الجهود الــمبذولــة في الــمجال التشريــــعي

I. التوجه نحو عدالة متخصصة الفترة من 2020 الى 2022

1. اعتماد التشريعات المتخصّصٍة لمواجهة بعض أشكال الإجرام

إن المُستجدّات التي شهدتها البلاد، لا سيما ظهور صورٌ جديدةٌ من الإجرام تتّسم في ذات الوقت بالخطورة والتنامي المُستمرّ، جعلت الدولة تتجه إلى تكييف منظومتها التشريعية لمواجهة هذا الوضع، عن طريق استحداث مجموعة من القوانين المُتخصِّصة، التي تتضمّن قواعد إجرائية وموضوعية متميزة من شأنها ضمان مواجهة فعّالة لهذه الظواهر الإجرامية، وهي متمثلة في: القانون رقم 20/05 المؤرّخ في 28/04/2020 المُتعلّق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما، الذي جرم صُّوَر جريمتيّ التمييز وخطاب الكراهية، واستحدث قواعد تكفل حماية ضحايا هذا النّوع من الإجرام بصورةٍ واسعةٍ وفعّالةٍ، وأنشأ المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، الأمر رقم 20/03 المؤرّخ في 30/08/2020 المُتعلّق بالوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها، والذي جاء بقواعد تكفل حماية ضحايا هذا النّوع من الإجرام بصورةٍ واسعةٍ وفعّالةٍ، تميز بتبنيه لمقاربة الرّدع الإستباقي حتى قبل أن تشرع عصابة الأحياء في نشاطها الإجرامي، مع تشديد العقوبة بالنسبة لمن يتولّى قيادتها أو عند اقتران الجريمة بجملة من الظّروف المُشدِّدة، كما قام باستحداث كلّ من اللّجنة الوطنية، واللّجان الولائية للوقاية من عصابات الأحياء، القانون رقم 21/15 المؤرّخ في 28/12/2021 المُتعلّق بمكافحة المضاربة غير المشروعة، الذي نظم الآليات القانونية والمؤسّساتية للوقاية من هذه الظاهرة، و ارتكز فيما يخص تشديد العقوبة على معايير، تتعلّق بطبيعة المواد محل المضاربة، والظرف الزماني الذي ترتكب فيه، ومنهجيّة النشاط الإجرامي.

2. الاتجاه نحو التخصص لمواجهة الجرائم المعقدة 

حرصا على إزالة العقبات الإجرائية التي تعيق نجاعة إدارة الدعوى العمومية في بعض الجرائم، تم انشاء القطب الاقتصادي والمالي بمُوجب الأمر رقم 20/04 المؤرّخ في 30/08/ 2020 المُعدِّل والمُتمِّم لقانون الإجراءات الجزائية لمواجهة الجرائم الاقتصادية والمالية التي تمتاز بطابعها المعقد والتي تتطلب وسائل تحرِّي خاصّة أو خبرة فنّية مُتخصّصة أو تعاون قضائي دولي، كما استحدث في إطار تعزيز آليات مكافحة الإجرام "السيبراني" الذي يتطلب اللّجوء إلى وسائل تحرِّي خاصّة القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال بموجب الأمر رقم 21/11 المؤرّخ في 25/08/2021 المُعدّل والمُتمّم لقانون الإجراءات الجزائية، وهو يختص بالتحقيق و الحكم في الجرائم المُتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال، ولمواجهة جرائم الإرهاب والتخريب، وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، المرتكبة في اطار جماعة اجرامية منظمة و العابرة للحدود الوطنية ذات الوصف الجنائي والجرائم المرتبطة بها صدر الأمر رقم 20/04 المؤرّخ في 30/08/2020 المُعدِّل والمُتمِّم لقانون الإجراءات الجزائية الذي نص على تمديد الاختصاص الاقليمي لمحكمة مقرّ المجلس بالجزائر إلى كافّة التراب الوطني من اجل تجاوز العقبات التي يطرحها الاختصاص الاقليمي في مثل هذه الجرائم.

