تحركات دبلوماسية ركزت بالخصوص على:

ـ عزل العدو في الميدان الدبلوماسي

ـ ربح أصدقاء جدد في الداخل والخارج

ـ الحصول على مساعدات مادية ومعنوية

ـ تدعيم مؤسسات الدولة الجزائرية قصد الإعتراف بالنظام السياسي لها.

ـ الضغط المتواصل ومداهمة الإستعمار بإستعمال سياسة الإنهاك الإعلامي.

ـ تدويل القضية الجزائرية

ـ حمل المعاناة الجزائرية والمحن الداخلية إلى الخارج من أجل إبلاغ الرأي العام الدولي بالأعمال الشرسة التي كان الجيش الفرنسي يرتكبها في حق الشعب الجزائري.

والجدير بالذكر أن الوضع الدولي السائد آنذاك والمتميز في الحرب الباردة، ساهم كثيرا في العمل الدبلوماسي، لأن وجود قطبين رئيسيين في العالم في ذلك الوقت، جعلا الأمور ملائمة ومواتية للتحرك الدبلوماسي. ويمكن أن نقول أن المؤتمر الآفروآسياوي الذي انعقد في 17 أبريل 1955 بباندونق (أندونيسيا) كان بمثابة نقطة انطلاق وتحول رئيسية في كفاح الشعب الجزائري والدور السيساي لجبهة التحرير، خاصة وأنه اختتم بإصدار بيان تضامني مع الثورة الجزائرية في حربها الدائرة ضد الإستعمار الفرنسي.

والأكثر من هذا، يرى بعض الملاحظين والمحللين السياسيين أن التنظيم العسكري والسياسي وحتى الدبلوماسي الذي ميز جبهة التحرير وجيش التحرير بدأ بعد إنعقاد مؤتمر الصومام في 20 أغسطس 1956 على اعتبار أن المؤتمر أحدث تغييرات جذرية على هذا المستوى من خلال التقسيم الذي فرضه والذي بموجبه ضمت الولايات الثورية الست بعض ما كانت تسمى بالنواحي و المناطق و القسمات. وهذا ما سمح بتحقيق دفع إضافي للثورة إذ تم تحديد المهام بتسلسل ودقة سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الجانب ألمخابراتي والإتصالي فضلا على الجانب المتعلق بالتموين والإعلام والدعاية والتكوين إلى غير ذلك. كما تم تنصيب عدد من الهياكل بالجبهة من بينها "لجنة التنسيق والتنفيذ" (CCE)، حيث لعبت هذه الأخيرة في السنة الأولى من تنصيبها دور هيئة مهتمة بالشؤون الخارجية.

ومن هذا المنطلق، صارت الدبولماسية الجزائرية وعلى رأسها الإعلام تلعب دورا حساسا رئيسيا يتمثل في التصريحات التي كان يدلي بها ممثلو جبهة التحرير الوطني، وكذلك الندوات الصحفية التي يعقدونها في مختلف العواصم الأجنبية.

كما استغل ممثلو جبهة التحرير الوطني في الخارج وسائل الإعلام في البلدان الشقيقة والصديقة لإبراز الإنطلاقة والتعريف بالثورة الجزائرية وبأهدافها وأبعادها الحقيقية. فقد نظمت الجبهة برامج إذاعية بعنوان "صوت الجزائر" باللغة العربية تبث من الرباط وتطوان وطنجة بالمغرب الأقصى وأيضا من تونس والقاهرة.

وقد ظلت هذه البرامج تذاع حتى بعد إنشاء الإذاعة السرية للثورة في قلب الجزائر عام 1957. كما كانت هناك إذاعات للدول الصديقة تذيع أخبار الثورة الجزائرية بلغات متعددة وفي مقدمتها إذاعة بودابست (Budapest ) السرية التي كانت تذيع برامجها تحت عنوان: "صوت الإستقلال والحرية".

وقد خدمت هذه البرامج الإذاعية الثورة الجزائرية خير خدمة.

فكانت أداة فعالة لغرس روح النضال وتقوية الإيمان بالنصر ورفع معنويات الجماهير الجزائرية في الداخل والخارج وحشدها وراء الثورة، وكانت أيضا خير وسيلة لتمرير الدور الدبلوماسي لقادة الثورة الجزائرية.

كما دعمت جبهة التحرير الوطني جهازها الإعلامي بإصدار صحيفتي: "المجاهد" في سنة 1956 والمقاومة الجزائرية " في سنة 1955 والتي كانت لسان حال جبهة التحرير الجزائرية للدفاع عن شمال إفريقيا كلها.

