محطات مضيئة في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية

واكبت دبلوماسية "الجزائر المناضلة" النجاحات السياسية و العسكرية للقضية الجزائرية ولثورتها المجيدة عبر مختلف مراحلها، فقد اهتم قادة ثورة نوفمبر الخالدة منذ البداية، بالعمل الدبلوماسي موازاة مع العمل السياسي و العسكري، فأسسوا لجنة الخارج الثلاثية المتكونة من السادة : أحمد بن بلة، أمحمد خيضر و حسين آيت أحمد.

عهد لهذه اللجنة مهمة تدويل القضية الجزائرية و جلب التعاطف الدولي مع معاناة الشعب الجزائري. و بنفس عزيمة المجاهدين في الجبال، كانت عزيمة الدبلوماسيين الجزائريين في المحافل الدولية لا تعرف اللين و لا الاستكانة وأضحت العديد من المؤتمرات الإقليمية و الدولية لا تخلو أجندتها من مناقشة القضية الجزائرية و ثورتها المجيدة التي تحولت إلى أيقونة للتحرر والانعتاق من الاستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين، فذاع صيتها و انتشر صداها عبر مختلف أصقاع المعمورة.

وبنفس روح نوفمبر واصلت الدبلوماسية الجزائرية نشاطها الدؤوب بعد الاستقلال، لتضرب أروع الأمثلة في الدفاع عن القضايا العادلة في العالم، متبوئة الصفوف الأولى بمبادراتها المشهودة في نشر السلم وبسط الأمن ودعم التنمية في المنطقة وفي العالم بأسره.


أبرز المحطات المضيئة في تاريخ دبلوماسية الجزائر المكافحة و دبلوماسية الجزائر المستقلة

  • مؤتمر "باندونغ" أول انتصار دبلوماسي أدخل القضية الجزائرية إلى أروقة الأمم المتحدة.

بعد خمسة أشهر فقط من اندلاع الثورة المظفرة، شاركت الجزائر، كعضو ملاحظ، في مؤتمر باندونغ– إندونيسيا – الذي انعقد في الفترة من 18 إلى 24 أفريل 1955 و الذي عرف مشاركة تسعة و عشرون (29) دولة و مايزيد عن ثلاثين (30) حركة تحريرية و ناهز إجمالي المشاركين في هذا المؤتمر 2000 مندوبا، و قد شكل تحولا أساسيا في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية و القضية الوطنية على حد سواء، حيث أصدر المؤتمر قرارا ينص على حق كل من الشعب الجزائري و المغربي و التونسي في تقرير المصير و الاستقلال و إلى ضرورة إنهاء الاستعمار الذي يعتبر انتهاكا لحقوق الانسان. وتبعا لهذا الانتصار الأول للقضية الجزائرية في المحافل الدولية، استغل الوفد الجزائري مشاركته في هذا المؤتمر لمناشدة الكتلة الأفرو- آسيوية، التي شكلت فيما بعد "حركة عدم الانحياز"، قصد المطالبة بتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة، و إدانة الاستعمار الفرنسي، فكان بذلك مؤتمر "باندونغ" أول محطة لتدويل القضية الجزائرية و التعريف بالمطالب المشروعة للشعب الجزائري. كما حضرت الدبلوماسية الجزائرية بقوة في العديد من المؤتمرات الدولية على غرار مؤتمر الشعوب الافرو- آسيوية الذي انعقد بالقاهرة في 26 ديسمبر 1957 و الذي حضرته 46 دولة افريقية و آسيوية حيث طالب المجتمعون بتنظيم مسيرات و مظاهرات تأييدا للثورة الجزائرية و اتفقوا على جعل تاريخ 30 مارس من كل سنة " اليوم العالمي للتضامن مع الجزائر المجاهدة"، كما شاركت الجزائر بفعالية في كل من مؤتمر أكرا بغانا في 15 أفريل 1958 و مؤتمر طنجة في 27 أفريل 1958 و مؤتمر المغرب العربي في تونس شهر جوان 1958 و مؤتمر منروفيا بليبيريا الذي انعقد في شهر أوت 1959. و طالبت جميع هذه المؤتمرات باستقلال الجزائر و المحافظة على وحدتها الترابية.