II. تكييف التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية الفترة من 1996 الى 2020

1. مراجعة قانون الاجراءات الجزائية بما يدعم حقوق الانسان والمحاكمة العادلة

عزز القانون 06-22 المؤرخ في 20/12/2006 المعدل و المتمم للأمر 66/156، دور وكيل الجمهورية في إدارة أعمال ضباط الشرطة القضائية، ومراقبة تدابير التوقيف للنظر، ومنحه الصلاحيات المرتبطة بضابط الشرطة القضائية، وبموجب الأمر 15-02 المؤرخ في 23/07/2015، تم استحداث إجراء الوساطة في المادة الجزائية، واستبدلت إجراءات التلبس بإجراءات المثول الفوري أمام قاض، واستحدثت إجراءات الأمر الجزائي بالنسبة للقضايا البسيطة للتخفيف من عدد القضايا وضمان الفصل فيها في آجال معقولة، كما تم سن تدابير خاصة لحماية الشهود والخبراء والضحايا، ووضع الإطار العام الضامن لاحترام حقوق الموقوف للنظر في الاتصال بدفاعه أو ذويه، والفحص الطبي، تحت رقابة وكيل الجمهورية، وأعيد تنظيم محاكم الجنايات بإنشاء محاكم جنايات ابتدائية وأخرى استئنافية تكريسا لمبدأ التقاضي على درجتين، والرجوع إلى تغليب فئة المحلفين في التشكيلة، فيما رسخ القانون 17-07 المؤرخ في 27/03/2017، مبادئ المحاكمة العادلة، كقرينة البراءة، المتابعة والإجراءات في آجال معقولة مع إعطاء الأولوية للقضية التي يكون فيها المتهم موقوفا، إلزام السلطة القضائية بإعلام ذوي الحقوق المدنية وضمان حقوقهم خلال كافة الإجراءات، الشك يفسر لمصلحة المتهم، وحق المحكوم عليه في ان تنظر قضيته جهة عليا.

2. تكييف النصوص العقابية مع التزامات الجزائر الدولية

عرف قانون العقوبات هو الاخر تعديلات متتالية خلال هذه المرحلة تجسيدا لالتزامات الجزائر الدولية، لا سيما من خلال: إلغاء عقوبة الاعدام في الكثير من الجرائم و استبدالها بعقوبة سالبة للحرية-تجريم التعذيب بكل أشكاله- تجريم كل اعتداء يرمي إلى المساس بالحياة الخاصة والحريات الفردية- تجريم بعض الأشكال الجديدة للجرائم المحظورة دوليا كظواهر الاتجار بالأشخاص، والإتجار بالأعضاء البشرية، و تهريب المهاجرين، كما تم تقرير الحماية الجزائية للمرأة من العنف بجميع أشكاله، جسدي، جنسي، لفظي، أو معنوي، وتجريم الاعتداءات المرتكبة ضد المرأة في الأماكن العمومية.

3. تكييف احكام القانون المدني مع متطلبات العلاقات في المجتمع

تضمن القانون رقم 05-10 المؤرخ في 20/06/2005 المعدل للقانون المدني جملة من المبادئ القانونية التي تحكم المعاملات، منها دعم الحرية التعاقدية في التعاملات الدولية من خلال مراجعة الاحكام المتعلقة بتنازع القوانين، تكريس العدالة الاجتماعية من خلال حماية الطرف الضعيف في العقود، إقرار مسؤولية المنتج عن الأضرار التي يسببها العيب في المنتوج، إقرار التزام الدولة بتعويض الأضرار الجسمانية في حالة تعذر تحديد المسؤول عنها، إدراج الكتابة الالكترونية ضمن وسائل الإثبات، كما تم بموجب القانون 07/05 المؤرخ في 13/05/2007،الغاء حق البقاء في الاماكن المؤجرة، تأكيدا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.

4. صدور قانون الاجراءات المدنية والإدارية بما يكرس الدور الايجابي للقاضي

أهم الإصلاحات التي تمت بموجب القانون رقم 08-09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن الإجراءات المدنية والإدارية: تبسيط إجراءات التقاضي وجعلها أكثر مرونة ووضوحا، تكريس الدور الايجابي للقاضي في تسيير الدعوى وإدارتها والتخلي عن مبدأ )الدعوى ملك للخصوم فقط( الذي أدى في كثير من الحالات إلى إطالة أمد النزاع، و إهدار الكثير من الحقوق.

5. مراجعة قانون الاسرة بحسب تطور المجتمع

تضمن الأمر رقم 05-01 المؤرخ في 27 /02/2005، المعدل لقانون الأسرة أحكام جديدة تتعلق باعتماد الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب، وإلزام المطلق بتوفير سكن ملائم لممارسة الحضانة، وجعل النيابة العامة طرفا أصليا في جميع الدعاوى التي ترمي إلى تطبيق قانون الأسرة، وإعطاء رئيس المحكمة صلاحية الفصل على وجه الاستعجال في كل ما يتعلق بالنفقة والحضانة والزيارة والمسكن.

