الذكرى العشرون للاستقلال
فتحت عملية إنزال الفرنسيين بالجزائر عام 1830 عهد مقاومة المحتل التي لم تتوقف حتى الاستقلال عام .1962 أخذت هذه المقاومة أشكالا متعددة، ويعتبر الكفاح مع الأمير عبد القادر ضد الفرنسيين تجربة واضحة وملتحمة، لوضع تنظيم حديث للدولة مع بنيات إقليمية جد مترابطة، وكذلك تنظيم إداري وظيفي في هذا الشكل من الكفاح الذي تكمن فيه قوة أكبر لبروز دولة جزائرية حديثة، قادرة على تحمل الصدمة مع الحضارة الأوروبية التي دخلت في عهد الثورة الصناعية. المجتمع الجزائري كانت تنقصه المرونة اللازمة وتمكن الأمير عبد القادر بإجراء تغييرات ضرورية من إرساء دعائمها في ردح قصير جدا من الوقت. بعد انهزام الأمير عبد القادر استمرت المقاومة بأخذها أشكالا متعددة، وقد أخذت شكل الحركات الواسعة النطاق كما هو الحال بالنسبة لانتفاضة أولاد سيدي الشيخ عام 1864 والمقراني عام 1871، أو حركات ذات صبغة محلية كتلك التي وقعت في كل مكان من الجزائر، إلا أن لحركات المقاومة هذه قاسم مشترك، فهي من جهة بمثابة التعبير عن الرفض الدائم للاستعمار، ومن جهة ثانية تعكس انعدام التنسيق والتنظيم على المستوى الوطني. بعد المقاومة المسلحة تحولت المجابهة مع المستعمرين إلى صعيد آخر. انطلاقا من الحرب العالمية الأولى أخذت حركة التعبير والتنظيم الحديثة شكلها تدريجيا تحث التجمعات السياسية المختلفة، على التعبير والدفاع عما يفكر فيه كل واحد من بين أفرادها لفائدة الشعب الجزائري. إنه نجم شمال إفريقيا الذي طرح المشكل الوطني بصفة أكثر ملاءمة، وشكلت المطالبة بالاستقلال منذ سنة 1927 السراج الذي أضاء المسيرة لهذه الحركة التي عمقت عبر مخاطر القمع والانسلاخات المتعاقبة التي عرفها حزب الشعب الجزائري، وحركة انتصار للحريات الديمقراطية، فكرة العمل من أجل الاستقلال في أوساط الشعب حتى بلغت ذروتها عام 1954، عندما نجحت المجابهة العنيفة والشاملة مع الاستعمار في تحريك الشعب الجزائري بمختلف طبقاته الاجتماعية.
وشكلت أحداث 20 أوت 1955 نقطة اللارجوع بقطع الطريق أمام كل ميل للتسوية أو الصلح مع المستعمر، وقد سمح مؤتمر الصومام المنعقد يوم 20 أوت 1956 للثورة بتحديد الوضع والتجهيز بهياكل سياسية وعسكرية، من أجل متابعة الكفاح الذي تم إما على شكل المجابهة المباشرة بين جيش التحرير الوطني المجيد والجيش الاستعماري، وإما على شكل حرب عصابات المدينة ضد قوات القمع، أو على شكل عمل دبلوماسي لبق ومحدد. وكانت هذه الجبهات المتعددة تبرز القيم النضالية للشعب الجزائري الذي عرف كيف يجابه اللامساواة التي حاول النظام الاستعماري فرضها، وذلك بنجاعة وبروح تضحية وإرادة قوية أدت إلى الانتصار، وإلى تحقيق كل الأهداف التي سطرتها الثورة في نداء أول نوفمبر .1954 وبعد الاستقلال في شهر جويلية 1962، دخلت الجزائر في عصر البناء الذي أخذ شكل ملحمة حقيقية تعتبر امتدادا لسابقتها والتي تمت على جبهات مختلفة متعددة، انبثقت عنها الثورات الزراعية والصناعية والثقافية. ترمي هذه الثورات من جهة لإرساء قواعد اقتصاد اشتراكي يهدف إلى تلبية حاجيات مجتمع حديث، ومن جهة أخرى لاسترجاع هويتنا الوطنية وإعادة الشعب الجزائري إلى محيطه الطبيعي المتكون من الحضارة العربية الإسلامية القابلة للحوار والتبادل مع الحضارات الأخرى، ترجمت في الواقع هذه الثورات بأعمال مختلفة على شكل قرارات تأميم الأراضي والمناجم والبنوك والمحروقات وتشييد القرى الاشتراكية والمركبات الصناعية الحديثة، وبناء المدارس ومراكز التكوين أو الجامعات والقرارات المتعلقة بالطب المجاني وبالتسيير الاشتراكي للمؤسسات وبالقانون العام للعامل... الخ. وتمت كل هذه الأعمال متزامنة مع إعادة قيام مؤسسات الدولة الجزائرية على أسس عصرية حيث تتجلى الديمقراطية من خلال المجالس الشعبية المؤسسة على كل المستويات. تؤكد الإنجازات المحققة في كل الميادين بأن الجزائر تسير على طريق التقدم وأن آفاق المجتمع الجزائري وآماله أمر واقعي جدا.