شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

البحرية الجزائرية

1- مقدمة:

لاشك ان القرن 17م هو العهد الذهبي للبحرية الجزائرية، إذ فرض حكام الجزائر هيبة الدولة من خلال الأسطول البحري الذي كانوا يملكونه، و كان الأسطول الأكثر أهميةً ورهبةً في دول حوض البحر المتوسطة كاملةً لم يكن تضاهيها بحرية دولة أخرى ، لا سيما أنه استطاع ان يفرض منطقه و قوته في الحوض الغربي للمتوسط امام تحولات دولية عميقة.أنشأت الجزائر بفضل بحارتها خلال القرن 18 نظامًا للملاحة فى البحر المتوسط يضمن أمن الدولة الجزائرية خاصة و ضامنا لأمن التجارة الدولية، 

2- عوامل قوة الأسطول الجزائري: 

بدأ تكوين الاسطول البحري بداية من سنة 1518م ببعض القطع البحرية التي جاء بها الاخوة بربروس . وتعد هذه القطع البحرية النواة الاولى التي تكون منها الاسطول البحري الجزائري ثم تطور ليصبح سيد البحر المتوسط لمدة ثلاث قرون. وقد ساهمت عدة عوامل في نشأته منها:

  • طبيعة الموقع الجغرافي و الجيواستراتيجي للجزائر على اعتباره موقعا يقع ضمن منطقة تماس حضاري بين نموذجين للحضارة ،الغربية المسيحية في شمال حوض المتوسط و الإسلامية في جنوبه،و هذا ما يفسر الاصطدامات البحرية العنيفة بين الأطراف المشكلة لهذا الفضاء.و لعل هذا ما جعل الجزائر تعرف بدار الجهاد.
  • تدعيم صفوف البحرية الجزائرية بأفراد أوربيين معروفين تاريخيا بتسمية الأعلاج، حيث وصل عددهم إلى مراتب قيادية متقدمة بعد اعتناقهم الدين الإسلامي وارتباطهم القوي بالجزائر رغم اختلاف أصولهم حيث نجد من بينهم: الإغريق، الإسبان، المايورقيون، المايوليتانيون، الكركسيون، السردانيون، الفرنسيون، الانجليز، والهولنديون. 
  • الخبرة العسكرية وخاصة في مجال الملاحة البحرية التي اشتهر بها الجزائريون منذ عهد الدولة الموحدية،و التي تناقلوها أبا عن جد.

3- صناعة السفن:

توزعت مراكز بناء السفن على معظم المدن  الساحلية المجاورة للغابات لتوفير الخشب كجيجل والقل وبجاية ...اما المراسي التي اتخذوها قواعد الانطلاق ضد القراصنة الاوروبيين امتدت على طول الشريط الساحلي من جربة بتونس حتى مستغانم بالجزائر  وكان الاسطول الجزائري يتكون من القطع التالية:

یتكون الأسطول البحري من قطع بحریة كالسفن والمراكب الضخمة منھا: دیك الحصن، الجناح الأخضر والتي تتكون من طاقم بشري یتفاوت عدد أفراده حسب حجم السفينة منهم قائد السفينة ونائبان، ومفتش المركب، وضابط المدفعية، وضابط الأشرعة وغیرهم، إضافة إلى جنود المركب، وكانت تصنع في الجزائر.


4- دور البحرية الجزائرية:

لعبت البحرية دورا كبير على الصعيدين الداخلي والخارجي تمثل في:

أ-على الصعيد الداخلي:

  •  حماية سواحل وموانئ الجزائر
  •  صد الحملات المسيحية المتكررة على السواحل الجزائرية
  •  تحرير المدن الساحلية اخرها المرسى الكبير سنة 1792م
  •  المساهمة في الرخاء الاقتصادي للجزائر بفضل اغناء خزينة الدولة بالإتاوات والغنائم

ب- على الصعيد الخارجي:

  •  تقديم الدعم العسكري للدولة العثمانية مثل معركة ليبانت سنة 1571م باليونان ومعركة نافرين 1827م...
  •  مساعدة وحماية مهاجري الاندلس من الاضطهاد الصليبي
  •  حماية السفن والتجارة الدولية في حوض المتوسط مقابل اتاوات
  •  اكسب الجزائر مكانة دولية وجعل كل الدول تتودد لربط علاقات معها. 