6. حماية حقوق الطفل

وضع القانون 15-12 المؤرخ في 15/07/2015 المتعلق بحماية حقوق الطفل، إطارا قانونيا جامعا للقواعد الجزائية الموضوعية والإجرائية المتعلقة بالطفل، مكرسا للحماية الاجتماعية والقضائية، بحيث راعى خصوصيات الطفل وتضمن الشروط الملائمة لنموه وتطوره، كما تكيف هذا القانون مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، وجاء بعدة مبادئ جديدة، لا سيما ضرورة اشراك الطفل في التدابير التي تتخذ في حقه، وتحديد السن الدنيا للمسؤولية الجزائية في عشر سنوات، وإنشاء هيئة وطنية لحماية وترقية حقوق الطفل.

7. إعادة تنظيم رابطة الجنسية بما يكفل المساواة بين الجنسين

من أجل القضاء على الفوارق بين الجنسين، وحماية حقوق الطفل، تم تعديل قانون الجنسية بموجب الأمر رقم 05-01 المؤرخ في 27/02/2005، الذي تضمن اعتماد معيار النسب للأم في تمتع أولادها بالجنسية الجزائرية الأصلية، وحل مشكلة إثبات الجنسية الجزائرية بالنسبة للولد المولود من أب مجهول وأم جزائرية، كما أدرج حلولا لمشكلات إثبات الجنسية الجزائرية للأطفال المولودين في الجزائر من أبوين مجهولين ، أو من أب مجهول وأم مسماة في عقد الميلاد دون ذكر بيانات أخرى تمكن من التعرف عليها، واعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع الدعاوى الرامية إلى تطبيق أحكام قانون الجنسية.

8. تقرير التعويض عن الحبس المؤقت غير مبرر و الخطأ القضائي

اعترافا من الدولة بمسؤوليتها عن اداء مرفق القضاء، صدر القانون رقم 01-08 المؤرخ في 26/06/2001 المعدل لقانون الإجراءات الجزائية، الذي منح الحق في التعويض لكل شخص كان محل حبس مؤقت غير مبرر خلال متابعة جزائية انتهت في حقه بصدور قرار نهائي قضى بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة، و لحقه ضرارا ثابتا و متميزا.

9. تكريس الحق في الدفع بعدم الدستورية

بموجب التعديل الدستوري 2016 تم استحداث آلية جديدة للطعن في دستورية القوانين هي اخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة امام جهة قضائية أن حكم تشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، وبموجب القانون العضوي رقم 18-16 المؤرخ في 02/09/2018، الذي يحدد شروط وكيفيات تطبيق الدفع بعدم الدستورية، تم تحديد المسائل التفصيلية للدفع.

10. حماية المجتمع من اشكال الاجرام الخطير

لحماية المجتمع من جميع أشكال الإجرام الخطير، صدر القانون رقم 04-18 المؤرخ في 25/12/2004 المتعلق الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بها لتدارك النقائص المسجلة في الاطار التشريعي المتعلق بمكافحة الظاهرة ومطابقته مع الالتزامات الدولية، كما صدر القانون رقم 09-04 المؤرخ في 09/08/2009، المتعلق بالقواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال ومكافحتها والذي وضع إطارا قانونيا أكثر ملاءمة مع خصوصية الجريمة الافتراضية، يجمع بين القواعد الاجرائية المكملة لقانون الاجراءات الجزائية و القواعد الوقائية التي تسمح بالرصد المبكر للاعتداءات المحتملة والتدخل السريع لتحديد مصدرها والتعرف على مرتكبيها.

11. الحماية الجزائية للاقتصاد الوطني

تكريسا لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد صدر القانون رقم 06/01 المؤرخ في 20/02/2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، وتضمن أحكاما تهدف إلى دعم التدابير الرامية إلى الوقاية من الفساد ومكافحته، تعزيز النزاهة والمسؤولية والشفافية في تسيير القطاعين العام والخاص، تسهيل ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية من أجل الوقاية من الفساد ومكافحته بما في ذلك استرداد الموجودات، التأكيد على ضرورة إشراك المجتمع المدني ووسائل الإعلام في محاربة الفساد وحماية الشهود والمبلغين والضحايا والخبراء، وقصد تنفيذ الاستراتيجية الوطنية في هذا المجال تم إنشاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته.

