شارك على لينكد ان
شارك على واتساب
شارك على تلغرام
الطباعة

المعالم الجنائزية


  منذ أن ظهر الانسان على هذه الأرض وهو ما فتئ يقدم الإنجاز تلو الآخر دلالة على تطور فكره، وقد مر في تاريخه بعدة مراحل أهم ما يمكن استخلاصه منها أن نشاطه فيها كان يتطور من مرحلة إلى أخرى نحو الأحسن ، وتعتبر مرحلة فجر التاريخ واحدة من أهم مراحل تطور الإنسان من حيث المنجزات الحضارية. 

   وقد استعمل الإنسان في شمال إفريقيا القبور لدفن موتاه، منذ عصور ما قبل التاريخ،  إلا أن ممارسته للطقوس الجنائزية لم تكن معروفة في بدايتها، ذلك لأن البقايا المادية التي عثر عليها في شمال إفريقيا لإنسان نياندرتال لا تعطينا فكرة  واضحة على طقوس الدفن، ولم تظهر معالم القبور الجنائزية إلا مع بدايات العصر الحجري الحديث. وهناك إشارات تدل على أن بقايا العظام الانسانية التي وجدت في هذه المقابر كانت تغطيها الحجارة والأتربة المختلطة بالرماد، كما أن وضعيات بعض الهياكل العظمية البشرية التي وجدت في الملاجئ وبعضها عليها آثار اللون الأحمر كشفت للباحثين عن ممارسة بعض طقوس الدفن المستمدة من معتقدات هذا الإنسان ، وأن وضع الموتي في قبور خارج الكهوف السكنية يعبر عن الرغبة الملحة في الفصل بين الأحياء والأموات،  ويشير هذا السلوك أيضا في دفن الموتي  إلى  التطور الفكري الذي حازه الإنسان في فترة فجر التاريخ، كما اعتبره المختصون مؤشرا على بداية فجر التاريخ في شمال إفريقيا.  

      وتعد المدافن الحجرية الكبيرة أو ما يعرف بالقبور الميجاليتية من أهم مميزات مرحلة فجر التاريخ التي يعيد بعض الباحثين بداياتها في شمال إفريقيا إلى النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد . 

   لقد تصادفت أولى البحوث التي تناولت  فجر التاريخ  في الجزائر مع مطلع القرن العشرين، وقد شهدت الجزائر طفرة كبيرة من الدراسات والتنقيبات خصت بها هذه الفترة، ونتيجة لهذا الكم الهائل من البحوث ، فإن أهم ما ترتب عنها من المظاهر الحضارية بروز القبور الميجاليتية بصورة ملحوظة، ونظرا لكثرة عددها وتنوعها وتناثرها في مختلف مناطق الجزائر، فقد ميز بينها المختصون وصنفوها تحت مسميات عديدة اعتمادا على شكلها الهندسي ومناطق انتشارها الجغرافي وطبيعة كل صنف. ومن اهم هذه التسميات نذكر: التيميلوس، والبازينات، والشوشة، والدولمن، والحوانيت.

 

قبور التيميلوس (Tumulus): 

     يعرف هذا المدفن تحت تسميات أخرى  مشتقة من لهجات محلية لأهل البوادي والأرياف ورسخها الباحثون منها الكركور الذي عرف به في الغرب الجزائري ، والرجم في الشرق الجزائري. 

    إن أهم ما يميز هذا البناء شكله المخروطي الذي يغطي ما اصطلح على تسميته بغرفة الدفن وهي حفرة قاعدتها دائرية يتراوح قطرها ما بين 5 إلى 150 متر تخصص للدفن حيث وجدت بها بقايا عظام بشرية يغطيها ركام كبير من الاتربة والحجارة، ويعتبر هذا الطراز من المدافن هو السائد في بلاد المغرب القديم وتتشارك معه بقية المدافن في شكله الهندسي ، ولم يقتصر وجوده على المناطق الشمالية فحسب بل وجدت له آثار في مجال جغرافي امتد ليشمل المناطق الصحراوية حتى النيجر جنوبا، ومن جزر البليار غربا حتي وادي النيل شرقا. وقد قسمه الباحثون إلى ثلاثة أصناف:

1ــــــ صنف يفتقر إلى غرفة جنائزية3 ــــــ صنف يحتوي على تابوت حجري:

Tumulus           نموذج من قبور التيميلوس من الطاسيلي ناجر ( حوالي 5500 سنة )




:

      البزينة مصطلح أطلقه الباحثون على نوع من المدافن الحجرية تعلوها بنايات من الحجارة وأحيانا مكونة من الحجارة والأتربة مستديرة الشكل أو مدرجة على شكل دوائر متتالية يتقلص قطرها كلما ارتفع البناء، ويشبه مظهرها الخارجي شكل قوقعة الحلزون، فهي عموما تشبه مدافن التيميلوس ذلك أنه يمكن أن تحتوي مثلها مثل التيميلوس على حفرة للدفن أو تابوتا حجريا، والاستثناء الوحيد يكمن في الممر المؤدي إلى غرفة الدفن الشيء الذي لا نجده في المدافن من نوع التيميلوس، ويتقدم قبور البزينة من الناحية الشرقية مساحة خارجية مبلطة تجهل استخداماتها، وقد استعمل هذا الطراز من القبور لمدة زمنية طويلة في التاريخ النوميدي وممالك المور. 