5- رتب ونظام البحرية: 

 لقد كان للطائفة الرياس كأي مؤسسة بحرية وقتذاك رتب وطريقة للترقية، حيث لكل سفينة من سفن أسطول دار الجهاد طاقم معين من الرجال قد يكون كبير وقد يكون صغير ويتألف عادة مما يلي:

  • القبطان رايس: هو قائد السفينة
  • الباش رايس: وهو نائب قائد السفينة ومساعده الأول، وتنحصر مهامه في توزيع المهام على البحارة، والسهر على الانضباط داخل السفينة. 
  • موصو رايس: وهو نائب ثاني لقائد السفينة. 
  • رايس العسة أو الورديان: وهو مفتش المركب والمشرف على صيانته والعناية به.
  • باش طبجي: وهو ضابط المدفعية في المركب يشرف على صيانة المدافع واستعمالها في الحرب.
  • باش دومانجي: وهو ضابط الأشرعة في المركب يشرف على كيفية استعمالها. 
  • الخوجة: وهو كاتب السفينة ويعمل كمحاسب وموثق إذ يسجل المداخيل ومصاريف السفينة في دفتر خاص ويجرد الغنائم. 
  • الخزناجي: وهو محافظ خزينة الذخيرة الحربية والأموال اللازمة للصرف والأغذية.
  • باش جراح: هو الطبيب الجراح الذي يرافق المركب لمعالجة المرضى والمعطوبين خلال السفر والمعارك.
  • باش الطريق: وهو رئيس فرقة الإنكشاريين المرافقين للمركب، ومهمته الإشراف على المجذفين والهجوم على مراكب الأعداء خلال المعارك والمواجهات ويبقى المجدفون مربوطون إلى أماكنهم ولا يتحركون أثناء عملية التجذيف باستثناء الباشا. 
  • الأغا: لا ندري رتبته ولكنه ضابط ذو رتبة عالية على كل حال.
  • الإمام: ومهمته تلاوة القرآن الكريم، إمامة البحارة في الصلاة والدعاء لهم بالربح خلال المعارك وهذا دليل على تمسك البحارة بالدين الإسلامي وتأصل الروح الدينية فيهم.
  • قلفاط: مسؤول على دهن المراكب بالقطران حتى لا تتشقق وتتكسر، فتدخل إليه المياه.
  • الصندال رايس: هو المسؤول على معدات القارب أو السفينة. 

ولم تكن طائفة الرياس بحارة عاديين بشهادة المؤرخين المسلمين، ومنه ما نقله لنا السفير التمقروتي أثناء إقامته بمدينة الجزائر سنة 1584 حيث يقول: " ورياس الجزائر موصفون بالشجاعة وقوة الجأش ونفوذ البصيرة في البحر يقهرون النصارى في بلادهم، فهم أفضل من رياس القسطنطينية بكثير وأعظم هيبة وأكثر رعبا في قلوب العدو". 

6- معارك الاسطول البحري:

خاضت البحرية الجزائرية على مدار 3 قرون مجموعة من المعارك، كان النصر حليفها في معظمها، فيما خسرت بعضها، لكنها حتى في الخسارة لم تفقد تأثيرها الإقليمي، إذ كانت تستعيد توازنها سريعًا وتعاود الانخراط في ساحة المواجهات حماية للسواحل الجنوبية للمتوسط.

   خلال الفترة بين 1563 و1571، وتحديدًا في عهد كل من البايلرباي حسن باشا وعلج علي، شنت البحرية الجزائرية هجمات عنيفة على البحرية الصليبية، كما ساعدت المورسكيين في الفرار من محاكم التفتيش الإسبانية وتوفير الحماية لهم في عرض البحر.

   سيطر البحارة الجزائريون على البحر المتوسط لقرابة 3 قرون ، فقد كان هدفهم الأسمى التصدي للصليبيين، من بين المعارك التي خاضتها البحرية الجزائرية، معركتهم مع الإنجليز والهولنديين سنة 1618، إذ تمكن الأسطول الجزائري من دحر الهجوم المزدوج للإنجليز والهولنديين على السواحل الجزائرية، وتكبيد المعتدين خسارة كبرى، ومن أبرز القادة البحريين الذين خاضوا المعارك: علي بتشين ومامي أرناؤط وجعفر جنويز.

 إلى جانب ذلك شارك البحارة الجزائريون في معظم الحروب البحرية التي خاضتها البحرية العثمانية ضد الدول الأوروبية، كما شاركوا في محاصرة واحتلال الجزر التي كان الصليبيون يسيطرون عليها، وتحرير أراضي المسلمين مثل تونس وطرابلس الغرب.

يذكر المؤرخ الجزائري حنيفي هلايلي في كتابه بنية الجيش الجزائري في العهد العثماني بأن مهارة البحارة الجزائريين وكفاءتهم الحربية ومقدرتهم القتالية العالية هي التي مكنتهم من تحقيق انتصارات حاسمة، فبفضل هؤلاء الرياس أضحت البحرية الجزائرية مدرسة رائدة للبحرية الإسلامية في العهد العثماني.