تنفيذا لالتزامات الجزائر الدولية، صدر القانون رقم 05-01 المؤرخ في 06/02/2005 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، وحدد الضوابط التي تساهم في الوقاية من الظاهرة ومحاربتها، وأوضح المسالك المناسبة لتعزيز التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات بين جميع الهيئات المعنية، ولتفعيل الوقاية من هذه الجريمة، تم بمقتضى المرسوم التنفيذي 02-127 المؤرخ في 07/04/2002، إنشاء خلية الاستعلام المالي كآلية من آليات الوقاية من الظاهرة.

III. تكييف التشريعات مع التحولات الاقتصادية و الاجتماعية الفترة من 1989 الى 1996

نورد اهم الاحكام القانونية التي تم تكييفها نتيجة التحول الاقتصادي و الاجتماعي الذي عرفته البلاد وهي :

1. تكييف النصوص الجزائية مع الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد 

من أهم الإصلاحات التي جرت بعد دستور 1989، هي صدور القانون رقم 89/06 المؤرخ في 25/04/1989 المتضمن إلغاء مجلس أمن الدولة ، وكذا الاحكام الاجرائية المتعلقة به، وذلك رغبة من المشرع في الحد من اللجوء الى القضاء الاستثنائي، الذي لا يوفر ضمانات كافية للمحاكمة العادلة وفقا للمعايير الدولية .

و اثر الانزلاق الأمني المتعلق بظاهرة الإرهاب، اضطر المشرع إلى سن نص خاص لمواجهة هذا الخطر من خلال المرسوم التشريعي رقم 92/03 المؤرخ في 30/09/1992 المتعلق بمكافحة التخريب والإرهاب، أين تم إحداث 03 جهات قضائية تدعى مجالس قضائية خاصة، تختص بالنظر في جرائم الإرهاب، والجرائم التي تستهدف أمن الدولة والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، ثم الغي العمل المرسوم التشريعي المذكور، بعد ان اعتبر المشرع جريمة الإرهاب جريمة من جرائم القانون العام، وتم تعديل قانون العقوبات بموجب الأمر 95-11 المؤرخ في 25/02/1995 الذي حدد الجرائم الموصوفة بأفعال ارهابية او تخريبية، و العقوبات المقررة لها، كما تمت مراجعة قانون الإجراءات الجزائية بموجب الامر 95-10 المؤرخ في 25/02/1995، و الذي اسند للجهات القضائية العادية اختصاص البت في الجرائم الارهابية ، مع توسيع اختصاص محكمة الجنايات ليشمل الحكم على القصر البالغين من العمر 16 سنة كاملة، والذين ارتكبوا افعالا ارهابية او تخريبية والمحالين اليها بقرار نهائي من غرفة الاتهام، وأعاد تشكيل محكمة الجنايات، بحيث اصبحت تتشكل من قاض برتبة رئيس غرفة بالمجلس القضائي على الاقل رئيسا، وقاضيين برتبة مستشار على الاقل ومحلفين اثنين بعدما كان عدد المحلفين سابقا أربعة، فأضحت بذلك تشكيلة محكمة الجنايات تتكون بالأغلبية من قضاة محترفين.

2. القضاء الموحد مع إفراد خصوصية للمنازعات الادارية 

بموجب القانون 90/23 المؤرخ في 18/08/1990 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات المدنية،تم تعديل المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية، بإنشاء غرف جهوية في مجالس قضاء كل من، الجزائر، وهران، قسنطينة، بشار، و ورقلة، والتي يحدد اختصاصها الاقليمي عن طريق التنظيم، للنظر في الطعون بالبطلان والتفسير وفحص المشروعية للقرارات الصادرة عن الولايات، كما منح اختصاص المجالس القضائية التي تحدد اسماؤها واختصاصها الاقليمي عن طريق التنظيم في الطعون بالبطلان والتفسير وفحص المشروعية ضد القرارات الصادرة عن رؤساء المجالس الشعبية البلدية و عن المؤسسات العمومية ذات الطابع الاداري، والمنازعات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للدولة والولاية والبلدية والمؤسسات ذات الصبغة الادارية الرامية إلى طلب تعويض، وتضمن التعديل النص على اختصاص الغرفة الادارية بالمحكمة العليا للبت ابتدائيا ونهائيا في الطعون بالبطلان في القرارات التنظيمية او القرارات الفردية الصادرة عن السلطة الادارية المركزية، وبذلك بقي النظام القضائي محافظا على وحدته لكن مع ازدواجية المنازعات.

