مقاومة بني مناصر
1- مقدمة
على غرار المقاومات والانتفاضات و الثورات الشعبية التي ميزت القرن التاسع عشر وشملت مناطق عدة من التراب الجزائر، كانت مقاومة بني مناصر في مليانة و شرشال مابين 14 جويلية و21 أوت 1871 حلقة من حلقات سلسلة هذه الثورات، وقد كانت وراءها أسباب وظروف على غرار كل الثورات الأخرى السابقة، وإن كانت هذه الأسباب في معظمها متقاربة فإنها متشابهة إلى حد كبير.
2- أسباب مقاومة بني مناصر
من أهم الأسباب الجوهرية التي كانت وراء اندلاع الثورة سياسة الاستعمار الفرنسي القائمة على الظلم والقهر والاستبداد، واغتصاب الممتلكات الخاصة والعامة إلى جانب اعتماد السلطات الاستعمارية سياسة فرق تسد من خلال استمالة بعض العائلات إليها وتوكيلها مهمة رعاية مصالحها على حساب أغلبية السكان.
استطاعت السلطات الاستعمارية في هذه المنطقة خلق صراع وهمي بين عائلتين جزائريتين هما عائلة إبراهيم بن محمد السعيد الغبريني، وكانت إحدى العائلات التي تعاونت مع سلطات الاحتلال منذ البداية، و حملت السلاح معها ضد باي التيطري و الباي بومزراق، أما العائلة الثانية هي عائلة البركاني التي كان مقرها مليانة كان على رأسها الشيخ مالك بن الصحراوي البركاني أبن أخ محمد بن عيسي البركاني خليفة الأمير عبد القادر علىالتيطري، وبناءً على سياسة فرنسا دخلت العائلات في صراع دموي خاصة وأن عائلة البركاني كانت تحكم جزءً من بني مناصر الشراقة وهذا ما لم ترض به عائلة الغبريني.
يضاف إلى هذا تذمر سكان شرشال ومليانة من السياسة الاستعمارية التي كانت قائمة على جمع الضرائب بالقوة وإنهاك كاهل السكان والمساس بمقدساتهم الدينية .
3-مراحل مقاومة بني مناصر
بدأت الشرارة الأولى للمقاومة في 30 أفريل 1871 عندما لجأت السلطات الاستعمارية إلى استفزاز السكان، حيث أمرت القياد الموالين لها بجمع الضرائب غير آبهة بأوضاع السكان المزرية، وقد رفض السكان ذلك بضرب أعوان الاستعمار بالحجارة وطردهم.
أ. المرحلة الأولى :
رأى شيوخ بني مناصر أنه من الضروري عقد اجتماع طارئ للوقوف على الأوضاع التي آلت إليها المنطقة جراء السياسة الفرنسية منها الإجتماعية و الاقتصادية و كان يوم 6 ماي1871 اليوم المحدد للاجتماع في قبة الولي الصالح سيدي احمد بن يوسف قرب منطقة سوق الحد ، و انتهى الاجتماع بأن تكون المرحلة الأولى قتل القياد الموالين لفرنسا واستقر المجتمعون على رأي واحد هو ضرورة قطع دابر المولود الحبوشي الذي أُعتبر اليد الفاعلة لفرنسا في المنطقة.
لكنها تخوفت من رد فعل السكان لذا عملت على استقالة من منصبه وعوضته بالسيد محمد السعيد الغبريني في 20 ماي 1871 الذي كان ضمن قائمة التصفيات التي توصل إليها المجتمعون في 6 ماي 1871، و قد أثار تعيينه سخط وغضب السكان الذين اجتمع شيوخهم مرة أخرى في 28 و 29 جوان 1871 و اتفقوا على قتل السعيد الغبريني، لكن تدخل رئيس المكتب العربي السيد فارلود VARLOUD حال دون ذلك بتعيين قائد جديد عليهم هو بن المولود عبدي .و قد تم رفضه كذلك لكونه لاينتمي إلى منطقة بني مناصرة ، لكن الحاكم العام دي قيدون أصر على قراره في تعيين بن المولود مما زاد في سخط السكان ضد هذه السياسة.
ب. المرحلة الثانية :
لقد سئم سكان بني مناصر من سياسة الحاكم العام دي قيدون لتأتي مرحلة الحسم في إعلان الجهاد ذلك في 13 جويلية 1871 وكانت الانطلاقة من منطقة سوق الحد حيث بدأ الزحف على القرى والمداشر وبدأت معه التعبئة الشعبية، وسرعان ما قام كل من بن المولود عبيدي والسعيد الغبريني بإخبار السلطات الاستعمارية بهذا التحرك الشعبي وبما جرى في الاجتماع الذي اتخذ فيه قرار الثورة، وهو ما جعل السلطات الفرنسية تسارع إلى إتخاد التدابير لمواجهة ذلك.