  • تسجيل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة:

لم تمض سوى ثلاثة أشهر على انعقاد مؤتمر "باندونغ"، حتى قام مندوبو 14 دولة عربية و افريقية و آسيوية في شهر جويلية 1955 بتوجيه رسالة إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، يطلبون فيها إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة العاشرة (10) للجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1955، إلا أن الضغوطات التي مارستها فرنسا أدت إلى عدول الجمعية العامة عن مناقشة البند المعنون بـ "المسألة الجزائرية" (القرار 909 بتاريخ 25 نوفمبر 1955). ولم يتسن للدبلوماسية الجزائرية والدول المساندة لها فرض مناقشة هذه القضية و استصدار قرار بشأنها حتى الدورة (11) المنعقدة سنة 1956، حيث أعربت الجمعية العامة ولأول مرة، بتاريخ 15 فبراير 1957، في قرارها رقم 1012، عن أملها في أن يتسنى "إيجاد حل سلمي ديمقراطي عادل بالطرق المناسبة و وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة" للقضية الجزائرية.

في شهر سبتمبر 1957، أدرجت الأمم المتحدة من جديد القضية الجزائرية ضمن جدول أعمال دورتها الثانية عشر (12)، و أعربت في قرارها 1184 الصادر في 10 ديسمبر من نفس السنة، عن رغبتها في أن "يُصار، بروح من التعاون الفعال، إلى إجراء محادثات واستخدام وسائل مناسبة أخرى للوصول إلى حل، وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه". و كان للمجزرة الشنيعة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق السكان العزل لقرية ساقية سيدي يوسف الحدودية، يوم 08 فبراير 1958، الأثر البالغ في زيادة التعاطف الدولي مع القضية الجزائرية وتسريع وتيرة الاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي أنشأت في 19 سبتمبر 1958.

وبعد إدراج القضية الجزائرية مرة أخرى في الدورتين الثالثة عشر (13) والرابعة عشر ( 14)، دون التوصل لقرار أممي، تمكنت الدبلوماسية الجزائرية بمساعدة الدول المساندة لكفاح الشعب الجزائري من استصدار لائحة في الدورة الخامسة عشر( 15) للجمعية العامة بتاريخ 19 ديسمبر 1960، تعترف فيها صراحة " بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير وفي الاستقلال"، وإعمال هذا الحق "على أساس احترام وحدة الجزائر وسلامتها الاقليمية". ولقد دعم الشعب الجزائر دبلوماسيته بالمظاهرات التاريخية لـ 11 ديسمبر 1960 التي استطاعت كسر صمت الأمم المتحدة بقوة التلاحم الذي عبرت عنه المظاهرات الشعبية العارمة التي عمت مختلف المدن الجزائرية الرافعة لمخططات الجنرال ديغول الاستعمارية ولخرافة "الجزائر فرنسية".

وفي دورتها السادسة عشر (16) أصدرت الجمعية العامة بتاريخ 20 ديسمبر 1961 القرار 1724 تدعو فيه إلى استئناف المفاوضات بغرض تمكين الشعب الجزائري من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال في إطار احترام وحدة الجزائر وسلامتها الترابية، واستند هذا القرار على اللائحة التاريخية 1514 المتعلقة بـــ " إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة"، المصادق عليها في 14 ديسمبر 1960 والتي دعت بالخصوص إلى" ضرورة وضع حد بسرعة وبدون قيد أو شرط للاستعمار بجميع صوره ومظاهره".



  • دبلوماسية " الجزائر المكافحة" تبرع في التفاوض مع سلطات الاستعمار :