IV. اعداد التشريعات الوطنية الفترة من 1965 الى 1989

من اهم التشريعات الوطنية التي تم اعدادها خلال هذه المرحلة نذكر منها ما كان ذي صلة بعمل القضاء:

1. قانون الاجراءات الجزائية يجمع بين مزايا النظام التنقيبي والنظام الاتهامي

تضمن قانون الإجراءات الجزائية الصادر بموجب الأمر 66/155 المؤرخ في 08/06/1966، بشكل اساسي القواعد الاجرائية التي تهدف الى البحث ومعاينة الجريمة وجمع الادلة حولها، وتنظيم الجهات القضائية الجزائية و الأشكال والطرق الواجب اتخاذها أمامها، وطرق الطعن في أحكامها، وتميز بتبنيه لنظام مختلط يجمع بين ايجابيات ومزايا كل من النظامين التنقيبي والاتهامي، من خلال تولي النيابة العامة مهمة الاتهام والمتابعة الجزائية، ومباشرة الدعوى العمومية باسم المجتمع، وهذا مظهر من مظاهر النظام التنقيبي، غير ان النيابة العامة لا تستأثر كلية بتحريك الدعوى العمومية بل يمكن للفرد المتضرر من الجريمة ان يحرك الدعوى العمومية، وهذا ما يعتبر اثر من اثار النظام الاتهامي الذي يتسم برفع الاتهام الفردي، كما ظهر تأثر القانون السالف الذكر بنظام التنقيب والتحري، في احوال اخرى كالتحقيق فهو كتابي كل الاجراءات فيه مدونة، و سري ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ودون اضرار بحق الدفاع وغير علني للجمهور، في حين يغلب عليه في مرحلة المحاكمة الطابع الاتهامي فالإجراءات فيه شفافة بحسب الاصل، حضورية للخصوم لا يمكن تقرير سريتها عنهم، وعلنية للجمهور عدى الاستثناءات المتعلقة بالحفاظ على النظام العام والآداب العامة، كما يمكن للخصوم تقديم ادلتهم بجلسة المحاكمة دون الاكتفاء بما توصلت اليه النيابة العامة من ادلة، بما يفيد ان الجزائر قد تبنت نظاما يجمع بين مزايا النظامين السائدين.

2. قانون عقوبات قوامه مبدأ الشرعية الجنائية

هناك ارتباط وثيق بين حق العقاب ومظاهر سيادة الدولة، فالجريمة ضرر يعرض سيادة الدولة ومصالحها للخطر، لذا فان الرد على الجريمة هو حق من حقوق الدولة فقط، وبالنتيجة لذلك فان صدور الامر66/156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات، في حد ذاته يعتبر مظهرا من مظاهر سيادة الدولة الجزائرية المستقلة، وحقها في تقرير السلوك الذي يجب على الفرد والجماعة إتباعه، ومعاقبة المخالفين لأحكامه، كما يعتبر هذا القانون في نفس الوقت الضامن لحقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة الدولة .

ما يميز قانون العقوبات منذ صدوره، ان قوامه مبدأ الشرعية الجنائية، التي في فحواها خضوع الجميع حكاما ومحكومين لسيادة القانون، وهذه السيادة تعني في مجال التجريم والعقاب حصر جميع الجرائم والعقوبات في قانون مكتوب وواضح، وتحديد الأفعال التي تعد جرائما، وبيان اركانها، والعقوبات المقررة لها، فقد نصت المادة الأولى منه، ان لا جريمة ولا عقوبة او تدبير امن بغير قانون، وتأكيدا لهذا المبدأ جاءت المواد اللاحقة المتعلقة بعدم رجعية القانون العقابي و نطاق تطبيقه من حيث المكان.