وقبور البزينة شأنها شأن قبور التيميلوس أثبتت الدراسات أنها أنواع حصرها المختصون في خمسة أصناف:

      لقد كشفت الدراسات  على العديد من نماذج القبور من نوع البزينة المقببة التي قام بدراستها الباحثان جولي وروفو بمنطقة الأوراس، ويمتد مجال انتشارها  من منطقة المرتفعات الوسطى للجزائر إلى وادي جدي ببسكرة بما في ذلك منطقة جبال الأوراس.

 

بزينة ذات قباب من موقع بونوارة

   إن أهم ما يميز هذا النوع من قبور البزينة كبر حجمها واتساعها حيث يتربع بعضها على مساحة تقدر بستة أمتار، ويشير الباحثون إلى وجود هذا النوع بكثرة في الشرق الجزائري، وتحديدا في النطاق الجغرافي الممتد من مدينة قسنطينة إلى الحدود التونسية حيث وجدت لها نماذج عديدة في جبل مستيري بتبسة،  وبإشوكان، والأوراس، وتعد قبور بونوارة من أحسن أنواع قبور البزينة المدرجة.

   بزينة مدرجة من جبل مستيري                              إن هذا النوع على خلاف سابقيه ينتشر بكثرة على الأطراف الشمالية للصحراء، وقد وجدت له نماذج في جبل مستيري بتبسة، وعين الصفراء، وجنان بورزق، وأولاد جلال. وتعد نماذج مقبرة عين الحمارة بأولاد جلال من أحسن نماذج هذا النوع. أما من الناحية الهندسية فيتميز بقاعدته الأسطوانية الشكل، وكان يزود في بعض الأحيان بممر مبلط يوصل إلى الداخل وإن كانت الأغراض التي أنشئ من أجلها هذا الممر مجهولة.

بزينة ذات قاعدة اسطوانية من موقع عين الحمارة ( أولاد جلال)

 

              https://lh6.googleusercontent.com/_X9x3TClsO_LZpttF98p5HI88Vl92CZfUCBNm8mVccAbk0jgemZguXmUkxE6Csn8XLyb6oa4tdk792V6tVo_-0yvr-HYqDCldxhUv5Gc9FEut67xT61hCAqqMjsh1mcX4xXYZVgWR0QbcvrBLtF7mQ                          بزينة ذات قبور متعددة من موقعي تديس وسيجوس

     أطلق عليها هذه التسمية الأستاذ محمد حسين فنطر انطلاقا من تطور طرائق البناء فيها، وجودة أساليب الزخرفة التي تكسو بعض جوانب عمارتها، ومن أبرز نماذج هذا الصنف الضريح الموريتاني بسيدي راشد الذي يقع على الطريق الرابط بين الجزائر العاصمة ومدينة تيبازا، وضريح إ https://lh6.googleusercontent.com/8kJW1mvACvpUJrklOFYVa7K0Kwq8sHjPAWHfZro3LFunnBV-Uk-pt_SGAGf2Tko5NsUPjybF7ZzOHQXPXxOv8DKd6-u7ePqoFmhUA3o2Rvd614Nu4JEl7hbUd28fGCcaPHV4FJt347SbC3hnZaZiDw

Plan Gsell 1901.

Plan Christofle, 1951

évaluations

                    الضريح الموريتاني

 

وهي طراز آخر من القبور الحجرية التي ظهرت في بلاد المغرب القديم أثناء فترة فجر التاريخ، أما بالنسبة لتسمية هذه القبور بالششية فهو مصطلح مشتق من الششية أي القبعة باللهجة المحلية التي تضعها الساكنة المحلية على رؤوسهم لتشابه الشكل العام لهذا النوع من القبور مع شكل القبعة(الششية)، فهو برج جنائزي صغير مستدير الشكل تعلوه صخرة على شكل بلاطة، جدرانه مبنية بعناية وإحكام ما زاد في متانتها، ومتوسط ارتفاعه يتراوح ما بين اثنين إلى ثلاثة أمتار. وينتشر مثل هذا النوع من المدافن بصورة ملحوظة في إقليمي الأوراس والحضنة، ويعود اكتشافها ودراستها إلى سنة 1859م علي يد الضابط الفرنسي بيان(Payen) الذي قام بحفريات شملت ستين قبرا في موقع الرميلة، تبعتها حفريات أخرى في منطقة جبال الأوراس وجبل بودريسن. وقد اسفرت هذه الدراسات على تصنيف هذه المدافن إلى ثلاثة أنواع تبعا لشكها وطريقة الدفن وعدد القبور في المدفن الواحد.