على الرغم من إجراء اتصالات مبكرة بين قيادة جبهة التحرير الوطني والسلطات الاستعمارية الفرنسية ( القاهرة، أفريل 1956 – بلغراد، جويلية 1956 – روما، سبتمبر 1956 )، إلا أن مفاوضات إيفيان، بمختلف مراحلها، كانت المحطة الرئيسية التي كرست انتصار الدبلوماسية الجزائرية، بفضل التحام قادة الثورة التحريرية المباركة وثباتهم على المبادئ الراسخة التي تضمنها بيان أول نوفمبر 1954 ومقررات مؤتمر الصومام، حيث نجحت ثلة من الوطنيين المخلصين والمفاوضين المحنكين في التغلب على الاستعمار الفرنسي وإفشال مخططاته، وإرغامه في الأخير على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والاعتراف بالسيادة الوطنية والوحدة الترابية للجزائر. كان مسار هذه المفاوضات طويلا وشاقا، عرف العديد من العقبات نتيجة مناورات المستعمر وعدم جديته ومحاولة خلق الشقاق للتأثر على المفاوض الجزائري وإضعاف الثورة التحريرية. كانت البداية بالمفاوضات السرية التي احتضنتها المدينة الفرنسية "مولان" Melun و التي جرت بين 25 و 29 جوان 1960 وتعثرت لاشتراط فرنسا فصل الصحراء عن باقي القطر الجزائري، ثم مفاوضات "لوسرن"lucerne السويسرية في الفترة بين 20 و 22 فيفري 1961 لتأتي مفاوضات "إيفيان الأولى" التي جرت ما بين 20 جوان و 13 جويلية 1961، أين شكل ملف الصحراء و مستقبل المعمرين في الجزائر عقبة حقيقية لإحراز تقدم في مسار المفاوضات، لتستأنف في مدينة "لوغران" Lugrin الفرنسية من 20 إلى 28 جويلية 1961، لكنها توقفت للأسباب ذاتها. ثم تلتها المباحثات التي جرت في مدينة "لي روس" les Rousses من 11 إلى 19 فيفري 1962 لتأتي "مفاوضات إيفيان الثانية" في الفترة ما بين 07 إلى 18 مارس 1962، حيث توجت بالاعتراف الفرنسي بسيادة الجزائر ووحدتها الترابية الكاملة و أن جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الجزائري، لتتوج بالقرار التاريخي لتوقيف القتال بتاريخ 19 مارس 1962 و استقلال الجزائر بعد سبع سنوات من الكفاح المرير ومائة و اثنان و ثلاثون سنة من الاحتلال البغيض.


  • انضمام الجزائر إلى اتفاقيات جنيف الأربعة الخاصة بالقانون الدولي الإنساني.

تمكنت الجزائر من إحراز نصر دبلوماسي هام لا يتأتى سوى للدول المستقلة و ذلك بتاريخ 20 جوان 1960، بحصولها على تسجيل حكومة سويسرا لوثائق انضمام الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إلى اتفاقيات جنيف الرابعة. و كانت الدبلوماسية الجزائرية ترمي من وراء الانضمام إلى هذه الاتفاقيات الدولية، إلى فضح أساليب المستعمر القمعية وتجاوزاته اللاإنسانية لا سيما اتجاه المدنيين و أسرى و جرحى الحرب و فقا لما تنص عليه اتفاقيات جنيف.


المؤتمر الأول لدول عدم الانحياز ببلغراد – يوغوسلافيا: الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تحصد اعترافا دوليا.

تعد الجزائر من الأعضاء المؤسسين لحركة عدم الانحياز و هي لم تكن قد استرجعت بعد سيادتها، حيث شاركت في المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في "بلغراد" بيوغسلافيا في الفترة ما بين 1 إلى 6 سبتمبر 1961 و الذي شهد مشاركة خمسة و عشرين (25) دولة و ثلاثة (03) دول ملاحظة و قد القى بالمناسبة رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك يوسف بن خدة خطابا أظهر من خلاله عبارات الشكر و العرفان لما لقيته القضية الجزائرية من تأييد و مناصرة من خلال الاعتراف الرسمي بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من قبل المشاركين و المطالبة باستقلال الجزائر و بوحدتها الترابية.

  • انضمام الجزائر إلى المنظمات الإقليمية و الدولية.

من أهم المحطات المفصلية التي تبرز دور الجزائر الفعال في المنظمات الإقليمية و الدولية: انضمام الجزائر إلى جامعة الدول العربية بتاريخ 16 أوت 1962 و إلى هيئة الأمم المتحدة في 08 أكتوبر 1962، و إسهامها في تأسيس منظمة الوحد الافريقية و ثم الاتحاد الافريقي، إضافة إلى عضويتها الدائمة في حركة عدم الانحياز، كما أنها كانت عضوا مؤسسا لمنظمة التعاون الاسلامي بقمة الرباط في 25 سبتمبر 1969، و كانت المبادرة لتفعيل مشروع المغرب العربي، الذي تجسد في قمة زرالدة بتاريخ 10 جوان 1988.


  • الجزائر عضو مؤسس لمنظمة الوحدة الافريقية و الاتحاد الافريقي.