3. قانون الاجراءات المدنية يكرس وحدة القضاء وبساطة الاجراءات 

مواصلة لتأسيس المنظومة التشريعية، صدر الامر 66/154 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون الإجراءات المدنية، الذي حدد قواعد الاختصاص النوعي والمحلي للمحاكم والمجالس القضائية، والإجراءات المتبعة امامهما، وسير جلساتهما، والأحكام والقرارات الصادرة عنهما وطرق الطعن، كما تضمن أحكام رد القضاة ومخاصمتهم، وتنازع الاختصاص بينهم، والإجراءات المتبعة امام المجلس الأعلى، والتنفيذ الجبري لأحكام المحاكم والمجالس القضائية، والتحكيم .

و قد تميز النص السالف الذكر بمسايرته للأمر رقم 65/278 المؤرخ في 16/11/1965 المتضمن التنظيم القضائي، بحيث كرس وحدة الجهاز القضائي، فكانت النصوص الاجرائية الواردة في قانون الإجراءات المدنية تطبق على المنازعات العادية والإدارية على حد سواء، مع تبسيط الاجراءات.

4. القانون المدني يوسع من مصادر التشريع بما يعكس قيم المجتمع

استكمالا لبناء المنظومة التشريعية، صدر الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26/09/1975 المتضمن القانون المدني، والذي يعتبر من اهم النصوص التشريعية بالنظر إلى نطاق تطبيقه، والأحكام التي تضمنتها فحواه في تحديدها لأثار القوانين وتطبيقاتها، وتحديدها للأشخاص الطبيعية والاعتبارية، وتنظيمها للالتزامات والعقود .

ما يميز القانون المدني، انه وسع من مصادر التشريع، بما يعكس ارادة المشرع في تجسيد قيم و مبادئ المجتمع الجزائري، حين اعتبر مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأول من مصادر التشريع، يليها العرف، ثم مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

5. تقنين احكام الفقه الإسلامي في قانون الأسرة

تجسيدا لإرادة و تشبث المجتمع الجزائري بقيمه المستمدة اساسا من الشريعة الإسلامية، صدر القانون 84-11 المؤرخ في 09/06/1984 المتضمن قانون الأسرة، و قنن الاحكام ذات الصلة بالاحوال الشخصية و على وجه الخصوص، احكام الزواج، والطلاق، والنسب، والحضانة، والنفقة، والنيابة الشرعية و أحكام الميراث، وقد استمد جل أحكامه من الفقه الإسلامي، لا سيما المذهب المالكي، كما رسخ في طياته اجتهادات المحكمة العليا.

6. تعزيز دور القضاء في منازعات الجنسية

يعتبر قانون الجنسية مظهرا اساسيا من مظاهر سيادة الدولة الجزائرية على اقليمها الوطني، فهو من يحدد الاشخاص الذين يتمتعون بالجنسية الجزائرية، و شروط اكتساب الجنسية الجزائرية لغير الجزائريين .

و في هذه المرحلة صدر الأمر 70/86 المؤرخ 15/12/1970 المتضمن قانون الجنسية، الذي ألغى القانون رقم 63-96 المؤرخ في 27/03/1963، وجاء بأحكام جديدة، قائمة على أسس موضوعية في تحديد الأشخاص الذين يتمتعون بالجنسية الأصلية، وشروط اكتساب الجنسية لغير الجزائريين، كما تضمن هذا النص احكاما تتعلق بفقدان الجنسية والتجريد منها واستردادها .

ما يميز هذا القانون على وجه الخصوص انه كرس دور القضاء في إثبات الجنسية لا سيما عن طريق الدعوى أو عن طريق الدفع، كما قرر اختصاص المحاكم بالنظر في المنازعات حول الجنسية، اي ولاية القضاء للفصل في اهم رابطة تقوم عليها الدولة الحديثة لتحديد مواطنيها.

7. ضبط الاطار التشريعي والتنظيمي للحالة المدنية

يتعين التذكير أن المشرع قد قام بسن تدابير انتقالية للتكفل بالأوضاع الناجمة عن ثورة التحرير الوطني على وجه الخصوص، لا سيما من خلال وضع أحكام خاصة بالتكفل بالعقود المغفلة، واستكمال عملية تأسيس الحالة المدنية واكتساب اللقب العائلي بموجب الأمر 66-307 المؤرخ في 14/10/1966 المتضمن شروط تأسيس الحالة المدنية، والأمر 69-5 المؤرخ في 30/01/1969 المتعلق بالحالة المدنية للأولاد المولودين في الجزائر من أبوين مجهولين، إلى غاية إصدار الامر 70-20 المؤرخ في 19/02/1970 المتعلق بالحالة المدنية، اين ضبط مهام واختصاصات ضباط الحالة المدنية، ونظم سجلات الحالة المدنية وجداول السجلات وطريقة حفظها والاطلاع عليها ومراجعتها، كما تناول العقود المغفلة او المتلفة او الخاطئة او المعدلة، ووضع قواعد خاصة بمختلف عقود الحالة المدنية كعقود الميلاد، وعقود الوفيات، ونظم هذا القانون الحالة المدنية للجزائريين والاجانب في الخارج .