هذا، وقد تمكنت المقاومة بفضل توجيهها من قبل القادة السياسيين والدبلوماسيين المحنكين في الداخل والخارج، في ظرف قصير، بالرغم من عملها الشاق والعسير أن تحقق رواجا وانتشارا كبيرا عبر كل الوسائل المتاحة لها من كتب، وشعر ومسرح، وسينما، وكذا النشرات التي أصبحت متواجدة عبر أنحاء العالم، ومنها من ترجمت إلى عدة لغات لإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بشرعية الثورة الجزائرية و عدالتها.

وكان ذلك، إن دل على شيء، فإنما كان يدل على إرادة قادة الجبهة في ضرورة الرد الفوري على أجهزة الإعلام الغربية المنحازة لوجهة النظر الفرنسي، كما كانت موجهة للشعب الفرنسي كذلك. وبفضل تلك النشاطات الثقافية والإعلامية والتحسيسية تمكنت قيادة الجبهة والجيش أن تقدم للرأي العام الدولي صورة متكاملة لكفاح الشعب الجزائري الشرعي وبسط الجرائم البشعة للإستعمار وحق الشعب في تقرير مصيره بنفسه. كما استطاعت الدبلوماسية الجزائرية آنذاك أن تدق أبواب أوروبا والأمم المتحدة بنيويورك، وأن تنتزع وتكسب حماس الشعوب وقناعتها بعدالة القضية الجزائرية.

ولعل أول انتصار دبلوماسي على المستوى الدولي بالنسبة لقيادي جبهة التحرير الوطني، كان إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الجلسة العاشرة للأمم المتحدة، وكان ذلك في 20 سبتمبر سنة 1957 وتزامن هذا الحادث مع إضراب التجار في الجزائر. كما مكنت هذه الواقعة بإسماع صوت الجزائر وإخراج المسألة من أيادي الفرنسيين الذين كانوا دائما يتخوفون من حدوث هذا النوع من المسائل الحرجة وإبرازها إلى العالم بحيث كانوا يروجون الى حلفائهم بأن القضية الجزائرية شأن داخلي فرنسي.

ولقد كان للدبلوماسية الجزائرية تأثير كبير في تحول المواقف التي كانت الأدارة الفرنسية تروج لها في شأن الذين أسمتهم "بالفلاقة" (الخارجين عن القانون) حيث عمدت في الأخير إلى إجراء أول لقاء سري مع محمد يزيد الذي كان يمثل الجبهة في الأمم المتحدة بنيويورك، وذلك في 21 يونيومن سنة 1956.

وقد ظهرت قوة الدبلوماسية الجزائرية إبان الحرب التحريرية في أول تحرك للهيئة الأممية بشأن القضية الجزائرية ،حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة لائحة في 15 أكتوبر 1957 تدعو فيها إلى إيجاد حل سلمي وديمقراطي للقضية الجزائرية التي صارت تشكل صداعا للعالم. وهو الأمر الذي دفع قادة الجبهة إلى التركيز على الخارج وربح معركة أخرى، معركة مواجهة الرأي العام الدولي، حيث أنه بعد شهر من لائحة الأمم المتحدة، خرجت لجنة التنسيق والتنفيذ التابعة لجبهة التحرير الوطني إلى الخارج قصد إعطاء بعث قوي للعمل الدبلوماسي.

كما ساهمت التقارير التي كانت تصدر وتنشر عن مختلف عمليات التعذيب والإبادة الجماعية الممارسة من قبل الجيش الوحشي الفرنسي في تجنيد المتطوعين في الخارج وتحسيس الرأي العام الدولي حول القضية الجزائرية سواء في الدول العربية الشقيقة أو الدول الصديقة.

وهكذا كانت سنة 1957 هي سنة الجزائر في الأمم المتحدة، فقد عرضت مرتين قضية الجزائر على الأمم المتحدة في الدورتين الحادية عشر والثانية عشر، واستمر طرح القضية بعد ذلك في كل دورة من دورات هيئة الأمم المتحدة وذلك نتيجة الكفاح السياسي والدبلوماسي الذي لعب، إن لم نقل الدور الأساسي، بل الدور الأهم في الكفاح لخدمة القضية الجزائرية وإظهار حقيقتها.

وكان عدد أنصار الجزائر المكافحة يتزايد في كل مرة، في حين كان موقف فرنسا يتزايد تقهقرا وحرجا حتى أمام حلفائها، الأمر الذي أرغم حلفاء فرنسا في النهاية إلى التخلي عنها، وكان للعزلة الدولية التي منيت بها فرنسا دورها في التأثير على السياسة الفرنسية التي وجدت نفسها مضطرة لإعادة النظر في مواقفها.