تعد الجزائر من مؤسسي منظمة الوحدة الافريقية في 25 ماي 1963 و أحد أبرز الأعضاء الفاعلين فيها، و قد سعت خلال ترأسها للدورة الـــ 35 لمنظمة الوحدة الافريقية شهر جويلية 1999 على تحديث وظائف هذه المنظمة و تفعيل عملها، وهو ما تحقق في 09 سبتمبر من نفس السنة، خلال القمة الاستثنائية بسرت (ليبيا)، التي ترأستها الجزائر، إذ تقرر إنشاء "الاتحاد الافريقي". ولقد برزت هذه المنظمة للوجود بعد مراسم تأسيسها التي نظمت في 09 جويلية 2002 بدوربان في جنوب افريقيا، لتكون بذلك الجزائر إحدى أعمدة هذا الاتحاد. كما أسهمت الجزائر في إنشاء مبادرة "النيباد" ( مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا) و" الآلية الافريقية للتقييم من قبل النظراء" Le Mécanisme africain d’évaluation par les pairs-MAEP، بالإضافة إلى استحداث : "مجلس السلم و الأمن الإفريقي" و"البرلمان الإفريقي". وقد رافعت الجزائر باسم و لصالح إفريقيا أمام قادة مجموعة دول الثمانية G8 ومجموعة العشرين G20 وكذا على مستوى منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية OCDE و في العديد من المحافل الدولية.



  • الدبلوماسية الجزائرية و القضايا العادلة للشعوب.

كان و لازال وقوف الجزائر إلى جانب القضايا العادلة للشعوب عقيدة راسخة ومبدأ ثابت في دبلوماسيتها، فقد احتضنت "قبلة الثوار" العشرات من الحركات التحررية عبر العالم مثل : منظمة التحرير الفلسطينية، المؤتمر الوطني الإفريقي وزعيمه مانديلا، الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، جبهة تحرير الموزمبيق، الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا و جزر الرأس الأخضر، اتحاد الشعب الإفريقي الزيمبابوي، جبهة التحرير للقمر .... وشهدت "أرض الشهداء الجزائر" التوقيع على قرار استقلال العديد من الدول الافريقية لاسيما المستعمرات البرتغالية، على غرار انغولا- الموزنبيق-الرأس الأخضر، وحين ترأست الجزائر الدورة التاسعة و العشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974، نجحت باقتدار في منح مقعد لمنظمة التحرير الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة بصفة "عضو مراقب" و دعت الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، رغم شدة المعارضات، لإلقاء خطابه الشهير و للمرة الأولى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة باسم الشعب الفلسطيني. كما نجحت الدبلوماسية الجزائرية في طرد وفد دولة إفريقيا الجنوبية من عضوية الأمم المتحدة، بسبب ممارستها لسياسة التمييز العنصري "الأبارتيد"، و بالمقابل و فرت كل الدعم " للحزب الوطني الافريقي" بقيادة الزعيم نيلسون مانديلا، كما اعترفت الجزائر بجبهة البوليساريو ممثلا وحيدا للشعب الصحراوي، و بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 06 مارس 1976، و ظلت مرافعة عن حق هذا الشعب في تقرير مصيره و استقلاله. كل هذه المحطات ستبقى شواهد تاريخية تبرهن على ثبات مبادئ الدبلوماسية الجزائرية، مهما كانت المتغيرات الإقليمية و الدولية.


  • الدبلوماسية الجزائرية تدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها.

أسهمت الدبلوماسية الجزائرية مبكرا بقسط كبير ضمن المحور الأفرو-آسيوي في تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة للقرار التاريخي رقم 1514 الذي صدر في 14 ديسمبر 1960 والخاص بمنح الاستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة. و كان لهذا القرار أهمية خاصة، إذ استندت إليه جميع القرارات اللاحقة المتصلة بتقرير المصير الصادرة عن الأمم المتحدة. وقد نص على حق جميع الشعوب من دون أي تمييز في تقرير مصيرها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي وإنهاء ظاهرة الاستعمار.


  • دعم الشعب الفلسطيني.