8. تفعيل دور القضاء في حماية العمال

لقد كان لفئة العمال هي الاخرى الاهتمام البالغ ضمن المنظومة التشريعية للعدالة الجزائرية، لذا صدر الأمر 75/32 المؤرخ في 29/04/1975 المتعلق بقانون العدالة في العمل، و وضع أسس حماية حقوق العمال، من خلال تمكينهم من اللجوء الى القضاء للمطالبة بحقوقهم، وحدد المحكمة المختصة بالفصل في المسائل الاجتماعية، وتشكيلتها واجراءات سير جلساتها وطرق الطعن في احكامها، كما كرس استفادة العامل بقوة القانون من المساعدة القضائية اذا كان مرتبه يقل عن ضعف الاجر الوطني الادنى المضمون.

9. وضع الإطار القانوني لمهن مساعدي العدالة

شكل الامر رقم 70-91 المؤرخ في 15/12/1970 المتضمن تنظيم التوثيق، تغييرا جذريا في نظامه، حيث أسند الوظيفة التوثيقية إلى أعوان الدولة الذين يخضعون للقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، بيد أن ما هو مؤكد أن هذه التجربة لم تأت بالنتائج المرجوة، لذا لجأ المشرع إلى سن تشريع جديد يمكن من ممارسة هذه المهنة للحساب الخاص، من خلال القانون رقم 88/27 المؤرخ في 12/07/1988 المتعلق بتنظيم التوثيق، والذي أعاد تنظيم مهنة التوثيق وجعلها مهنة حرة، يتولى تسييرها الموثق لحسابه الخاص منذ الفاتح من جانفي سنة1990.

وبالنسبة لمهنة المحاماة فقد كان لابد من اعادة تنظم المهنة من جميع جوانبها، وجعل أحكامها تتكيف مع التغييرات، وتستجيب لواقع البلاد الجديد، لذا صدر الامر 75-61 المؤرخ في 26/09/1975، المتضمن قانون المحاماة، و وضع شروطا للتسجيل في جدول المحاماة اهمها ان يكون المترشح حائزا على شهادة الليسانس في الحقوق من الجامعة او اجازة اجنبية معترف بمعادلتها، و ان يجري فترة تدريب مدة سنة، كما نص على انشاء منظمات نواحي للمحامين تتمتع بالشخصية المعنوية، و انشا لكل منظمة ناحية جمعية عامة و مجلسا، و حدد تشكيلتهما و قواعد سيرهما، و نص على انشاء منظمة وطنية للمحامين تتمتع بالشخصية المعنوية، مقرها الجزائر العاصمة و مجلسا وطنيا لمنظمة المحامين، كما انشأ لجنة مختلطة للطعن.

و بخصوص مهنة المحضر القضائي فقد صدر، المرسوم التنفيذي رقم 66-165 المؤرخ في 08/06/1966 المتعلق بكتابة ضبط المجالس والمحاكم والعقود القضائية وغير القضائية، والذي الغى دواوين المحضرين القضائيين، واسند مهام المحضرين الى كتاب الضبط، و استمر هذا الوضع الى غاية صدور القانون رقم 91-03 المؤرخ في 08/01/1991 المتضمن تنظيم مهنة المحضر.

10. التأسيس لمنظومة عقابية وطنية

شكل الامر رقم 72-02 المؤرخ في 10/02/1972 المتعلق بتنظيم السجون، اتجاها طلائعيا، قائم على تطوير المنظومة العقابية الوطنية وأنسننتها، وتحديد سبل إعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين، بالأخذ بالتجارب الدولية في هذا الشأن، غير أن نقص الامكانيات والحاجة الملحة لتطوير هياكل السجون الموروثة عن الاستعمار والتي أنشئت بغرض قمعي لا يراعي في الكثير من الأحيان معايير انسنة ظروف الاحتباس حال دون تحقيق النتائج المرجوة من القانون.