  يبرز هذا النوع من المدافن على شكل هندسي مستطيل أو مربع، مساحته ضيقة جعلت الميت يدفن مطويا على شكل جلسة القرفصاء ومن المتعذر دفنه ممدودا، وقد أثبتت هذه الوضعية الحفريات التي أجريت في مواقع الحضنة وبودريسن وإشوكان حتي أن بعض الجثث وجدت أقدامها مثنية إلى أن لامست رأس الميت. وتشبه قبور الشوشة قبور البزينة من حيث احتوائها على ممر، غير أنه يكون متدرجا في قبور الشوشة ويفتح إلى الجهة الجنوبية أو الشرقية،  ويوصل هذا الممر إلى غرفة الدفن التي تكون في الغالب مستطيلة وأحيانا مربعة تقع أسفل البرج يمكن للداخل إلى الغرفة الجنائزية أن يسلكه دون عناء لارتفاع سقفه المتدرج.

إن أهم ما يميز هذا النوع ندرته حيث لم يعثر له المنقبون على نماذج كثيرة، وأن النزر اليسير من هذا الصنف وجد في منطقة الحضنة، والملاحظ أن هذا المدفن  دلت عليه تسميته لم يقتصر على قبر واحد بل ضم المدفن عدة قبور يغطي كل قبر بلاطة من الحجر، ما يفسر أنه استعمل عدة مرات في الدفن.

 

الشوشة متعددة القبور من موقع أولاد حنش

 

       يظم الموقع عدة أنواع من المدافن إلى جانب بعضها البعض، منها ما يشبه في شكله العام هندسة الضريح الملكي إمدغاسن الذي لا يبعد عنها إلا بـنحو 32 كلم غربا. ويتربع هذا الموقع المستكشف على مساحة تقدر بحوالي سبعة هكتارات ويضم مجموعة من مدافن الشوشة ذات الغرفة الجنائزية الدائرية الشكل يتراوح قطرها ما بين 6 إلى 8 م، بينما يتحدث المهتمون على حوالي مائة هكتار تمثل المساحة الإجمالية للموقع مازالت آثارها تحت التراب ولم تستكشف بعد، والشيء الملاحظ على طريقة الدفن أن جثامين الموتى كانت موجهة نحو الشرق.

https://lh5.googleusercontent.com/ASF1Sa5ScSNcBmpD4Wty2Et6jyTLS0R3QNlE_8D926W5naJrCsN5202xWfkk8D6gl6YJ_ns4B5LQZAhaSLIwJ3zQUh-97IWsSFnegkCHCWNh5vxw8C4smwxKlhTK2PJURatfeN8dLbr19IfTJZixEg

GM

نموذج من قبور الدولمن من موقع الركنية( قالمة)

نموذج من قبور الدولمن من موقع بونوارة

نموذج من قبور الدولمن من موقع آيت الرهونه (بجاية)

     الحوانيت جمع مفرده حانوت وهو مصطلح محلي يقصد به محل بيع المواد الغذائية، وقد أطلقه سكان منطقة الركنية بولاية قالمة على هذا النوع من المدافن المغاربية المحفورة في الصخور والمنحدرات الجبلية بطريقة أفقية وأحيانا عمودية، ربما لتشابه هذه المدافن مع  المتاجر في القرى والمداشر الجزائرية . 

       إن أهم ما يميز هذه المدافن حجمها الصغير ومداخلها الضيقة والعمودية في نفس الوقت، ترتفع قليلا على أرضية الغرفة مما يجعلها تشبه الشبابيك، وتتراوح مقاساتها ما بين 0,50 م إلى 0,80 م، وتغلق بإحكام بواسطة ألواح حجرية أو خشبية كما يستدل من الحزوز التي حفرت على حافة الفتحة. ولنا في حوانيت موقع قصطل بولاية تبسة أحسن دليل على ذلك، كما يؤكد هذه الظاهرة  أيضا مداخل حوانيت موقع الركنية حيث يلاحظ على حواف مداخلها أعمال صقل تمت بإتقان تسهل من عملية وضع الألواح التي تسد بها المداخل من الخارج. ويجدر التنويه هنا إلى غياب جميع أبواب هذه المدافن وهذا ربما راجع إلى كونها صنعت من الخشب.

Kerdranvat

                          نموذج لقبور الحوانيت بالركنية