لاتزال العبارة الشهيرة للرئيس الراحل هواري بومدين "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" عنوانا لدعم الجزائر قيادة وشعبا لعدالة القضية الفلسطينية، فقد احتضنها الشعب الجزائري و ساندها عبر كامل مراحل المقاومة. وقد كان للجزائر دوما شرف الداعم الأول لفلسطين، فأول مكتب للثورة الفلسطينية كان بالجزائر بعد استقلالها مباشرة و أول مشاركة "لمنظمة التحرير الفلسطينية" كانت في الجزائر في مؤتمر القمة لحركة عدم الانحياز في عام 1973، كما احتضنت أرض الجزائر إذاعة "صوت فلسطين" لإسماع صوت الثورة الفلسطينية ودعم مقاومتها و كانت الجزائر وراء منح فلسطين صفة "مراقب" و إلقاء الرئيس الراحل ياسر عرفات لخطابه أمام الجمعية العامة سنة 1974، كما استضافت أرض الجزائر منظمة التحرير الفلسطينية و إطارتها و العديد من فصائل المقاومة في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 و استفاد المئات من المقاومين من التدريبات العسكرية، كما حظي الآلاف من الطلبة الفلسطينيين بمنح دراسية في مختلف جامعات الجزائر. وجاء إعلان قيام الدولة الفلسطينية بأرض الجزائر بتاريخ 15 نوفمبر 1988 تكريسا للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية والتفافها حول مشروع الدولة...و لاتزال الجزائر ترافع في كل المنابر الدولية قصد إيجاد حل دائم و عادل للقضية الفلسطينية، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة و عاصمتها " القدس الشريف".



  • دعم الشعب الصحراوي.

ظلت الجزائر- التي ينبع موقفها الثابت، تجاه القضية الصحراوية من إيمانها الراسخ باحترام الشرعية الدولية و حق الشعوب في تقرير مصيرها- تدعو و تدعم تسوية عادلة و دائمة لنزاع الصحراء الغربية و تحرير "آخر مستعمرة إفريقية"، على أساس حل سياسي يمكن الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير و فقا لقرارات الاتحاد الإفريقي و لوائح الأمم المتحدة قصد وضع حد للمأساة التي يعيشها هذا الشعب الذي مُنع منذ أكثر من 46 عاما من حقه في تقرير مصيره بحرية.




  • تأميم المحروقات (1971) والنضال من أجل سيادة الدول على ثرواتها الطبيعية.

سمح قرار التأميم التاريخي للمحروقات باستعادة الجزائر لثرواتها و كان القرار متبوعا بأمر مؤرخ في 11 أفريل 1971 يحدد الإطار الذي ينبغي أن يمارس فيه نشاط المؤسسات الأجنبية في مجال البحث و استغلال النفط. و استطاعت التجربة الجزائرية الناجحة أن تفتح الباب أمام كل من ليبيا و فنزويلا و غيرها من البلدان المنتجة للنفط في أرجاء العالم.

وعند اندلاع حرب أكتوبر 1973، ساهمت الجزائر بقوة في إنجاح الحظر النفطي الذي فرض على حلفاء اسرائيل ضمن الخطة التي أعدتها الدول العربية الأعضاء في منظمة أوبيك. كما أكدت الجزائر عند احتضانها لقمة هذه الأخيرة شهر مارس سنة 1975 على حق الدول في بسط سيادتها على ثرواتها الطبيعية ومواجهة جشع الشركات العالمية الكبرى، علاوة على إسهامها في إنشاء صندوق الأوبيك للتنمية الدولية كدعم للدول الأقل نموا.

  • المؤتمر الرابع لدول عدم الانحياز بالجزائر 1973:

احتضنت الجزائر القمة الرابعة لحركة عدم الانحياز، في الفترة من 05 إلى 09 سبتمبر 1973، بحضور أربعة وسبعين (74) دولة وستة (06) دول ملاحظة واثنا عشرة (12) حركة تحريرية تمثل كل من : أنغولا والموزمبيق وغينيا والرأس الأخضر والصومال وجزر القمر وفلسطين وبورتو ريكو وزمبابوي. وقدحظيت قمة الجزائر باهتمام الأسرة الدولية، نظرا لمستوى التمثيل وعدد الحضور واعتبرت، آنذاك، ثاني أكبر تجمع دولي بعد منظمة الأمم المتحدة، وكان من أبرز ما ميز هذه القمة، ظهور التوجه الاقتصادي كبعد آخر لمفهوم عدم الانحياز.