ج. المرحلة الثالثة :
كان لزاماً على وجهاء بني مناصر وشيوخها إتخاد الإجراءات بأسرع وقت ممكن حتى لا تفلت الأمور من أيديهم وتعطى الفرصة لسلطات الاحتلال للقضاء على الثورة في المهد لذلك اتفقوا على تعيين الشيخ مالك البركاني قائدا عليهم بعد تأكد خيانة كل من الغبريني وبن المولود، وقد أطلقوا عليه اسم آغا المجاهدين وقد تم توزيع قواتهم إلى ثلاث فرق على النحو التالي :
- الفرقة الرئيسية بقيادة مالك البركاني يساعده أخوه إبراهيم وكذلك مصطفى بن عبد المالك ومحمد أو جلول، وقد كلفت بالتوجه إلى شرشال مقر السلطة الحاكمة ومهاجمتها.
- الفرقة الثانية : هي فرقة بني مناصر الشراقة، وقد أوكلت مهمة قيادتها إلى علي بن أحمد أو كرجوج وهو صديق للبركاني، وكان أحد قادة هذه الثورة البارزين حيث كلف بالتوجه بفرقته إلى منطقة زوريخ.
- الفرقة الثالثة : هي فرقة بني مناصر الغرابة وأوكلت قيادتها إلى أحمد أودادي يساعده رؤساء الدواوير والمداشر وكانت وجهة الهجوم هي منطقة نوفي.
وما ميز هذه المرحلة كذلك هي المراسلات التي وجهها مالك البركاني قائد هذه الثورة إلى العديد من المناطق المجاورة يحثهم فيها على الجهاد ضد الكفار وقد إنضم إليه كل من قدور بن المبارك من القليعة وعبد القادر بن المختار من مليانة وهما شخصيتان قويتان بانضمامها زاد الثورة قوة وصلابة مما سمح للمجاهدين القيام بهجومات كبيرة على العدو والمتعاونين معه في 17 جويلية 1871 حيث واجهوا قوة عسكرية بقيادة القبطان فارلود في منطقة نوفي، ومنها توجه إلى حجوط وقاموا بإضرام النار في فندق حمام ريغه. وقضوا على عدد من الفرنسيين، و أمام تطور أحداث الثورات وزيادة لهيبها اضطرت السلطات الفرنسية إلى زيادة إرسال قوات إضافية من القليعة بقيادة العقيد دوزاندر DESANDRE لكن هذه التعزيزات لم تثن من عزيمة المجاهدين بقيادة البركاني حيث تمكنوا من نشر الثورة في منطقة حجوط و وصلوا إلى مشارف العاصمة، وفي هذه المرحلة حققت الثورة عدة انتصارات على الفرنسيين وأعوانهم، ففي 32 جويلية تم قتل عدد من المعمرين وحرق مصانعهم منها رحى للحبوب ومعملا لعصر الزيتون إلى جانب حرق مزارع المعمرين وبساتينهم التي أقاموها على كاهل السكان. وشهد يوم 25 جويلية 1871 هجوم المجاهدين على قوة عسكرية ووقعت معركة وادي بلاغ قرب جبل شنوة حققوا فيها انتصارا كما تمكنوا من قطع الماء على مدينة شرشال اخرقوا بعض مزارع المعمرين منها مزرعة نيكولا .
4-نتائج مقاومة بني مناصر
لقد تيقنت السلطات الفرنسية أن مواجهة هذه الثورة لايمكن أن يتم إلا بتكثيف قواتها العسكرية لذلك أمرت قادة جيوشها البرية والبحرية بمهاجمة مناطق الثورة، وقد جاءت من مليانة والعاصمة وبجاية بقيادة الضابط بونسار PONSARK كما توجهت قوات فرنسية بقيادة الضايط بوسكي تدعمه الطرادات لافيسوو كليبر وديزكس LAVISO - KLEBER - DESAX وقد نتج عن هذه القوة غير المتكافئة مايلي:
- سقوط القائد مالك البركاني شهيدا في 2 أوت 1871 في معركة قرب منطقة زوريخ.
- تهديم زاوية البركاني في مليانة.
- تولي أخاه إبراهيم زعامة الثورة ومواصلتها بقيام عدة معارك ما بين 19 و 20 أوت.
- استسلم في 21 أوت 1871 لتنتهي الثورة.
- تعرض العائلات الثورية إلى عقوبات صارمة منها مصادرة أراضيهم وتدمير منازلهم وحرق أملاكهم ومحاكمة العديد منهم أمام مجالس عسكرية والحكم عليهم بأحكام تتراوح بين المؤبد والأشغال الشاقة والنفي.