5- جهاد بحري لا قرصنة

يصف العديد من المؤرخين الغربيين بحارة الجزائر بـ"القراصنة"، وذلك للتقليل من شأنهم والحط من بطولاتهم وإنجازاتهم التي خلّدها التاريخ طيلة نحو 3 قرون متتالية، لكن بحثًا صغيرًا يؤكّد لنا أننا كنا أمام مجاهدين وليس قراصنة، يمتهنون الجهاد البحري وليس القرصنة، فقد كانت الجزائر بمثابة سيف الإسلام المسلط على الإمبراطوريات الصليبية بالجزء الغربي للبحر المتوسط.

في هذا الخصوص، يقول المؤرخ الأمريكي وليام سبنسر: "مدينة الجزائر كعاصمة لدولة مستقرة وقوية في شمال إفريقيا قد مثلت طرف القوة الإسلامية العثمانية القاطع والمنهمك في المقارعة الصليبية ضد المسيحية، كالشفرة الحادة المدفوعة بعمق في التراب المسيحي".

كان الهدف من الجهاد البحري، تارة الدفاع عن النفس والتصدي للقراصنة الصليبيين ومظهرًا من مظاهر الرفض الرسمي للهيمنة الأوروبية وتهديداتها، وتارة فتح مناطق جديدة ونصرة المسلمين المستضعفين مرة أخرى.

سيطر البحارة الجزائريون على البحر المتوسط لقرابة 3 قرون لدوافع دينية فقد كان هدفهم الأسمى التصدي للصليبيين الطامعين في أرض المسلمين جنوب المتوسط بعد تمكنهم من الأندلسيين، وبالفعل تمكنوا من ذلك وفرضوا قوتهم على أقوى الدول والإمبراطوريات حتى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي سنتحدث عنه في تقرير قادم ضمن ملف الجزائر العثمانية.

والحقيقة ان كل الأمم والدول مارست القرصنة ضد بعضها البعض في الفترة ما قبل 1830، ولذلك فكما كانت القرصنة البحرية مؤسسة قانونية قائمة بحد ذاتها في الدول الأوروبية. فالجهاد البحري كان شأنه كذلك في الجزائر، حيث كان ما يطلق عليه بالقرصنة أو الجهاد البحري ويعتبر: " صنعة، كما اعتبر المستثمرون في نظام القرصنة أنفسهم موظفين، وليسوا سراقا، أو هاربين أو قطاعا للطرق، فعملهم كان معترفا به في الإيالة الجزائرية مثلما كان يعترف بالصنائع الأخرى، كالدباغة، والصياغة، أو الصناعة الخزفية والخبازة، أي أنها حرفة شأنها شأن الحرف الأخرى "

اان أسباب الجهاد البحري الجزائري تعود بالأساس إلى العدوان الإسباني والبرتغالي على سواحل الجزائر. وعليه فالمعركة البحرية قد فرضت على الجزائريين فرضا ولم يكن لهم من خيار سوى الدفاع عن أوطانهم وعن أعراضهم وأموالهم وأبنائهم وبناتهم. وزيادة على هذا فهم قد أرادوا أي الغزاة الإسبان منهم على وجه الخصوص، التوغل نحو العمق الجزائري أي صوب دواخل الجزائر وعليه فطبيعة المعركة هي من فرضت نوع الجهاد الممارس من قبل الجزائريين، فلو كانت المعركة على البر لكانت معركة برية، كما هو الحال مع المستعمر الفرنسي الغاشم فيما بعد. ولكن المعركة وطوال الحقبة العثمانية كانت معركة بحرية الطابع، وهذا لكون الجزائر وكما جاء في كتاب الجزائر في عهد رياس البحر كانت تمثل حصنا إسلاميا في مواجهة عالم مسيحي معاد، فكانت أولى أولوياتهم تدمير قوتها البحرية تمهيدا لغزو برها في مرحلة لاحقة.

إنه لمن حق البحرية الجزائرية أن تدافع على ذاتها وتحمي سواحلها ورعاياها من شر مشاريعهم تلك. وماذا كنا سننتظر منها وسيل الحملات العدوانية لا ينقطع على مختلف مدن الساحل الجزائري. وهل كنا ننتظر منها أن ترحب بالغزاة كما هو الحال في العام 1531 م تاريخ محاولة احتلال شرشال من قبل الإسبان وهذا انطلاقا من جنوة الإيطالية. وبعد هذا يسمون دفاع الجزائريين عن أنفسهم والمشروع قرصنة ولصوصية بحرية.

وما قام به الجزائريون كان جزء من الحرب الدولية الدائرة في حوض المتوسط والمحيطين الأطلسي والهندي بين القوى المسيحية من جهة وعلى رأسها البرتغال وإسبانيا وبين الدولة العثمانية والجزائر من جهة أخرى. وبالتالي علينا أن نضع ما قام به الجزائريون في خانة الجهاد و المرابطة في الإسلام ،وننفي عن البحرية الجزائرية اباطيل الاوربيين ووصفها باللصوصية كما تدعيه المدرسة الاستعمارية ،لتجد مبررا لغزو الجزائر بدعوى محاربة القرصنة.