  • النظام الاقتصادي الدولي الجديد:

استطاعت الجزائر ضمن المحور الافرو-آسيوي و عبر بوابة حركة عدم الانحياز، التي ترأست قمتها الرابعة في سبتمبر 1973، إدخال عبارة "النظام الاقتصادي الدولي الجديد" في القاموس السياسي الدولي. و في هذا السياق، وجه الرئيس الراحل هواري بومدين، بتاريخ 30 جانفي 1974 بصفته رئيس مجموعة دول عدم الانحياز، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مؤكدا له على ضرورة عقد جلسة طارئة من أجل مناقشة مشكلة التنمية و العلاقات الاقتصادية الدولية قصد إقامة نظام دولي جديد مبني على أسس العدالة و المصالح المشتركة لكل الدول. و بالفعل عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة السادسة الاستثنائية في أفريل 1974، بهدف مناقشة المشاكل الاقتصادية للدول النامية. لتصدر الجمعية العامة في الفاتح ماي 1974 قرارين هامين، تضمن الأول إعلانا لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد، ووضع الثاني برنامجا لهذا النظام. و هو ما يؤكد دور الدبلوماسية الجزائرية الفعال في الدفاع على قضايا و مصالح الدول النامية و إقامة نظام دولي عادل.


  • الجزائر فاعل رئيسي في نشر السلم والأمن في المنطقة وفي العالم :

نجحت الدبلوماسية الجزائرية في العديد من ملفات الوساطة المعقدة، على غرار تسوية الخلاف الحدودي بين العراق و إيران، حيث كللت مساعيها بالتوقيع على "اتفاقية الجزائر" في 06 مارس 1975، على هامش مؤتمر منظمة أوبيك المنعقد بالجزائر. كما نجحت دبلوماسيتنا، أيضا، في وساطتها لتحرير الرهائن الأمريكيين سنة 1982 حينما احتل طلاب ايرانيين السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا 52 أمريكيا كرهائن على مدى 444 يوما. و كان مهندس هذه الوساطة وزير الخارجية الأسبق المرحوم محمد الصديق بن يحي الذي استشهد رفقة مجموعة من خيرة إطارات وزارة الشؤون الخارجية بتاريخ 3 ماي 1982، و هو يقوم بمهمة أخرى للسلام بين العراق و إيران، بعد أن تعرضت الطائرة التي كانت تقلهم للقصف على الحدود الايرانية – التركية.

كما نستذكر في هذا الإطار مساهمة الدبلوماسية الجزائرية في التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء النزاع بين إثيوبيا و أريتيريا سنة 2000، كما لا يجب أن ننسى دور الجزائر في استقرار الجارة مالي، حيث رعت بنجاح اتفاق السلام بين الحكومة المالية و "الطوارق" من خلال ابرام اتفاقيتين تاريخيتين: الأولى "اتفاقية تمنراست"سنة 1991 بين الحكومة المالية و حركة الأزواد و الثانية "اتفاقية الجزائر" بين الحكومة المالية و التحالف الديمقراطي لـ 23 ماي من أجل التغيير، سنة 2006 وظلت الدبلوماسية الجزائرية تحرص على استقرار هذا البلد الجار، حيث رعت الوساطة الدولية في النزاع بمالي و الحوار بين الأطراف المالية، و أدت هذه المهمة النبيلة بكفاءة عالية، و هو عمل دبلوماسي كبير توج في نهاية جوان 2015 بالتوقيع على "اتفاق السلم و المصالحة" الذي أطلق عليه "اتفاق الجزائر". كما كان للدبلوماسية الجزائرية أيضا بصمتها في الملف الليبي، إذ أكدت منذ البداية تمسكها بالحل السياسي للأزمة، داعية إلى حوار ليبي-ليبي شامل دون تدخل خارجي، مؤكدة استعدادها الدائم لمرافقة الأشقاء في ليبيا لتجاوز الأزمة و تحقيق المصالحة. وفي هذا الإطار، فقد احتضنت عددا من اللقاءات واستقبلت العديد من الوفود الليبية من أجل تقريب وجهات النظر لطي صفحة الأزمة وتحقيق الاستقرار والأمن في هذا البلد الشقيق.



  • مرافعة الدبلوماسية الجزائرية من أجل تبني استراتيجية دولية لمكافحة الارهاب.

كانت الجزائر سباقة لدق ناقوس خطر الإرهاب العابر للحدود، حيث رافعت في كل المنابر الدولية من أجل وضع استراتيجية دولية لمكافحة الإرهاب وسعت إلى استصدار قرارات ملزمة من قبل مجلس الأمن، لاسيما ضد مرتكبي الجرائم الارهابية ومن يقف وراءهم و تجفيف مصادر تمويلها والقضاء على شبكات دعمها اللوجستية، وقد أخذت الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الارهاب بعدين أساسيين، بعد إقليمي كمرحلة أولى على مستوى الجامعة العربية و منظمة الوحدة الافريقية آنذاك و منظمة المؤتمر الاسلامي، و بعد عالمي كمرحلة ثانية في أروقة الأمم المتحدة، بمجلس الأمن، ومن خلال مرافعتها في المنتديات الدولية حول التطرف العنيف و الإرهاب.


كما كانت الجزائر سباقة أيضا لدعوة المجتمع الدولي لتجريم دفع الفدية للإرهابيين من أجل تحرير الرهائن، معتبرة ذلك من أهم مصادر تمويل الإرهاب و الجريمة المنظمة، وهو ما تجسد فعلا من خلال القرارات الهامة التي اتخذها مجلس الأمن لاسيما القرار 1904 (2009)، و القرار 2133 (2014) اللذين يدعوان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى اتخاذ كافة التدابير للحيلولة دون استفادة الإرهابيين من مدفوعات الفدية أو من التنازلات السياسية.


الجزائر ترافع من أجل ترقية قيم السلام والمصالحة على الصعيد الدولي-"العيش معا في سلام"-

في إطار جهودها الرامية إلى ترقية قيم السلام والمصالحة على الصعيد الدولي، بادرت الجزائر بجعل تاريخ السادس عشر (16) ماي من كل عام "يوما عالميا للعيش معا في سلام". وهو ما كرسته الجمعية العامة للأمم المتحدة بإجماع أعضاءها عبر اللائحة رقم 72/130، شهر ديسمبر 2017. وبموجب هذه اللائحة أكدت الجمعية العامة أن هذا اليوم "يشكل وسيلة لتعبئة المجتمع الدولي بانتظام لترويج السلام والتسامح والتضامن والانسجام والوئام". ويُعد هذا الاعلان إقرارا من المجموعة الدولية بالجهود التي بذلتها الجزائر ونجاحها في ترقية ثقافة السلم والحوار والاحترام المتبادل والتسامح بين مواطنيها. إذ أصبحت اليوم التجربة الجزائرية في ميدان المصالحة أحد أنجح النماذج العالمية في ترقية السلم ونشر قيم التضامن والتسامح.


  •  الدبلوماسية الجزائرية تواكب الجهود الوطنية لتنويع الاقتصاد الجزائري (الدبلوماسية الاقتصادية):

ايمانا منها بأن القوة الاقتصادية تعد أحد أبرز العوامل الأساسية المشكلة لقدرة الدول ونفوذها وأحد أهم المحركات المحددة للعلاقات الدولية، عملت الدبلوماسية الجزائرية على جعل البعد الاقتصادي ضمن أهم أولوياتها تجسيدا للتوجه الوطني الرامي إلى تنويع الصادرات وفقا لتوجيهات السيد رئيس الجمهورية القاضية "بوضع معالم دبلوماسية اقتصادية هجومية في خدمة التنمية الوطنية والمؤسسات والمستثمرين العموميين والخواص".

في إطار هذا التوجه، وإدراكا منها بضرورة التنسيق مع باقي القطاعات وإشراك المتعاملين الاقتصاديين للمساهمة الفعالة في تنويع المداخيل من العملة الصعبة، بادرت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج إلى إنشاء مديرية بصلاحيات موجهة، تشكل حلقة وصل مع الدوائر الوزارية ومختلف المؤسسات والهيئات الوطنية المدعمة لتنمية الاقتصاد بخصوص تنسيق أعمالها على المستوى الدولي ومرافقة المؤسسات الجزائرية في مساعيها الرامية إلى ولوج الأسواق الخارجية وتنويع الاقتصاد الوطني للخروج من التبعية للمحروقات وترقية جاذبية بلدنا للاستثمارات الأجنبية. كما تم، في نفس الإطار، افتتاح مكتب "للإعلام وترقية الاستثمارات والصادرات"، بمقر الوزارة، الذي يُعد فضاءا مخصصا للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، بما في ذلك أبناء الجالية الوطنية بالخارج الناشطين في عمليات التصدير أو الشراكة مع المتعاملين الأجانب.